Friday, February 25, 2011

الدكتور محمد عماره ... حظر المأذن و السباق الطائفى





كتب: أكرم القصاص




من سنوات طويلة فى السبعينيات، كان الدكتور محمد عمارة قد أصدر كتبا كثيرة، كان يركز فيها على حضارة الإسلام، والعلاقة بين العروبة والإسلام فى فجر اليقظة القومية، كما كتب عن على بن أبى طالب، وأبو ذر الغفارى، كان يركز كثيرا على حضارة الإسلام. ويدافع عن الشيخ على عبد الرازق فى مواجهة من كفروه عندما أعلن نهاية الخلافة العثمانية. التى كانت انتهت حتى قبل أتاتورك، بفعل الزمن حسب نظريات بن خلدون فى صعود الأمم وانهيارها، وعندما تنهار الإمبراطوريات التى ترتبط بالدين فلا يعنى ذلك انهيار العقيدة، الدكتور عمارة أيضا حقق أهم كتب فى تاريخ الفكر الإسلامى الحديث، الأعمال الكاملة للسيد جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الشيخ محمد عبده، أحد أعظم مفكرى الإسلام فى العصر الحديث، والذى ما تزال كتاباته تقدم إجابات لأسئلة تطرح اليوم. وقدم فكرا يربط بين الإسلام والمدنية، بشكل أخرجه من العصور الوسطى والشرح على المتون. وبقايا مثالب العثمانيين فى طور انهيار إمبراطوريتهم.

كما حقق الدكتور عمارة أعمال وكتابات عبد الله النديم، والكواكبى أول من حاول تحليل طبائع لاستبداد.. كانت كتابات الدكتور عمارة وكتبه المحققة تشير إلى كونه يرمى إلى الدفع بحضارة الإسلام إلى الأمام. وحفظت جهوده أفكار منورين قدموا الإسلام الوسطى بروحه وليس فقط بطقوسه. لكن الدكتور عمارة من سنوات اختلف كثيرا. ولم يعد يهتم كثيرا بإزالة ما يشوه وجه الحضارة الإسلامية، بقدر ما بدا مهتما بسباق طائفى بلا فائدة.

أقول هذا بمناسبة كتاب الدكتور عمارة الأخير الذى أرهق نفسه فيه من أجل أن يبرهن على تزييف الأناجيل والمسيحية. ولا تعرف ماذا يفيد الإسلام أو أى عقيدة سماوية إثبات زيف العقائد الأخرى مع العلم أن الإيمان فى أغلبه وراثى ومعروف أن الإسلام بنى على خمس، ليس من بينها التشكيك فى المسيحية.

ثم أن العقائد السماوية كلها نزلت من أجل تهذيب أخلاق البشر ووحشيتهم وجعلهم أكثر تسامحا وإنسانية، ومن أفضل الإيمان أنه يمنح الإنسان يقينا يدفعه إلى حب العالم والرغبة فى خدمته.

المثير أن الدكتور محمد عمارة كان من أوائل المفكرين الذين تصدوا لأفكار التنظيمات المتطرفة، عندما أخضع النصوص التى تم توظيفها فى كتاب محمد عبد السلام فرج "مفكر الجهاد" للبحث التاريخى وكشف أن نصوص بن تيمية لتكفير الحاكم والمحكوم كانت ترتبط بمن يحالفون التتار. كان الدكتور عمارة ينزع فتائل قنابل الجهاد والتنظيمات المتطرفة التى كانت تضر الإسلام وتصم المسلمين بالعنف والإرهاب.

كما أن الدكتور محمد عمارة تصدى أيضا للفتنة الطائفية. فلماذا يعود عن كل ذلك لينشر تقارير وكتبا لا يؤدى لغير الفتنة، مع أن الرجل ليس فى حاجة إلى شهرة أو أضواء، وهى شهرة تحرق الكثير من أواصر العلاقة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين. وهذه مباراة فى الفتنة الكاسب فيها خسران.

وهنا فإن الإسلام هو عقيدة نزلت من أجل تنظيم حياة البشر، فضلا عن كونها عقيدة تمنح معتنقيها الشعور باليقين وتقدم حلولا كثيرة. والمسيحية عند معتنقيها تعنى لهم اليقين والإيمان. ولا نظن أن مسلما يستفيد من البرهنة على زيف المسيحية وتزويرها، ولا مسيحيا مؤمنا يستفيد من القذف فى حق الإسلام أو الديانات الأخرى.

لقد أصدر الدكتور عمارة من سنوات كتاب أغضب المسيحيين وها هو فى تقريره يقول إنه يقدم دلائل على تزييف الأناجيل وغيره، ولا نعرف لماذا لا يترك الدكتور عمارة المسيحية لأهلها يناقشون أمورها، مثلما يناقش المسلمون عقيدتهم. وربما كان أجدى من الانضمام للألتراس العقائدى أن يسعى لمخاطبة العقول المتعصبة، والجهل النشيط. أو يدافع عن صورة الإسلام التى شوهها وأساء إليها بعض المسلمين بجعل، وسوء نية أحيانا.

ثم أن المسيحيين شركاء للمسلمين فى وطن يقف على شفا طائفية، بسبب متطرفين من الجانبين يظن كل فريق منهم أنه لن يعيش فى وجود الآخر، ثم أن الأزهر كان دائما منارة للوسطية والاعتدال. ويجب أن يتوقع من يظنون أنهم يكسبون من الإساءة لعقائد الآخرين إن الآخرين يمكنهم أن يردوا ويسيئوا لعقيدة من يسىء لعقيدتهم، وقد رأينا أن القس زكريا بطرس، أو يوتا كلاهما يوجهون إساءات للإسلام ويشككون ويسيئون. ردا على خطب وكتابات النجار وغيره، وهى نتيجة للتطرف تنتهى بالإساءة للعقائد جميعا وتشعل الفتن. فإذا كان عمارة يؤكد أن لديه أدلة، فغيره خرجوا ليقولوا إن لديهم أدلة، وأغلبها تاريخى أو ظنى أو موضوع بهدف الإساءة. والجدل لا يفيد فى النهاية. غير الطبل الأجوف فى قنوات التعصب الجاهل، هنا أو هناك. ليكسبوا المزيد وتخسر العقائد.

وعلينا أن نسترجع كيف أصاب المسلمين الغضب من جراء اعتداء متطرف على مروة الشربينى لكونها مسلمة، وكيف غضب المسلمون من استفتاء سويسرا لحظر المآذن. وهى أفعال قاد إليها التطرف وسوء الفهم، ليس من الإسلام، ولكن من تصرفات مسلمين لا يفرقون بين الإيمان والإساءة للعقائد. وفى النهاية فإن المعتقدات فى قلب كل مؤمن، والله سبحانه فى النهاية هو وحده الذى سيحاسب الجميع.

والواقع أن احترام عقائد الآخرين، جزء مهم من الإيمان الحقيقى، وليس المظهرى، والدنيا فيها الكثير من المشكلات، خاصة أن العقائد كلها تواجه هجمات من الإلحاد، ومن المتطرفين، والمسلمون يحتاجون إلى اجتهادات الدكتور عمارة وغيره، فى مناطق ليس من بينها الإساءة إلى المسيحية، وهناك مشتركات كثيرة بين الديانات السماوية التى لها أصل واحد، فلماذا لا يترك كل فريق معتقد غيره، ويركز فى معتقده، وينزع أسباب التطرف لأن احترام العقائد من علامات الإيمان.

Friday, February 18, 2011

مسلم فى الكنيسة


كتب: شريف حافظ


أحسست بأننى يجب وأن أعبر عما أقوله! فالكلام وحده ليس كافياً! ورسايل الفكر، يجب وأن يصاحبها القدوة! ولذا، قررت أن أذهب إلى الكنيسة، ممثلاً عن نفسى ليس إلا، يوم قُداس عيد القيامة، محتفلاً مع إخوتى وأخواتى فى الوطن، بعيدهم، ومشاركاً لهم فرحتهم. لم أذهب بناءً على دعوة ولم أنتظرها، لأننى مصرى، قرر أن يدخل دار عبادة يمثل السلام كأى دار آخر للعبادة، فى أى دين. تأففت كثيراً ممن مهدوا لذهابهم للكنائس فى ذلك اليوم بالحديث فى الصحف ولوسائل الإعلام، وكأنهم يقومون بعمل "شو" إعلامى، للتعبير عن "تسامحهم"، لأن هذا الفعل، لا يحتاج إلى "المنظرة" وإنما إلى أن نقوم به بصمت واحترام، بعيداً عن أى نوع من التباهى والتفاخر، وبشكل طبيعى، لأن ما نقوم به يدمج هذا الوطن ويوحده عن حق، بعيداً عن الشعارات البراقة التى طالما نادينا بها كثيراً دون أى جدوى!
وفى طريقى، لدخول كنيسة مدينة 6 أكتوبر، وجدت إجراءات أمنية تفوق الوصف. فتيقنت من "جدية" الدولة فى صيانة الكنائس والمواطنين المصريين المسيحيين! دخلت إلى الكنيسة ورأيت رجلاً يبدو عليه أنه يستقبل القادمين، فعرفته بنفسى وبأننى مسلم. فسلم على بشكل جميل ومُرحب وأدخلنى إلى قاعة وجدت فيها أعضاء للمجلس الشعبى المحلى للمدينة، من المسلمين أيضاً. ثم جاء ممثلون عن الحزب الوطنى ووزارة الأوقاف من الأزهريين. وقد جاء مجلسى بجانب ممثلى وزارة الأوقاف، فجلسنا نحتسى القهوة ونأكل الحلوى المقدمة لنا ونتحدث فى شئون ديننا الإسلامى وسعادتنا بتعيين الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر، رغم حزننا على وفاة الشيخ الدكتور سيد طنطاوى. ثم سمعنا بقدوم موكب المحافظ الدكتور فتحى سعد، ودخل علينا رجال الكنيسة من المستقبلين، يدعونا للنزول إلى بهو الكنيسة. وجاءت اللحظة التى طالما كنت أتمنى أن أحياها، وهى الدخول إلى القُداس، بعدما حدث يوم عيد الميلاد الماضى من مأساة بشعة فى مدينة نجع حمادى، لأعبر مثلما عبر غيرى، عن أننا شعب واحد، وأن من يقوم منا بجرائم ضد أفراد هذا الشعب، لا يمثل أحداً غير نفسه ولابد من معاقبته!
دخلنا وراء سيادة المحافظ ورجال الدولة، وجلسنا حيث كان الرجال، حيث هناك تفرقة بين مجالس النساء ومجالس الرجال. واستمعنا إلى تكملة عظة أحد رجال الدين ثم إلى عظة كاملة لرجل آخر. تكلم الرجل الآخر، حول أمراض العيون بصورة فلسفية عميقة موضحا مختلف الأمراض وترجمها إلى ما تعنى فى رؤية الآخر فى مصر. فتكلم عن قصر النظر وطول النظر وعمى الألوان والبقع السوداء على العين. تكلم عن كيفية أن هناك من لا يرى غيره وإنما فقط عشيرته. وتكلم حول سماحة الدين والمسيح عليه الصلاة والسلام. كانت العظة رائعة فى فلسفتها وعامة فى تناولها، بحيث إننى لم أشعر أنى أسمع شيئا خارجاً عما أؤمن به كمسلم، رغم الاختلافات العقيدية التى بالطبع أحترمها، حيث لكل شخص الحق فى أن يؤمن بما يريد.
نظرت فى القاعة حيث جلسنا، وكان النسوة يغطين شعورهن "بطُرح" وهن فى غاية الخشوع. ملامح الجميع ملامح مصرية صميمة، رجالاً ونساءً. كانوا جميعاً غاية فى الود. وعند انتهاء العظة، ذهبنا متقدمين الجميع، لنهنئ القساوسة بعيد القيامة، ثم ذهبنا.
لقد شعرت داخل هذا القداس، الذى لم يتناول "الاختلافات" العقيدية، وكأننى أحتضن الوطن. وكأن مصر بين يدى. وكأن كل ما يُقال ويُشعر فى الأجواء، منذ أمد قريب، فى عُرف التاريخ، إنما هو تعبير عن تخريب مُتعمد، دخيل على المصريين. وإنما مصر، هى تلك الحالة التى عشتها فى داخل هذا القُداس، الذى لن يكون الأخير الذى أحضر، فى أعياد مسيحيى مصر!
وهذا، لا يتعارض على الإطلاق، مع توقيعى على البيان الذى كتبه الأستاذ كمال غبريال حول الرفض التام لتدخل الكنيسة فى الشأن السياسى. فنحن نعارض تدخل المؤسسات الدينية الإسلامية فى الشأن السياسى، وبالتساوى، نعارض تدخل المؤسسات الدينية المسيحية أو غيرها، فى السياسة المصرية، لأن الدين لله والوطن للجميع. إن مصر لديها رئيس واحد فقط للجميع، سواء كنا نتكلم عن الرئيس الحالى أو من سيليه. وليس لمصر رئيس مسلم للمسلمين ولا رئيس مسيحى للمسيحيين. وليست هناك قوميات فى الأديان، لأن الأديان للعالمين، ومن يقول هذا، إنما هو يحدد نطاقا للدين وتلك مقولات جوفاء، لزرع الفتنة فى الصدور!
استرجعت عندما شاركت مسيحيى مصر عيدهم، الحقيقة الأبدية:
نعيش تحت الشمس نفسها.
والقمر نفسه.
نمشى على نفس الأرض.
تكويننا البيولوجى واحد.
نتنفس نفس الهواء.
ونعيش تحت السماء نفسها.
ومشاعر الحزن والفرح واحدة.
وقضايا الوطن تجمعنا.
نحمل الجنسية المصرية ونفتخر.
ونريد إصلاح الوطن.
وتغييره معاً!.
إذاً، لا يمكن أن يفرقنا شىء
طالما امتلكنا عقولاً، فى رؤوسنا !

تجديد الخطاب الدينى المسيحى


كتب: شريف حافظ 


كتبت فى 22 فبراير الماضى، مقالا بعنوان "لماذا تجديد الخطاب الدينا"، حيث تناولت أسباب ضرورة تجديد الخطاب الدينى المسلم. ومع تطور الأحداث صُدمت، بل قُل صُدمنا، برؤية الخطاب الدينى المسيحى المُعاصر، فى جوهره. وبالطبع قرأت لأعرف، من أين جاء هذا الخطاب، لأمضى وراء الخيوط التى أرشدتنى إلى هوية الكنيسة المرقسية منذ أن أعتلى البابا شنودة كرسى الباباوية، وسمعت من أقباط حدثونى حول "أجندة" الكنيسة فى عصر الرجل، وتاريخ قداسته شخصياً، لأجد أشياء، أعترف أنها شكلت بالنسبة لى مُفاجأة طاغية!
لقد نهض السيد حبيب جرجس، رائد النهضة القبطية فى العصر الحديث، بالكنيسة المرقسية فى نواحى التعليم، إلا أنه وفى الوقت نفسه أنشأ مصطلح "الأمة القبطية"، حيث أصبح المصطلح موازٍ لمصطلح الأمة المصرية، ويجوز بالفعل تحديد الوطن بالأمة، بينما إصطلاح الدين فى إطار أمة، مثل الأمة القبطية والأمة الإسلامية، إنما هى أمور تجعل الدين مؤطرا، وهو الذى يُفترض أن يكون للعالم كله!! كما أن مصطلح كهذا يشمل أصحاب دين ما، فى وطن يشمل أكثر من دين، إنما يؤكد عُزلتهم. إلا أننا نرى أن الإصطلاح، إنما جاء فى لحظة ما، لمواجهة "الإرساليات" الغربية القادمة من الخارج، وبالتالى، كان مناسب لعصر معين، بينما لم يكن كذلك فيما بعد!
لقد آمن البابا شنودة بتلك الدعوة: دعوة "الأمة القبطية" وضرورة إصلاح الكنيسة المصرية والخطاب الدينى المسيحى، أيامها، لقد مثل هو تيار التجديد، ولكن هذا التيار حاد عن الهدف، عندما أُنشئت جماعة، تُدعى "جماعة الأمة القبطية" فى أواخر سنة 1952 وقد سُجلت فى وزارة الشئون الاجتماعية، لقد أكدت تلك الجماعة ضمن أهدافها، أهداف مشروعة للغاية، كانت: إصلاح شتون الكنيسة القبطية، نشر تعاليم الكتاب المقدس والتمسك بجميع أحكامه، تعليم اللغة القبطية وتاريخ الكنيسة والتمسك بعادات وتقاليد "الأمة القبطية".
أما الحث على إحلال اللغة القبطية محل اللغة العربية، فلم يكن بالطبع إلا خروج على الأمة المصرية وإسراف فى التناول وتعصب فى الرغبة بالخروج عن الإجماع الوطنى! وكان شعار الجماعة "الإنجيل دستورنا والموت فى سبيل المسيح أسمى أمانينا" ويتضح بالطبع، أنه الشعار المقابل لشعار جماعة الإخوان المسلمين! لقد أعلنت تلك الجماعة عن نفسها "بخطفها" للبابا يوساب الثانى فى 1954، وإجبار الشباب القبطى الذى قام بذلك، إياه على التنازل عن كرسيه وتوقيعه على مطالبهم الإصلاحية!! ولتفكروا الآن معى، كيف سيكون الحال، لو أن مجموعة مماثلة من شباب الأقباط طالبوا بعزل البابا شنودة الذى أيد عزل البابا يوساب فيما بعد؟؟ ماذا عسى أن يحدث من قبل البابا اليوم لمن ينادى ويؤيد بعزله من الأقباط، كما فعل هو فيما يخص البابا يوساب؟ بالتأكيد ووفقاً لتاريخه فى الكنيسة، سيشلحه، إن كان من الأكليروس (من يعمل بالنظام الكهنوتى الخاص بالكنيسة) أو سيحرمهم من التناول، لو كان من الأقباط العاديين فى الشعب المصرى.. هذا رغم أنه هو ذاته كان من التيار الإصلاحى فى الماضى الذى طالب بعزل البابا يوساب!!!
لقد عبر بعد ذلك، البابا شنودة عن اعتراضاته الشديدة حيال البابا كيرلس السادس، وكانت بينهم معارك فكرية كبيرة. ومرة أخرى، لو كان البابا شنودة محل البابا كيرلس وقتها والبابا كيرلس مكانه، لكان البابا شنودة شلحه لاعتراضه عليه، كما حدث مع "كل" معترض على رأيه منذ أن تولى شئون الكنيسة، ليصبح الآمر بأمره ومالك كل شىء فى تلك المؤسسة، ويصبح هو صوت الإصلاح الوحيد، وما دونه لا يمكن سماعه! لقد تجسد هو فى الكنيسة وتجسدت الكنيسة فيه، بحيث لا يمكن لشخص فيها أن يخرج عن رأيه، وكأنه المقابل السياسى، لأى ديكتاتور سياسى، يخرس ألسن وأصوات الإصلاح فى أى دولة!
لقد جلس البابا شنودة على الكرسى الباباوى قُرابة 40 عاماً اليوم، وبالتأكيد استجدت ثقافة الأقباط وتغيرت الحياة كثيراً فى تلك الفترة الكبيرة. وبالطبع، ليست مسألة الزواج والطلاق فقط، هما المشاكل الوحيدة داخل الكنيسة المرقسية، ولكن هناك الكثير من المشاكل التى يُعانيها الأقباط. أهم تلك المشاكل على الإطلاق، فى كنف الوطن، هو رؤيتهم الدينية فوق مستوى رؤيتهم الوطنية، بحيث أصبح ولائهم الأول للكنيسة وفى القلب من الكنيسة للبابا شنودة، وليس لمصر كما يُزعم! ولقد عشت الاختبار، ورأيت أن سب مصر لا يهم الكثيرين منهم، ولكن التعرض للبابا يحولهم لوحوش.. وياللسخرية، فإن التعرض للمسيح عليه السلام، لا يؤثر كثيراً فيهم على عكس البابا شنودة التى أصبحت كلماته، أهم من الإنجيل للكثيرين منهم!
أنى لأدرك تماماً، فى ظل كل تلك الحقائق، أن تجديد الخطاب الدينى المسيحى (وهو ليس تغيير للعقيدة المسيحية، ولكن خلق المرونة بها لتواكب العصر من منطلق النصوص)، أمر غاية فى الصعوبة. إلا أن العمل على تجديد الخطاب المسلم، يجب وأن يواكبه تجديد فى الخطاب الدينى المسيحى، وإلا استمر الأقباط دوماً يشعرون بالاضطهاد. إن النجاح النسبى فى تجديد الخطاب الدينى الإسلامى، دون أى نسبة لنجاح التجديد بالخطاب الدينى المسيحى بالتوازي، سيجعل الأقباط لا يشعرون بالتجديد المقابل، لأنهم سيستمرون فى الشعور بالقهر والاضطهاد، لأنهم يتبعون الكنيسة، بأكثر مما يتبعون الوطن. إننى وفى تعاملاتى مع الأقباط الذين يشعرون بمصريتهم أكثر من كنيستهم، رغم تدينهم، إنما لا أجد فرقاً بيننا وكأننى أتعامل مع مصريين مسلمين، .. بل إن قضية الدين لا تطرأ إلا فى مناقشات "توعوية" لمعرفة كل منا دين الآخر، مع احترامنا للدينين، ولكن كل من يتعامل من منطلق كونه ينتمى إلى دين ما بتشدد، إنما يحسب كل "صيحة" عليه!! إنه يصير حساس للغاية حيال كل كلمة وكل فعل. لو أنى حمدت دينى الإسلامى، يشعر وكأننى أسب فى دينه المسيحى! إنه يشعر عندما أصلى وكأننى أضطهده، وعندما أصوم وكأننى أستهدفه! إنه يشعر بإسلاميتى المتشددة، حتى وإن كنت معتدلا!! لماذا؟ لأنه "قيل" له، بأنى (فى العام وليس المقصود بها شخصى) أهدف "كمسلم"، إلى بناء دولة دينية تستهدف عبادته، ولأنه لا يشعر بكونه مصرى مثلى.. بل يشعر بأنه مصرى "أكثر" منى!!! وقد يقول البعض بأنى أهول، ولكن مؤتمر الأقباط الذى دعا له البابا شنودة يوم 17 يناير 1977، للرد على الأزهر فى ندائه بتطبيق حد الردة (وهو ما أرفضه أيضاً) قال فى نص بيانه: "أن المجتمعين وضعوا نصب أعينهم الإيمان الراسخ بالكنيسة القبطية وتضحيات شهدائها، والأمانة الكاملة للوطن المفدّى الذى يمثل الأقباط أقدم وأعرق سلالاته، حتى أنه لا يوجد شعب فى العالم له ارتباط بتراب أرضه وبقوميته مثل ارتباط القبط بمصر العزيزة"!! وبالطبع فإن رؤية الكنيسة للأقباط وكأنهم "أكثر" انتماء ممن دونهم بهذا الوطن "من المسلمين"، يُعد رؤية ذاتية "عنصرية" مبالغ فيها من قبل الكنيسة، لها دلالات كثيرة، لن نخوض فيها، حتى لا نزيد الطين بلة!
لقد عملت الكنيسة المصرية وفقاً لرؤية وبرنامج إصلاحى من قبل شخص واحد على مدى السنوات من 1971 وحتى اليوم، ولم يُتح لبقية رجال الأكليروس أو للمسيحيين المصريين، فى مجموعهم، المساهمة فى التجديد، مما جعل الكنيسة، دولة أخرى داخل الدولة، ذات رئيس مشابه للزعماء التاريخيين، الذين ينظر إليهم التابعين لهم، وكأنهم لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم!! هذا رغم أنه كان مسئولاً عن الكثير، منذ أحداث الخانكة 1972 وحتى اليوم، لأنه دخل الكنيسة بآجندة "مُسيسة"، هى أجندة "جماعة الأمة القبطية" ورؤيتها للإصلاح، وفقاً لمرحلة بعيدة وغير متوافقة مع حال اليوم ولا 1971 وما بعدها، أو مع حال الشباب القبطى الذى تطور مع الزمن، ويرى فيمن يساهم فى تفرقته عمن يحيا معهم، الشر! لقد عملت الكنيسة كثيراً بعيداً عن النص، ووفقا لرؤية البابا ومشاعره، عندما حرمت أُناس، اختلف معهم البابا، مثل نظمى لوقا، لأنه كتب كتاب مدح فيه الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - وموسى صبرى، لأنه كان ذا ولاء لرئيس الجمهورية، وكأن الرسالة كانت، "فليختلف الأقباط عمن سواهم من مصريين ولا يمدحوا مقدسات المسلمين ولا يكون ولاؤهم الأول للشرعية الدستورية بالبلاد"، بينما يحل ذلك فى إفطارات رمضان التى تُدعى بافطارات "الوحدة الوطنية" والتى تعكس لنا الكاميرات كم نفاقها، بشكل لا يمكن أن يفوت على أحد!
يجب أن يعمل الأقباط على تجديد الخطاب الدينى المسيحي، بحيث يزيد إنتمائهم لمصر بعيداً عن التمثيليات المملة، ولكى يبعدوا عن الشعور بالإضطهاد، الذى لن يروه طالما شعروا بمصريتهم "المقبطة" أكثر من أى شىء آخر!! عليهم بالنظر فى قوانينهم السابقة فى المجامع المسكونية الماضية التى كانت أكثر تطوراً من "إصلاح" البابا شنودة الذى أخذ الكنيسة إلى عصر الشعور بالإضطهاد ويُعلن لهم كما قال بعضهم لى، بأن "عصر الاستشهاد قادم" (الاستشهاد المسيحى غير الاستشهاد المسلم، بحيث يُشعر البابا المسيحيين المصريين أن المسلمين المصريين، سيقتلونهم ليصبحوا شُهداء)، مُفتتاً بذلك "الأمة المصرية"، التى لا يعلوها شىء ولو كره الكارهون!
يا مسيحيو مصر لا تعتكفوا كما يفعل للى الأيدى! ولا تنضموا إلى جماعة خارج سياق الوطن، كما فعل، ولتعودوا إلى مصر وإن كان لزاماً الإصلاح فانتهجوا نهجه كما فعل هو ضد البابا يوساب الثان وبالتالى، لن آطالبكم بنهجٍ آخر، غير نهج البابا شنودة نفسه، ولن أصبح مُعاديا له ولنهجه، كما سيرى المغيبون منكم!!!
جددوا الخطاب الدينى المسيحى يا مسيحيى مصر! إن الإصلاح لديكم هو الحل حتى نخرج من النفق المظلم الخاص بالاضطهاد وتصبح مصر موحدة بشعبها دون تفرقة بالفعل.. فإن لم تفعلوا، فلا تشكوا بعد ذلك من دولة تريد لكم "الخلاص" فترفضونه، وكأنكم عصفور فُتح له باب القفص، ولكنه اعتاد البقاء خلف القضبان! ولكن أشكوا نهج "جماعة الأمة القبطية" الذى ولى زمانه، وستظل مصر فوق رءوس العباد ورئيس الجمهورية أياً كان هو السلطة السياسية الوحيدة فيها!
           أستاذ علوم سياسية.

Friday, February 11, 2011

كن نهرا للعطاء



كتب: بسمه موسى 


أولا أهنئ الطلاب والمدرسين والأساتذة بالجامعات بعام دراسى جديد يملؤه الحيوية والنشاط والأمل فى غد مشرق وعالم أفضل للجميع، فالعلم هو نهر متدفق مستمر إلى أبد الدهر ينشر الخير والنماء إلى الأراضى القاحلة فيحيلها أراض خصبة خضراء مثمرة بنور التقدم والازدهار، ويحتاج منا تحصيل العلوم المختلفة الجهد والصبر والمثابرة حتى يكون لتطبيقاته فى حياتنا العملية التأثير المطلوب منه.

فى تصفحى لشبكة الإنترنت أعجبنى حوار دار بين حكيم وأحد الفلاسفة، قال الحكيم "أينما يوجد الشجر يهطل المطر" فرد الفليسوف: أينما يهطل المطر ينمو الشجر" فسكت الحكيم وتنبه لذلك الفيلسوف وسأله أى العبارتين أصح، فأجاب الحكيم كلاهما صحيح فنحن ننظر دائما إلى نقاط الاتفاق لا الاختلاف فى المعنى الظاهرى والباطنى للكلمة.

كان الحكيم محقا فيما قاله فعندما كنا صغار درسنا بالعلوم أن أحد أسباب سقوط الأمطار العذبة هو وجود الأشجار والتمثيل الضوئى الذى تحدثه، وهذا هو المعنى المادى لقول الحكيم، فإذا نظرنا عمليا حولنا فيما يحدث بالأرض من تغييرات مناخية وتصحر فى بعض المناطق سوف ندرك أن أحد أسبابه هو قطع اشجار الغابات والتعدى على الأراضى الزراعية وتقليص مساحتها. أما ما كان يقصده الحكيم فعليا هو أنه طالما كان الشجر الوارف الظلال أى الإنسان المثمر موجودا على الأرض فإن أمطار العناية الربانية تهطل عليه كل حين وآخر.

فكيف نترجم حكمة الحكيم فى حياتنا اليومية المملوءة بالتناقضات والمصاعب التى أحيانا تنعكس سلبا فى أقوالنا وتصرفاتنا، تصور نفسك نهرا، ليس بنهر عادى يتدفق عبر صحراء قاحلة حيث يتجمع الماء القليل مع التراب ويفقده نقاءه، كما وأنه ليس بنهر يتدفق خلال وادٍ منبسط له ضفاف جميلة وأرض يكسوها بساط من سندس ملىء بالأزهار البرية، إنما هذا النهر الذى هو أنت يتدفق خلال غابة سريعة النمو كثيفة حيث تنمو الأشجار السميكة فتتساقط الأوراق الصفراء الذابلة بكميات كبيرة فى النهر وتتجمع فيه الإنقاض والحطام المتساقطة على نهر حياتك وتسير مع تدفق الماء.

الأوراق الذابلة التى فقدت الحياة ترمز إلى المصاعب التى تواجهنا فى حياتنا والحاجة إلى الانضباط والنظام لكى نطور العلاقات الإنسانية الخلاقة، وتفاعلاتنا الاجتماعية فى علاقاتنا بالآخرين، و ترمز أيضا إلى مختلف العقبات والمعوقات الجسمانية والنفسية والاختبارات والتى إن تغلبنا عليها تقوينا وتطهرنا.

فأينما كانت الأشجار تعلن عن وجود الحياة، وطالما وجدت الأشجار والحياة لابد من وجود الأوراق الذابلة والميتة، هناك أشياء كثيرة مثل الأوراق الذابلة تتساقط فى نهر حياتنا بدون أن نفعل شيئا لجذبها أو نتحرك تجاهها، لذا يمكننا أن نقول إن الأوراق الذابلة بريئة تماما لا لوم عليها، فهذه طبيعة الحياة أن تتساقط الأوراق فى النهر وتسير مع تدفق الماء.

من هذه الاوراق الذابلة الأفكار السلبية والأفكار الهدامة والسيئة غير الصحيحه التى تأتينا ولكننا قادرون أن ندعها تسير وتذهب بعيدا مع جريان ماء الحياة، لأننا إذا سمحنا لها بالبقاء وغذيناها وترجمناها إلى أعمال ستنمو وتتراكم كالأغصان الجافة التى تسد ماء النهر العذب وستصبح ضررا للمجتمع، وعندها سيقع اللوم علينا.

كن إيجابيا ولا تدع الأفكار السلبية الهادمة لبنيان المجتمع حولك تسيطر على عقلك وقلبك وتفرقك عن شركائك فى الوطن وتقلل من طاقتك الإنسانية لخدمة الغير، دع نهر الخير بداخلك صافيا عذبا لا تلوثه أفكار الآخرين السلبية، بل تشارك مع من مثلك المحبين لله ويظهرون محبتهم للمجتمع وللعالم، وهم كثيرون، فى صورة عملية ببناء صرح الحضارة الإنسانية التى تغدق الخير على الجميع، علينا أن نزيل الحواجز والسدود من الأفكار السلبية الهدامة التى تضرنا وتضر الآخرين وبناء صرح من التعاون والعمل الجماعى المشترك وخدمة المجتمع والإنسانية، عندها ستنعم البيئة حولنا بالسلام الاجتماعى وسيزداد شجر الخير المثمر وسيستمر هطول أمطار العناية الإلهية وتتبدل الأرض الجدباء إلى أرض خضراء فيها الخير للجميع.