Friday, June 3, 2011

فليسعكِ بيتك.. ولتبكِ على خطيئتك




أزعجنى الظهور الإعلامى المُكثّف للسيد «عبود الزمر»، وإعلان رغبته فى خوض الانتخابات. هكذا جاءنا بعد غياب طويل ليقدم نفسه كبطل مُتَحرر. السيد عبود الزمر، ضابط المخابرات الحربية، الذى أمدّ قتلة السادات بالذخيرة والرصاص الخارق للدروع عاد إلينا بعد سجن طويل وكأنه نيلسون مانديلا.
فلنتذكر: جريمة قتل السادات كانت جريمة فكرية. مذبحة الأقصر كانت جريمة فكرية. قِيل لنا إنهم تراجعوا عن أفكارهم الدموية (هكذا بكل بساطة وكأن مَن ماتوا سيعودون للحياة)، واليوم تبين أنها خطوة تكتيكية!.
                                             ■ ■ ■
الإسلام لم ينتشر بالهول والويل والدماء. الإسلام انتشر فى أصقاع الأرض البعيدة حين حَمَله التجار والشعراء والعشاق فى قلوبهم وديعةً ثمينةً، وطوّفوا به الأرض من إندونيسيا إلى أعماق أفريقيا، ومن الصين إلى قلب أوروبا. انتشر بالحب والتراحم والوداد. بأولياء انشغلوا بالله عما سواه. بمحبة الأصفياء، بزهد الزُهّاد، بلوعة العشاق. بعلم العلماء، بتقوى الأتقياء، بتفتت الأكباد. بالآذان الواعية والعهود الوافية، بالعلوم والمواهب، بمعاناة الشوق وتصفية الصدور.
أربعة عشر قرنا من الحب والشعر والدموع، أربعة عشر قرنا من التسامح والعذوبة والصفاء، من حضارات ازدهرت ثم اندثرت. من قائمين والناس نيام، وصائمين والناس فُطور.
                                                ■ ■ ■
لا شىء أخطر على الدين من الفهم الخاطئ للدين. لم يؤذ أحدٌ الإسلامَ كما فعل الذين تبنوا سياسة العنف والاغتيالات. قتلوا النفس الزكية، فجّروا المدارس والأسواق، شوهوا سماحة الإسلام. أطاحوا بعمامة الأجداد، أسكتوا أغانى المنشدين، مزقوا أشعار العاشقين، أخرسوا أناشيد الحب، قصقصوا أجنحة العصافير. زرعوا القنابل والرصاص. هدموا الحضارة والعمارة والأمان.
اغتالوا السادات فما الذى أفادوه وما الذى أفدناه؟! ذهب السادات وجاء الأسوأ من السادات، ليجثم على أنفاسنا ثلاثين عاما كاملة باسم قانون الطوارئ ومكافحة الإرهاب. ما الذى كسبه الإسلام من الجهاد والقاعدة والجماعة الإسلامية؟ جلبوا الوبال علينا وأعطوا أعداءنا الذريعة ليمطرونا بالقنابل. شوهوا الصورة الحضارية للإسلام. كم من باحث عن الحقيقة صدوه - بأفعالهم - عن دين الله!
                                              ■ ■ ■
أضاعونا وأضاعوا أنفسهم. مازلت أذكر صورة عبود الزمر منذ ثلاثين عاما فى قفص الاتهام، بوجهه الوسيم وشعره الأسود وشبابه المتفجر، انكسر قلبى حين شاهدته الآن، بوجهه العجوز وملامحه المتعبة ولحيته المصبوغة. ثلاثون عاما فى السجن ليست بالأمر الهين.
من الناحية السيكولوجية لن يستطيع عبود الزمر أن يصارح نفسه بأنه أضاع عمره هباءً. لن يستطيع الاعتراف بأنه ضل السبيل وفقد بلا ثمن وجهه القديم. لابد أن تحدث عملية «الإنكار». لابد أن تحدث الأساليب الدفاعية النفسية ليحاول أن يقنع نفسه بأن عمره لم يضع هدرا، وأنه مستمر على غايته يجاهد فى سبيل الله.
                                             ■ ■ ■
هذه نصيحة لله، يسمعها الذين (لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا). يا سيد عبود الزمر.. أنت ومَن معك.. دع لنا ديننا الذى رواه أجدادنا بالحب لا بالدماء. وليسعك بيتك، ولتبك على خطيئتك.

No comments:

Post a Comment