Tuesday, September 28, 2010

3/1 عايزانى اغير دينى !


كتب: سيد شعبان

فى البدايه هنتكلم فى الموضوع ده لعرض موقف حصل وفكرة جديده علينا وليس الهدف اثارة الفتن وتقليب احد على الاخر نبدأ فى يوم الصبح قاعد فى محل عملى كالعاده وانا بحب اوقات كتير ابقى ساكت كده وقاعد مع نفسى فى اليوم ده لاقيت الراجل الكبير اللى معايا داخل من برا المحل هو بيحب يقف برا وبيقول اتفضلى يامدام ..

دخل هو و وراه المدام هى ست كبيرة وباين من هيئتها انها ست مسيحيه ده لانها كبيرة فى السن ومش محجبه وكانت لابسه سلسله فيها صليب ..سلمت عليا ازيك يا حبيبى قولتلها الحمد لله عم عبده قالها عامله ايه وفينك من بدرى محدش بيشوف حضرتك فين ايام زمان كنتى بتعدى عليا الصبح والعصر وانتى مروحه من البنك

وهنا فهمت انها كانت موظفه فى البنك اللى قريب مننا وكان ردها انها سوت معاشها وقاعده فى البيت وكده اريح وسألتنا سؤال ..انتو عندكم دش هنا (يعنى ريسيفر وطبقى وكده ) رديت بكل بساطه ايوه عندنا

وعم عبده قالها الاستاذ سيد بيعرف فيهم (مع تحذيراتى الشديده بان كلمه استاذ بتعصبنى) ساالتنى هى وبدات توجه كلامها ليا باعتبارى الاستاذ على حد زعم عم عبده وباعتبارى ان انا اللى بفهم فيهم

..وكان السؤال تعرف ابونا زكريا؟ رديت بتلقائيه وسذاجه كبيرة ايوة طبعا اعرفه وكنت اظن انها بتتكلم على النبى زكريا وبعدها لاقيتها بتقولى يبقى نت بتتفرج على قناه الحياه لحظتها فهمت انها تقصد زكريا بطرس

وقولتلها لا مبتفرجش عليها لانها قناه بتمويل امريكى وبتساعد على نشر افكار عقائديه الكل بيرفضها حتى الكنيسه المصريه واستغربت من ردى عليها قالتلى ابونا زكريا ده بيمسك القران ويطلع منه غلطات

قولتلها ده مش حقيقى والقرآن ما فيهوش اى غلطه لان ده كلام ربنا العليم وكمان زكريا بطرس ده مش بيستند للقران فى شىء هو بيدور فى موسوعه المعارف الاسلاميه ودى كتابها ناس مستشرقين يعنى حاجه تحتمل الصواب والخطا وليس شىء منزل من عند رب العالمين

وبدأت تقول كلام كتير كنت فى الحقيقه اول مرة اسمعه وجديد على سمعى لانى لاول مرة فى حياتى بدخل مع حد فى جدال زى ده وكنت بشوف فى عين الراجل اللى معايا ابتسامه وكانه بيشاهد مباره بين فريقين وينتظر فوز احدهما

وكنت بعزره لقله معلوماته ولعدم ادراكه حجم واهميه جدال زى ده بدأت الكلام والحجج اللى هى متخيله انها مستنده على حاجه قالتلى ان الاسلام انتشربحد السيف وان سيدنا محمد (ص) كان رجل استغفر الله شهوانى وكان يحب النساء

كان بيتجوز
كتير وقالت انه كان بيقعد عائشه على رجله وهى عندها 9 سنين واتجوزها وهى طفله بصراحه مكنتش عارف ارد او بمعنى اصح كنت برد وليس بحجج برد بقشور انما مفيش كلام موضوعى ولا على اسس

كانت اما تقول محمد اقولها تقولى سيدنا محمد لاننا لما بنتكلم بنقول سيدنا عيسى سالتنى انت اجتهدت علشان تكون مسلم ولا اتولدت لاقيت نفسك كده قولتلها طبعا اتولدت مسلم بس مقتنع ومؤمن بالاسلام وموحد بربنا قالتلى وليه متجتهدش وتدور وتشوف الحقيقه مايمكن انت على غلط انا خايفه عليك ..

هى خايفه عليا!هى بتحاول تهدينى للصواب وللصح ..كملت كلامها وقالتلى حاول تقرى وتدور وتعرف مش هتخسر حاجه الكون مفتوح ادامك انت عندك فيديو فى البيت؟جابتها ليه بتسالى قالتلى هجيبلك شرايط فيديو تعرفك اكتر وتفهمك انا عايزالك الخير قولتلها مش هيدخل الجنه الا من قال لا اله الا الله محمد رسول الله

ضحكت وقالتلى انت مش عايز تعرف بقى قولتلها مش عايز اعرف ايه قالتلى مش عايز تعرف الحقيقه وانك فى ضلام وانا عايزالك الهدايه قولتلها ياستى كل واحد حر فى حياته محدش قالك تمشى تهدى الناس ومن امتى كنا بنشوف المسيحى يكلم المسلم علشان يغير دينه احنا عشنا كلنا اخوه فى الشارع متعرفش المسيحى من المسلم لاننا كلنا واحد ايه اللى جد علينا

علشان نشوفك جايه تتكلمى فى ده دلوقتى لازم اكون صادق مع نفسى واقول انى نهيت الحوار بالشكل ده لانى مكنتش مزاكر ومكانتش ردودى فى محلها وحججى لما تكن قويه بالقدر الكافى ونهت المناقشه معايا وعلى وشها ابتسامه رضا علشان احسسها انها كانت اقوى وسلمت علياومشيت
وانا على وشى حسرة المهزوم يمكن خسرت جوله بس مخسرتش المعركه

بعد مامشيت ريحت راسى على الحيطه وفكرت ايه اللى احنا فيه ده منا متربى مع شريف عباس ومحصلش بينا اى حديث زى ده وفاكر جاكلين زميلتى فى المدرسه ومن واحنا صغيرين ولا كان فى بالنا اى حاجه زى كده خالص عدى كام يوم بعد المناقشه دى ..ولقيتها جايه وبتقولى صباح الخير وانا قاعد على نفس الكرسى وكذلك هى نفسى اماكننا وقاالتى عامل ايه دلوقتى يمكن سؤالها كان يحمل مغزى معين انا برفضه يمكن
كانت تقصد وصلت لفين وفكرت اد ايه وايه النتيجه اللى لقيتها
..رديت وقولتلها الحمد لله طبعا كويس فتحت شنطتها وطلعت كتاب منه وكنت اول مرة شوف الانجيل قلبت فى
الصفح وطلعتلى صفحه وقالتلى اقرا الفقرة دى قولتلها ليه قالتلى اقراها بس بصراحه مكنتش حابب اقرا بس قريتها ومفهمتش حاجه يمكن لانى مكنتش مركز وانا بقراها وبعد ماخلصتها
سالتنى وقالتلى فهمت ايه قولتلها مفهمتش حاجه ابتسمت وحست انى يمكن اكون فهمت بس بعاند واديتهولها قالتلى لا ده هديه ليك علشان تقراه انت محتاجه مش عارف تقصد ايه بانى محتاجه وليه محتاجه بصراحه اتغاظت من الكلمه و قولتلها

متفكريش انى علشان اتكلمت واتناقشت معاكى كده انى ممكن افكر اغير دينى اللى بتتكلمى فيه ده مش ممكن لانه مش تى شيرت ولا قميص هغيره ده عقيده ومعتقد وايمان لا يمكن انه يتحرك من مكانه وانا اذاكنت اتكلمت معاكى كده فده مش معناه انك احرزتى نصر ضدى ابدا الفكرة انى لو كنت من اول كلمه معاها قولتلها لا ومينفعش نتكلم فى كده كنت هبقى خايف وعقيدتى مش ثابته وايمانى مش قوى مشيت بردو وانتهى اليوم

بس من بعدها قولت هى اكيد هتيجى تانى وانى لازم ارد على كل اللى قالته وبعد يجى اكتر من سنه ..الساعه 12الضهر جت وكلمتها المعتاده صباح الخير يا ابنى ..قولتلها صباح النور بابتسامه عريضه ..فينك انا مستنيكى من زمان علشان ... انتظرونا فى الجزء التانى....

Monday, September 27, 2010

رقص صوفى من حفل افطار التسامح لمنظمة المؤتمر الاسلامى الامريكى


تم اخذ هذا الفيديو فى حفل افطار التسامح لمنظمة المؤتمر الاسلامى الامريكى و الذى عقد فى رمضان / سبتمبر 2010 بحديقة الازهر 

Friday, September 24, 2010

المستفيدون من الفتنة





 من المستفيد الأكبر من حوادث الفتنة الطائفية المتزايدة فى الفترة الأخيرة؟ هذا السؤال موجه فقط إلى المتطرفين والغوغائيين مسلمين ومسيحيين؟

لا نريد منهم إجابة سريعة بل عليهم وبعد أن يسبوا ويشتموا وينتقدوا، وبعد أن يمارسوا كل طقوس تطرفهم، عليهم أن يفكروا قليلا.. عليهم فقط أن «يشغلوا» عقولهم بموضوعية ولو قليلاً. فربما ظهرت لهم وجهة نظر أخرى تستحق المناقشة.

قبل أسابيع قليلة شاهدنا مظاهرات لمسيحيين غاضبين فى المنيا، سرعان ما انتقلت إلى القاهرة تطالب بتحرير السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن ديرمواس من قبضة مختطفيها المسلمين، ثم تبين أن الأمر لم يكن اختطافا وعادت السيدة، ليس إلى منزلها بل إلى مكان تعلمه أجهزة الأمن والكنيسة، وتتداول وسائل الإعلام قصصا غير مؤكدة أن السيدة أسلمت فعلا.

الآن بدأنا نرى مظاهرات تنطلق من المساجد الكبرى تطالب بتحرير كاميليا من قبضة خاطفيها وإعادتها إلى دينها الجديد الذى هو الإسلام.

ونشهد هذه الأيام أيضا قصة جديدة بطلتها تدعى مادلين عصام جرجس وعمرها 16 عاما ومختفية منذ أربعة أسابيع من قرية التوفيقية فى سمالوط، وتهدد المطرانية بالتظاهر والاعتصام فى القاهرة إذا لم تعد الفتاة إلى أسرتها.

وقبل أسابيع قتل شاب مسيحى هو إيهاب وحيد موسى ومعه خمسة آخرون شابا مسلما فى بنها لأنه تزوج من شقيقته هايدى التى اعتنقت الإسلام.

تخيلوا أن كاميليا أو وفاء قسطنين أو هايدى أو آلاف المسيحيات دخلن الإسلام.. المؤكد والبديهى أن ذلك لن يضر المسيحية ولن يجعلها تنتهى كديانة، كما أنه لن يغير من حال الإسلام شيئا.

الأمر نفسه عندما يتنصر المئات والآلاف فى أفريقيا وآسيا بسبب الفقر أو الجهل.. هذا الأمر لن يجعل الإسلام ينتهى غدا.

نسمع عن الآلاف يدخلون الإسلام كل يوم فى أوروبا وأمريكا.. فما الذى حدث. أو تغير.. لا شىء، والسبب ببساطة أنه فى مناخ الحرية والديمقراطية والتعددية فإن الإنسان حر فى معتقداته، وأن يعتنق الإنسان دينا معينا أو يصبح بلا دين فهذا شأنه الخاص.

سؤال آخر هو: أيهما أفضل أن نتظاهر مسلمين ومسيحيين معا من أجل حل مشاكل البطالة والتعليم والصحة، أم من أجل معرفة مصير السيدة كاميليا؟!

مبدئيا وحتى لا يتهمنى البعض بالإغراق فى الخيال أقول إننى متعاطف مع كاميليا الانسانة، وحقها وحق غيرها فى اعتناق ما تشاء وعدم إكراهها على البقاء فى مكان أو بيت أو دين لا تقتنع به.

يا أيها المتطرفون فكروا بمنطق الأولويات.. تظاهروا واعتصموا، لكن ليس أمام المساجد والكنائس من أجل كاميليا أو مادلين أو المتنصر محمد حجازى.. بل من أجل حق أولادكم فى تعليم محترم ومستشفيات إنسانية وطرق آمنة.

وقبل كل ذلك وبعده تظاهروا سلميا من أجل حقكم فى اختيار نوابكم فى البرلمان وانتخاب رئيسكم.. دافعوا عن حقكم فى الحرية والديمقراطية والتعددية.

لو حدث ذلك فسوف تنصلح كل الأمور تلقائيا.. عندما تكون هناك ديمقراطية حقيقية فإن دخول كاميليا الإسلام أو البوذية سيكون ذلك شأنها الخاص، ولن يشعر به أحد، سيركز الجميع فى عمله، وسيذهب كل شخص إلى مسجده أو كنيسته ليعبد ربه كما يشاء.

بل عندما تكون هناك ديمقراطية حقيقية ستضطر الحكومة إلى الانصياع للأغلبية فى تطبيق ما تشاء من قوانين حتى لو كانت دينية.

وإلى أن يحدث ذلك فالواضح أن المستفيد الأكبر من هوجة الفتنة وتزايدها هو كل من يكره هذا الشعب ويعاديه، ثم الحكومة، والسبب أن الناس تغرق فى مستنقع الفتنة وتنسى قضاياها الحقيقية

برودواى و المسجد





هناك عدة أسباب وراء عدم اعتراضى على بناء مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمى، غير أن السبب الرئيس هو محبتى لإيقاعات عروض برودواى.
تفسير ذلك أنه قبل أسبوعين أقام الرئيس أوباما وقرينته «عرضا لمسرح برودواى فى البيت الأبيض» كان عبارة عن حفل موسيقى فى القاعة الشرقية أحياه عدد من أكبر الأسماء فى مسرح برودواى التى أدت عددا من أشهر الأعمال التى عرضت على المسرح نفسه. ولأن زوجتى كانت من فريق عمل محطة ويتا التليفزيونية العامة التى نظمت الحفل، فقد استطعت الحضور، ولكن كل ما استطعت أن أفكر فيه هو أننى تمنيت لو أن جميع المواطنين كانوا هنا.

لا يتعلق الأمر فقط بالأداء العظيم لكل من أودرا ماكدونالد وناثان لين وإديدنا مينزل وإلين ستريتش وكارين أوليف وتونيا بينكينز وبرايان داكرى جيمس ومارفين هامليش وتشاد كيمبال، أو الحركات المفعمة بالحيوية لطلاب مركز متعة الحركة ومدرسة دوق إلينجتون للفنون وهم يؤدون «لن تستطيع وقف الفوز» وإنما يتعلق بالوجبة الدسمة الهائلة كلها.
فالمغنون الأمريكيون من أصول أفريقية، والراقصون الأمريكيون من أصول إسبانية، وهم يؤدون كلمات المؤلفين المهاجرين اليهود والأيرلندين، يصحبهم الموسيقيون البيض الذين جاء أسلافهم القدامى إلى أمريكا على متن سفينة ماى فلاور على حد علمى جميعهم يغنون ويرقصون ويعزفون من أجل أول رئيس أمريكى أسود، واسمه الأوسط حسين.

وكان العرض مفعما بالحيوية، حتى أنه ما من أحد كان يستطيع أن يلوم إلين ستريتش (84 عاما) عندما ابتعدت قليلا وقالت لأوباما الجالس فى الصف الأول «أود لو أثمل مع الرئيس». وكما كان الشعور بالطاقة النابضة لهذا العرض تذكيرا حيا بأهم ميزة تنافسية تتمع بها أمريكا، وهى الطاقة الإبداعية الكاملة التى تنطلق عندما يمتزج شعبنا متنوع الأصول وثقافاتنا المتعددة معا. فنحن نعيش فى عصر يعتبر القدرة على الإبداع أكبر الأصول قيمة لدى أى اقتصاد بمعنى إطلاق وتخيل أفكار جديدة، سواء كانت ألحان برودواى، أو كتبا عظيمة، أو أجهزة آى باد أو عقاقير جديدة لعلاج السرطان. فمن أين تأتى القدرة الإبداعية؟

تعجبنى الطريقة التى وصفت بها القدرة على الإبداع فى مقال نشرته نيوزيوك: «أن تكون مبدعا يستلزم التفكير المتباين (توليد الكثير من الأفكار المتفردة) ثم التفكير التقاربى (تجميع هذه الأفكار للوصول إلى أفضل نتيجة)».
ومن أين يأتى التفكير المتباين؟ يأتى من التعرض لأفكار متنوعة وثقافات وأشخاص مختلفين وأنظمة فكرية متباينة. وقد قال لى ذات مرة مارك تاكر، رئيس المركز القومى للتعليم والاقتصاد: «نحن نعلم شيئا عن القدرة الإبداعية، وهو أنها تتحقق عندما يقوم الأشخاص الذين يتقنون مجالين مختلفين أو أكثر باستخدام إطار أحد هذه المجالات للتفكير بشكل جديد فى المجال الآخر. وأنت تعرف ذلك بالحدس.

فقد كان ليوناردو دافنشى فنانا عظيما، وعالما، ومخترعا، وكان كل من هذه التخصصات يغذى الآخر. وكان مفكرا عظيما فيها جميعا. لكن إذا أمضيت حياتك بأكملها فى صومعة واحدة، فلن تكون لديك أبدا المعرفة أو القدرة الذهنية للتوليف والربط بين النقاط، الأمر الذى يحدث عادة عند التوصل إلى الإنجاز العظيم الجديد».

يعيدنى هذا مرة أخرى إلى مركز/ مسجد الجالية المسلمة، المعروف باسم بارك 51. ومن المفترض بناؤه على مسافة مربعين سكنيين إلى الشمال من موقع البرجين التوءم، وسوف يشمل مساحة للصلاة، ومركزا لفنون الأداء الحركى يضم 500 مقعد، وحوضا للسباحة، ومطعما. ونشرت صحيفة التايمز أن الإمام فيصل عبدالرءوف، الزعيم المسلم الذى يقف وراء المشروع، ويؤم الصلاة فى تريبيكا منذ 1983، قال إنه يريد للمركز أن يساعد فى «جسر الهوة ورأب الصدع» بين المسلمين والجماعات الدينية الأخرى. وأضاف «لقد أعربنا عن إدانتنا لأعمال 11 سبتمبر».

وأنا أحترم كثيرا مشاعر أولئك الذين فقدوا أحباءهم فى هجوم الحادى عشر من سبتمبر الذى تم اقترافه باسم الإسلام ويعارضون هذا المشروع. وإذا كنت أمتلك شخصيا مائة مليون دولار لبناء مسجد يشجع التسامح بين العقائد، فما كنت لأبنيه فى مانهاتن. بل كنت سأبنيه فى السعودية أو باكستان. فقد جاء الحادى عشر من هناك، وهما البلدان اللذان يتبنيان أشد صور الإسلام السنى تزمتا وهى صورة لا تبدى تسامحا ليس تجاه الديانات الأخرى فحسب، وإنما تجاه غيرها من المذاهب الإسلامية، وعلى نحو خاص الشيعة والصوفية والأحمدية. فبإمكانك أن تدرس الإسلام فى جميع الجامعات الأمريكية تقريبا، ولكنك لا تستطيع بناء كنيسة ولو من حجرة واحدة فى السعودية.

وعلى الرغم من ذلك، فنحن لا نريد محاكاة تلك المقاومة للتنوع، ولذلك أنا سعيد بسبب الموافقة يوم الثلاثاء على المسجد. فالبلدان التى تعزل نفسها عن التعرض للثقافات والعقائد والأفكار المختلفة، لن يمكنها أبدا تقديم ابتكار جوجل المقبل، أو علاج للسرطان، ناهيك عن تصدير الموسيقى أو الأدب الذى يجلب المتعة للأطفال فى أى مكان.

وعندما نقول « نعم، نحن البلد التى سوف يتسامح حتى مع بناء مسجد قرب موقع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فإننا نرسل برسالة قوية من الاحتواء والانفتاح. وهى صادمة لبلدان أخرى. ولكنك لا تعرف من قد يستمع إلى هذه الرسالة فى الخارج ويقول «يا له من بلد رائع! أود أن أعيش فى هذه البوتقة، حتى لو اضطررت لبناء قارب من علب الألبان للوصول إلى هناك». وما دام يحدث ذلك، فسيظل وادى السليكون هو وادى السليكون، وهوليوود هى هوليوود، وبرودواى هو برودواى، وستصبح أمريكا، إذا أصلحنا سياستنا ومدارسنا، على ما يرام.

Wednesday, September 22, 2010

مسلم و قبطى





لى صديق تعرفت عليه منذ خمسين عاما، عندما جاء إلى لندن ليلتحق بنفس الكلية التى كنت أدرس بها، ثم تزاملنا بعد ذلك فى العمل، وأصبح من أحب أصدقائى إلىّ.

لم ألاحظ قط، منذ تعرفت عليه لأول مرة، أن اختلاف دينه عن دينى، له أى أثر فى تصرفاته إزائى، أو إزاء أصدقائنا المشتركين من المسلمين، كما لم يكن له أى أثر فى تصرفاتى نحوه. كان كل منا ينظر إلى اختلافنا فى الدين مثلما ننظر مثلا إلى اختلافنا فى الطول والقصر، أو فى حجم الأنف أو الأذن، لا علاقة له بالمرة بتقييم كل منا للآخر.

كان يمتاز عنا جميعا برقته البالغة. يظهر ذلك فيما يبدو عليه من فرح بلقائك، وباستعداده للتعبير الصريح عن هذا الفرح، كما لاحظت عاطفيته الشديدة فى معاملته لأخته كلما جاءت إلى لندن لزيارته.

كان قليل الكلام ولكنه مستمع ممتاز (ويبدو أننا جميعا نحب المستمع الجيد أكثر مما نحب المتكلم الجيد)، وكان يدخل السرور على قلوبنا بضحكته المجلجلة إذا صدر من أحدنا كلام مضحك، كما كان أكثرنا صبرا على من كان كثير الكلام مثلى. لهذا وغيره من الأسباب لم تكن صحبتنا تكتمل إلا بوجوده.

أدهشتنى معرفته الواسعة بالشعر العربى، وعشقه لشعر المتنبى عشقا، وقدرته على إلقاء شعره بنطق صحيح وجميل. لم أكن أتوقع هذا من رجل متخصص فى الاقتصاد، إذ لم ألاحظ على معظم من عرفت من الاقتصاديين أى حب أو تقدير للأدب من أى نوع كان صديقى هذا استثناء فى هذا الأمر أيضا.

كنا فى لندن فى سنوات الناصرية، وكان معظمنا متحمسا بشدة لسياسة عبد الناصر الاقتصادية وسياسته الخارجية، بما فى ذلك فكرة القومية العربية. وكان صديقى هذا ناصريا متحمسا أيضا، ولا أذكر أن حماسنا للقومية العربية والوحدة كان يسبب له أى ضيق. لم أجد أى غرابة فى هذا فى ذلك الوقت، فعندما كنت عضوا فى حزب البعث فى الخمسينيات، كان من زملائى فى الحزب أقباط ومسيحيون من مصر ومن الدول العربية الأخرى، وكانوا مؤمنين بالقومية العربية وبمزايا الوحدة. بل كان رئيس حزب البعث نفسه وصاحب فكرته، الذى أحببناه كلنا حبا جما ووثقنا بصدقه، مسيحيا سوريا (ميشيل عفلق). وكان الأستاذ ميشيل (كما كنا نسميه) يؤمن إيمانا راسخا بأنه لا نهضة للعرب إلا بتحقيق الوحدة، واختار كشعار للحزب عبارة (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة).

لم يكن هذا بالطبع موقف جميع الناشطين السياسيين من الأقباط، حتى خلال الحقبة الناصرية. فالدكتور لويس عوض مثلا، كان لا يخفى بالمرة رفضه لفكرة القومية العربية، إذ كان شعوره الوطنى وحبه لأمته محدودا بالحدود السياسية لمصر وحدها. ولكن لويس عوض لم يكن يرى لبلده طريقا للنهضة إلا فى التغريب، ومن ثم كان متحمسا لاقتفاء أثر أوروبا خطوة بخطوة، ومن كان هذا رأيه لم يكن ليتحمس كثيرا للوحدة العربية، مثلما كنا نحن الذين نطمح إلى تحقيق النهضة بطريقة تستلهم التراث ولا تتنكر له.

مع مرور الزمن منذ السبعينيات، حدث ما كان لابد أن يصيب أصدقاءنا الأقباط بكثير من خيبة الأمل والقنوط. فمع تكرار أحداث ما يسمى بـ«الفتنة الطائفية». كان من الطبيعى جدا، ومن المفهوم تماما أن يتوجس الأقباط خشية من أى دعوة «لاستلهام التراث»، وأن يزداد خوفهم من أن تؤدى الوحدة العربية إلى ترسيخ فكرة «الأقلية والأغلبية»، وإلى تعميق شعورهم بالاغتراب بدلا من إزالته. هكذا فسرت ذلك التغير الذى لحق بموقف صديقى من الخوض معى فى أى مناقشة سياسية لها علاقة من قريب أو بعيد بالقومية العربية أو الوحدة، وكأنه يخشى من أن يؤثر الاختلاف فى السياسة على صداقة وطيدة عمرها خمسون عاما.

كان هذا واحدا من أسباب كثيرة لشعورى بالصدمة والإحباط عندما سمعت بخبر الاعتداء على الأقباط، ومقتل ستة منهم فى نجع حمادى فى الأسبوع الماضى. كان الخبر مأساويا من كل ناحية، خاصة أنه حدث أثناء خروج الأقباط من كنيستهم، وفى ليلة عيدهم. تخيلت شعور صديقى لدى سماعه بالخبر، الذى لابد أن يزيد شعوره بالاغتراب عمقا. كنت واثقا من أنه لن يفتح الموضوع معى، كما لا أجرؤ أنا أيضا على فتحه. كنت واثقا أيضا من أن ما حدث لا يمكن أن يترك أثرا على شعور كل منا إزاء الآخر. ولكن كم هو من المحزن ما أصاب به هذا الحادث أملنا فى تحقيق نهضة لهذا البلد، سواء قامت هذه النهضة على استلهام التراث أو على التغريب.

الفتنه الطائفيه أزمة مجتمع أم صراع أديان؟





فى مصر عبرت مواكب الأنبياء عليهم السلام ولا أحد يعرف كم عدد الأنبياء والرسل الذين هبطوا على أرض مصر منذ نزل أدم على الأرض.. فى حياة سيدنا موسى عليه السلام قصص طويلة.. وفى حياة يوسف عليه السلام قصص وحكايات وفى رحلة العائلة المقدسة سيدنا عيسى والسيدة مريم عليهما السلام عبرة لمن أراد أن يعتبر.

كانت مصر دائما مهدا لكل الأديان وعندما جاء الإسلام إلى ربوعها وأضاء شطآن نيلها بقيت كل الديانات وتعايشت بسلام فيها الإسلام والمسيحية واليهودية.. وبقيت المعابد والكنائس بجوار المساجد.. وعاشت الأجناس كلها فى حمى النهر الخالد الذى لم يبخل على أحد بخيراته.. فى مصر عاش كل أنواع البشر عبر تاريخها الطويل حتى الغزاة تكسرت سهامهم على ترابها ولم يرجعوا إلى أوطانهم وعاشوا فيها مكرمين.. منذ آلاف السنين عاش فيها الهكسوس والتتار بعد أن لاقوا هزائمهم.. وعاش فيها الإغريق والرومان والمماليك والأتراك والإنجليز والفرنسيين وكل الجنسيات الأوروبية من اليونان إلى إيطاليا.

وعندما هرب الأوربيون من الحرب فى بلادهم اختار الكثيرون منهم مصر وطنا وأمنا وسلاما..
ولهذا لم يكن غريبا أن يدخل الإسلام مصر وتندفع مواكب العرب القادمين برسالة محمد عليه الصلاة والسلام وتتوحد المساجد والكنائس ويتعانق الصليب مع الهلال ويصبح الوطن وليس العقيدة هو الشعار الذى يرفعه كل مصرى.. الدين لله ومصر للجميع هذا ما أعلنه سعد زغلول زعيم ثورة 19 التى لم تفرق بين مسلم ومسيحى.. حين اختلطت دماء الشهداء فى سيناء فى عام 56 و67 و73 لم يميز التراب وهو يعانق هذه الدماء الطاهرة من كان فيها مسلما ومن كان مسيحيا.
فى صفحات التاريخ القديم والحديث على أرض الكنانة شواهد كثيرة على أن المصريين لم يعرفوا التعصب فى أى مرحلة من مراحل تاريخهم وأن هذا الوطن وحَّدهم فى كل شىء.. وحَّدهم فى انتصاراتهم وانكساراتهم وكانت سماحة الأديان هى الدرس الذى تعلمه المصريون جيلا بعد جيل وتوارثوه عن إيمان ويقين وقناعة.

منذ سنوات تغيرت أحوالنا ولا يمضى يوم الآن دون أن نقرأ أو نسمع أو نشاهد كارثة فى محافظة من المحافظات تحمل أخبارا سيئة عن مواجهات أو أزمات أو صراعات بين المسلمين والأقباط.

وتصدر هذا المصطلح الكئيب صفحات الجرائد.. إنها الفتنة الطائفية.. وهذا المصطلح قسم أبناء الشعب الواحد إلى طائفتين.. ولم يكتف بهذا التقسيم ولكنه توج التقسيم بالفتنة.

كانت البداية أحداث الخانكة فى عام 72 أى منذ أربعين عاما.. بدأت الشرارة الصغيرة التى حدثت فى هذا التاريخ بمواجهة بين المسلمين والأقباط بسبب بناء كنيسة وتصاعدت الأحداث إلى صدامات ومواجهات وكانت هذه هى البذرة والشرارة الأولى التى انطلقت بعدها أحداث كثيرة بعضها كان مؤلما وصاخبا وحزينا مثل أحداث نجح حمادى والبعض الآخر مر وإن ترك بعض الآثار السلبية فى العلاقة بين أبناء الوطن الواحد.. لم تكن أحداث الخانكة إلا بداية مسلسل طال من المواجهات التى تصاعدت حدتها مع الأيام.

فى عام 81 كانت أحداث الزاوية الحمراء وفى نفس العام كانت اعتقالات شهر سبتمبر فى الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السادات والتى حملت أكثر من 3000 من رموز مصر إلى السجون والمعتقلات.. ولم تتوقف المواجهات عند ذلك بل امتدت إلى إمبابة فى عام 91 ثم أسيوط فى عام 94 ثم الكشح فى عام 98 ثم محرم بك فى عام 2005 ثم أحداث نجع حمادى الدامية.. كل هذه الأحداث والصدامات كانت جديدة على المجتمع المصرى وكانت شيئا غريبا على العلاقة بين المسلمين والأقباط.

والذى يتابع أحداث التاريخ سوف يكتشف أن الكنيسة المصرية هى أقدم الكنائس فى العالم وأن الديانة المسيحية انطلقت من ربوع مصر إلى باقى دول العالم شرقه وغربه وعندما جاء الإسلام إلى مصر توحدت العقيدتان وأصبحت مصر أمام دول العالم نموذجا لوحدة الأديان.. ولكن السنوات الأخيرة شهدت أحداثا كثيرة مؤسفة سقط فيها الضحايا وتهدمت البيوت وتغيرت النفوس وأصبحنا أمام حقيقة مؤلمة أن العلاقات بين المصريين أبناء الشعب الواحد لم تعد كما كانت.

لابد أن نعترف أن المد الدينى قد اتسع كثيرا بعد نكسة 67 وأمام مشاعر الإحباط والانكسار التى أصابت المصريين بعد الهزيمة هربت أجيال كثيرة من هذا الواقع المهزوم إلى ساحة الأديان بكل ما فيها من أمن وأمان.. اتجهت أجيال كاملة إلى الله تطلب منه العون فى رحلة الحياة التى افتقدت الحلم والأمل والاستقرار وقد استغلت بعض العناصر فى السلطة هذه العودة وحاولت أن تلعب بالشباب فى الجامعات تحت ستار التدين عل الرغم من أن ذلك كان بعيدا عن بديهيات الدين.

اتجه المسلمون المصريون إلى المساجد وارتفعت أصوات كثيرة تطالب بالعودة إلى الله وكأن هزيمة 67 كانت عقابا من الله.. وعلى الجانب الآخر اتجه الإخوة الأقباط إلى الكنائس وكان من الممكن أن تكون هذه الحالة من العودة للدين هروبا من واقع مهزوم إلى شىء من اليقين حتى تمضى رحلة الحياة.. إلا أن هذه العودة للدين لم تتوقف عند الرغبة فى التقرب إلى الله أو أداء الفرائض أو مراجعة السلوكيات ولكنها أخذت أشكالا كثيرة من الرفض استغلتها تيارات سلفية حاولت أن تدخل الدين فى كل شىء ابتداء بالسياسة وانتهاء بالمظهر الخارجى للمرأة والرجل.

ومع اتساع دائرة السعى إلى الأديان بدأت نغمة جديدة تسرى بين المصريين تفرق بين هذا وذاك.. وبدأت حوارات حول الأديان زادت حدتها وخرجت عن أهدافها وهنا تسربت أفكار كثيرة نجحت فى تشويه العلاقة الأبدية بين المسلمين والأقباط.. هنا وجدنا لأول مرة هذه التقسيمة الغريبة هذا مسيحى وهذا مسلم.. حدث هذا فى مواقع كثيرة من مواقع العمل وربما السكن وانتقل إلى الأطفال فى المدرسة والطلاب فى الجامعات وبدأت حساسيات أكثر حول بناء الكنائس وحق العبادة.. ثم تصاعدت المواجهة حين غير بعض الأشخاص عقيدتهم فهذا أسلم وهذه تنصرت.. وقد ساعد على ذلك كله مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية وفكرية.. هذه العوامل شجعت على تشوية منظومة سادت مصر زمنا طويلا وقامت على المودة والتواصل بالفكر والسلوك والعلاقات الإنسانية.. وللأسف الشديد فإن هذه المتغيرات التى شهدتها الساحة المصرية حملت الكثير من بذور الفتنة.
كانت الظروف الاقتصادية القاسية التى عاشتها الطبقات الفقيرة فى مصر طوال السنوات الماضية من أهم أسباب التوتر الطائفى ليس بين المسلمين والأقباط ولكن بين فئات المجتمع المختلفة بل بين أبناء الأسرة الواحدة.. لقد فرضت الظروف الاقتصادية واقعا قاسيا على الكثير من قطاعات المجتمع.. فالعمال بلا عمل أمام مواكب المعاش المبكر.. والفلاحون بلا إنتاج أمام تراجع الإنتاج الزراعى وإهمال الحكومة والاضرابات والمظاهرات فى كل مكان ابتداء بالنقابات المهنية وانتهاء بطوابير البطالة.. فى سنوات قليلة خرجت إلى الشارع المصرى فئات كثيرة.

المحامون والأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات والمهندسون ورجال الضرائب والقضاة وطلاب الجامعات والعمال من كل لون وعمل.. هذه المعاناة بين أبناء الشعب أمام ضرورات الحياة الصعبة وقسوة الواقع لم تقتصر على هذا التوتر بل امتدت إلى العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد ولأن هناك أشباحا قديمة فى علاقة المسلمين بالأقباط كانت هذه العلاقة من نقاط الضعف التى تتحرك من وقت لآخر.

يضاف لذلك أن معظم هذه المواجهات كانت تحدث فى صعيد مصر وهو من أكثر المناطق حساسية فى هذه العلاقة كما أن الصعيد كان خارج برامج البناء والتنمية فى مصر لسنوات طويلة ولهذا شهد أخطر أحداث الفتنة الطائفية كما حدث فى الكشح وأسيوط ونجع حمادى ودير أبوفانا.. ظل الصعيد مرتعا للعمليات الإرهابية وكانت الفتنة الطائفية من توابع هذه العمليات هذا بجانب الظروف الاقتصادية الصعبة التى فرضت أعباءها على الجميع: المسلمين والأقباط.

إن فشل التجربة الحزبية فى مصر أدى إلى نتائج خطيرة فى الشارع السياسى الذى ظل محروما من ممارسة النشاط السياسى الحقيقى سنوات طويلة.. وأمام غياب الديمقراطية.. وعجز الأحزاب عن استقطاب الجماهير وغياب الحوار والمواجهة السياسية تحولت الضغوط إلى طاقة مكتومة كانت تعبر عن نفسها أحيانا بالطريق الخطأ وهو ما تجسد فى مواجهات وصراعات لا مبرر لها غير أنها تعبير عن واقع متأزم ومناخ مريض وإنسان عاجز عن التعبير عن نفسه.. إن غياب الحريات وغياب النشاط السياسى بكل أشكاله المشروعة أعطى فرصة لظهور هذه الصور المشوهة فى التعبير والرفض وكان الصدام أحيانا صورة من صور هذا الرفض.. وقد ساعد على ذلك منع الأنشطة السياسية داخل الجامعات المصرية مما أعطى فرصة للكثير من الأفكار المتطرفة أن تنتشر بين طلاب الجامعات المصرية وقد فتح ذلك أبوابا كثيرة لصراعات وتجاوزات باسم الدين شملت المسلمين والأقباط معا..
لاشك أن ظاهرة الدين السياسى قد توغلت كثيرا فى المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة.. وقد ساعد على ذلك ظهور تيارات دينية متطرفة جنحت بالشباب فى كل اتجاه واتسمت بالتعصب ورفض الآخر وغياب لغة الحوار والخطاب الدينى الواعى والمستنير.

إن التدين فى حد ذاته أمر مرغوب فيه وإقامة الفرائض والالتزام بأوامر الله أمر لا خلاف عليه ولكن الأفكار جنحت فى أحيان كثيرة وتحول الدين إلى ما يشبه الأيديولوجيات السياسية وافتقدت الساحة الوسطية المصرية القديمة أمام صراع أفكار اتجهت إلى المغالاة والتعصب والشطط.. ولم يكن ذلك مقصورا على التطرف باسم الإسلام ولكن على الجانب الآخر كان هناك التشدد المسيحى الذى حمل كل مظاهر الرفض للآخر. أمام غياب الخطاب الدينى المستنير كان من السهل أن تنتشر مظاهر التطرف الدينى بين المسلمين والأقباط وكان من الطبيعى أن تنبت الفتنة الطائفية فى هذا المناخ.

لاشك أن تراجع دور المؤسسة التعليمية فى مصر كان فى مقدمة الأسباب التى أدت إلى تراجع المستوى الفكرى والسلوكى للمواطن المصرى وقد كان من نتائج هذا التراجع اختفاء لغة الحوار ورفض الآخر وعدم القدرة على التجاوب مع أفكار وآراء وعقائد الآخرين. ومع انحدار مستوى التعليم كانت الأمية هذا الشبح الذى يطارد أكثر من 20 % من سكان مصر.. أن فشل الحكومات المتعاقبة فى مواجهة مشكلة الأمية يعتبر عارا ما بعده عار.. ومع الأمية كان فشل السياسة الثقافية والإعلامية التى سطحت عقول الناس وهبطت بالإنسان المصرى فى فكره وثقافته وسلوكياته.. كل هذه الظواهر مجتمعة كانت من الأسباب التى جعلت الحوار مهمة صعبة أمام عقول تجمدت وعجزت ووجدت الفتنة الطائفية أرضا مناسبة لها.

فى أحيان كثيرة غابت هيبة الدولة فى كثير من المواقف والأزمات.. بل إنها فى بعض الأحيان تغاضت عن أخطاء كثيرة وغابت فى أوقات أخرى.. إن الخلافات الصغيرة يمكن أن تكبر حين يغيب الحسم.. والتجاوزات الصغيرة يمكن أن تصبح أزمات أكبر بالتهاون والإهمال.. ولهذا كان ينبغى أن تكون الدولة أكثر حسما فى مواجهة هذه القضايا.

يضاف لذلك أن الدولة فى معظم الأحيان تلجأ إلى حلول أمنية فى قضايا هى أقرب للفكر وكان ينبغى أن يكون الحوار وليس الأمن هو وسيلة الإقناع والاقتناع.
هناك أطراف دولية تسعى إلى تخريب العلاقة التاريخية بين أقباط مصر ومسلميها.. ولقد سمحت الدولة فى بعض الأحيان بتدخلات لا مبرر لها تحت ستار حقوق الإنسان والأقليات وغير ذلك من الأفكار.. والواقع أن مصر كانت ترفض مثل هذه التدخلات بكل صورها وأشكالها ولكنها فى السنوات الأخيرة تهاونت فى ذلك كثيرا مما جعلها تتعرض لضغوط كان ينبغى أن ترفضها من البداية..
إن من يريد أن يتحدث باسم أقباط مصر ومسلميها يجب أن يتحدث من خلال تفاعل حقيقى مع مشاكل وقضاياها وهموم شعبها.

لاشك أن هذه الأزمات كانت وراء ما حدث فى الشارع المصرى بين المسلمين والأقباط وهناك أسباب أخرى تتعلق ببناء الكنائس بالنسبة للإخوة الأقباط كما أن لهم اعتراضات مشروعة على توزيع المناصب والأدوار والمجالس التشريعية وهذه القضايا يجب أن تعالج بحكمة وأن تفتح أكثر من مجال للحوار.

هناك أسباب للظاهرة لا تفرق بين مسلم ومسيحى لأنها تخصنا جميعا وحين نواجه هذه الأسباب ونعالجها سوف نكتشف أن الحل ليس أمرا مستحيلا أن تحقيق العدل الاجتماعى مطلب للجميع.. واحترام سيادة القانون والمساواة فى المواطنة أمر لا ينبغى أن نختلف حوله.. وحق المواطن فى أن يحصل على حقه المناسب فى العمل والوظيفة والمسئولية مطلب مشروع لكل مسيحى أو مسلم. فى ظل انتخابات حرة ونزيهة لا يهم من ينجح سواء كان مسلما أم مسيحيا ولكن المهم هو الشفافية.. وحين يحصل الإنسان على حقه فى وطنه فلا يكون هناك رفض للآخر.. أما الدين والعقيدة فإن الوعى المصرى القديم كان دائما قادرا على صياغة «الوسطية» التى امتدت عبر الأجيال وكانت شاهدا على ترفع هذا الشعب.

إن الظواهر الغريبة التى يشهدها الشارع المصرى ونطلق عليها الفتنة الطائفية تحتاج إلى حلول جذرية لمشاكل يعانى منها المجتمع كله المسلمون والأقباط وكلما نجحنا فى تجاوز هذه المشاكل كلما اختفت هذه الظواهر من حياتنا. إن العلاقات التى جمعت المصريين أقباطا ومسلمين قرونا طويلة خير شاهد على أن ما يحدث الآن شىء غريب.. وقبل هذا كله فإننا نثق كثيرا فى أعمدة المؤسسات الدينية فى مصر من حيث الدور والمسئولية وفى المقدمة شيخ الجامع الأزهر د. أحمد الطيب وقداسة البابا شنودة وكلاهما يدرك المعنى الحقيقى للمواطنة فى مصر.

كلما قرأت عن كارثة جديدة أو سقوط أحد الضحايا تحت شعار الفتنة الطائفية تعجبت من هذا المرض الخطير الذى بدأ بسيطا فى السنوات الأخيرة حتى أصبح شيئا خطيرا يهدد استقرار هذا الوطن.. لن نواجه هذه الظاهرة بإلقاء التهم هنا أو هناك ولكننا بالوعى والدين الصحيح يمكن أن نتجاوز كل هذه الظواهر لأن مصر ستبقى لنا جميعا مسلمين وأقباطا..