Friday, March 30, 2012

التسامح...القيمة المنسية في قراءة - عزازيل-



وسط الضجة التي أثارتها رواية" عزازيل" والنقاش الذي يجعلها تبدو وكأنها موجهة للنيل من الديانة المسيحية، والتساؤل عما كان يمكن أن يواجهه الدكتور الروائي يوسف زيدان لو أنه تناول التاريخ الإسلامي بالطريقة ذاتها وبالعمق ذاته من النقد، تغيب أهمية الجانب الإنساني فيها ليشغلناـ كما هو الحال دائماـ الجانب الذي يحرك غرائزنا ويصلح وقودا لمعاركنا، فننسى كل ما فيها من الجماليات والإيجابيات التي ليس أقلها ضرورة قبول الآخر والحض على زارعة بذور التسامح.
ما يناقشه الروائي يوسف زيدان في رواية" عزازيل" هو قصة تطور الأديان والعقائد المقدسة، من دون استثناء تقريبا، من ناحيتين: الأولى هي أن كل دين، من وجهة نظر المتشددين المؤمنين به، يقوم على فكرة أنه الصح الوحيد وأنه دين الحقيقة المطلقة، وغيره باطل مطلق. والثانية أن العنف والإقصاء كانا دائما الوسيلة الأكثر استعمالا لإزاحة الخصوم داخل العقيدة ذاتها بحجة المحافظة على نقائها، وقتل المخالفين من العقائد الأخرى لأن الرب الذي آمن به صاحب هذه العقيدة الجديدة لم يعد يتقبل هؤلاء المخالفين له، وكأن الرب ولد مع ولادة إيمانه الجديد المتعصب. 
لعل أهمية الراهب هيبا القادم من أعماق الصعيد المصري تكمن في تساؤله عن هذه النقطة من دون أن يسلم بها وهو في رحلته الطويلة على مسرح الجغرافية المسيحية الممتد على أكثر من قارة في القرن الخامس الميلادي متجها إلى كهوف البحر الميت لمواجهة خريطون أكبر الرهبان المعروفين آنذاك، بعد الإقامة في الإسكندرية لبعض الوقت، ليسأله عن حقيقة الإيمان. يقول هيبا" وأفضيت إليه بفزعي من أنهار العنف التي تتدفق في أرض الله ورعبي من القتل المروع الذي يجري باسم المسيح وصرحت له باحتياجي إلى اليقين وافتقاري إليه".
ربما كانت طفولة هيبا وراء عدم تسليمه النهائي وأنه منذ اللحظات الأولى لإيمانه لم يشعر أنه بلغ النهاية وامتلك الحقيقة المطلقة. فقد رأى مقتل والده الوثني على أيدي إخوانه، المسيحيين لاحقا، بطريقة ساهمت في تشكيل اللاوعي المتسائل دوما عن الحقيقة الإيمانية. رآه يُقتل بأبشع طريقة باسم الإله الذي لم تتوقف أنهار الدماء عن التدفق باسمه. وما أن أدار ظهره على موت أبيه حتى فُجع بالتشدد يقتل أكثر من أمومة وأبوة ممثلتين ب"هيباتيا" الوثنية و"أستاذة الزمان" وعالمة الرياضيات والفلسفة ثم حبيبته أوكتافيا، ولتنتهي حياته بشكل ما بمقتل أبيه الروحي الأسقف نسطور، ولكن ليس موتا جسديا، وإنما روحيا هذه المرة.
عبر التاريخ كان المتشددون والمتعصبون يرفضون دائما أن يدركوا أن حقهم هو باطل غيرهم، وباطلهم حق غيرهم، وأن ما هو صحيح يقتلون الناس من أجله الآن قد يتبين أنه خطأ بعد زمن ما. لقد أدرك الراهب والطبيب هيبا وهو يسلك طريق الضعفاء المساكين، ويقدم رواية الذين لم يكن لهم نصيب في اعتلاء عروش السلطة الدينية أو الزمانية، بعد القضاء على خصومهم، أن" كل المهرطقين هنا كانوا مبجلين هناك وكل الآباء مطعون عليهم عند غير أتباعهم"، كما يقول هيبا. والواقع أن تلك هي سيرة كل العقائد التي تعتقد أنها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة والتي لا يتسع الصراط المستقيم إلا لها وحدها. هذه واحدة من الحقائق الإيمانية القائمة على التسليم المطلق والتي قلما يخضعها المؤمن بها إلى تساؤل العقل الذي ربما كان سيقول له: لو كان هذا صحيحا لما بقي على وجه الأرض سوى ديانة واحدة. ولو لا أن كل شخص يؤمن أن عقيدته صحيحة لما استمر وجود الأديان والمذاهب بهذه الأعداد الكبيرة عبر التاريخ. كان يكفي وجود ديانة واحدة فقط. على ضوء هذه الفكرة يمكن فهم ما يقوله الراهب هيبا" طافت بذهني الآيات التوراتية المشهورة التي لا يمكن أن يصدقها غيرنا؟" أليس في كل العقائد والديانات ما يشبه ذلك، لو تركنا العقل يطرح أسئلته بحرية، بعيدا عن التسليم المطلق؟ 
من حق كل مؤمن أن يرى أن عقيدته صحيحة، وأن يتمتع بحرية الاعتقاد بها من دون أن يسفه أو يسيء لعقائد غيره. ولعل هيبا يجسد روح الراهب المطلوب في كل الديانات وكل الأزمان، وتحديدا في هذا العصر الذي تزداد فيه قيمة التسامح وأهميته مع تزايد أنهار الدم في كل مكان، وأن نعيشه سلوكا يجعل الأرض تتسع لنا جميعا. ولذلك كان مستعدا للبحث الدائم عن الحقيقة أكثر من بحثه عن الكفار الذين يجب أن يقضي عليهم وعلى عقائدهم. وكان جاهزا باستمرار لمعالجة من يأتيه من المرضى من دون أن يسأله عن عقيدته أو يتقاضى منه أجرا. وبهذه الروح استطاع أن يصغي إلى أوكتافيا الوثنية وهي تتحدث عن إلهها الوثني فتقول" إلهنا سيرابيس هو إله كل العالم. ولا بد أن نظهر احترامنا له رغم أنف كل المسيحيين بمن فيهم الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني نفسه".
رواية "عزازيل"، التي تنبش صراعات الكنيسة المسيحية في مراحل تكونها الأولى كمؤسسة كونية ترعى كل شؤون المؤمنين، هي قصة الصراعات التي تكونت نتيجتها كل الأديان، وحدث خلالها معارك دامية وعمليات تصفية لكل مخالف إما بالقتل الجسدي أو الفكري. ومن هنا يمكن قراءة الرواية على أنها عرض حي لمسيرة التعصب والتشدد لتظهر أهمية التسامح كقيمة سامية أخطأ الإنسان في كل لحظة تجاهلها، وأهمية المحبة كدرب يضيء الدرب ويجدد الأمل الذي يعطي الحياة معناها الأكثر جمالا.
وأخيرا ربما يحق للقارئ أن يتساءل عن بذور الأعشاب الطبية التي زرعها الراهب الطبيب على حافة التل الذي يحمل الدير قبل اللحظات الأخيرة من انهيار حلمه بعزل الأسقف نسطور ونفيه، ثم غياب مارتا المفاجئ. هل نمت تلك البذور وأعطت ثمارها؟ من المنطقي أن نستنتج أنها ماتت بدليل استمرار العنف والتعصب وتدفق أنهار الدماء باسم المقدس، بغض النظر عن اسمه منذ القدم وحتى الآن.
منشورة في صحيفة "أوان" الكويتية

Friday, March 23, 2012

غرس فضيلة التسامح


فضيلة التسامح من أكثر الفضائل التي يجب أن نزرعها في أبناءنا لنجنبهم مخاطر التعصب والكره والبغض والإعتداء على الآخرين وخاصة هذه الأيام التي نحتاج فيها لهذه الفضيلة بكل قوة حتى يعود الأمن والأمان والمحبة بين أفراد الشعب الواحد ونترك محاسبة المقصرين والمفسدين لهيئة العدالة الجتماعية بالدولة.
يتفضل حضرة بهاء الله : 
(من إعتاظ عليكم قابلوه بالرفق والذي زجركم لا تزجروه دعوه بنفسه وتوكلوا على الله المنتقم الجبار )كتاب الأقدس
(لا تعترضوا على العباد إن وجدتم من أحد رائحة البغضاء ذروه في خوضه متشبثين بأذيال رداء عناية ربكم فالق الأصباح ، لا تعتدوا على من إعتدى عليكم ليظهر فضلكم وعنايتكم بين العباد كذلك نزل من قبل من مشيئة ربنا المنزل القديم ) كتاب أمر وخلق الجزء الثالث الصحفة 226 
(تالله الحق لو أنتم تظلمون أحب عندي من أن تظلموا على أحد وهذا من سجيتي وأحسن خصالى لو أنتم من الموقنين ، أن أصبروا ياأحبائي في البأساء والضراء وأن يظلمكم من ظالم فأرجعوا حكمه إلى الله الذى بيده ملكوت كل شىء وأنه لهو المقتدر على ما يشاء وهو أشد المنتقمين ) نفس المصدر السابق ص 228 
ويتفضل حضرة عبد البهاء: 
كونوا لجروح الجائرين مرهما ولألم الظالمين علاجا فأن سقوكم سما إشربوهم شهدا ، وأن طعنوكم بخنجر أعطوهم سكرا وحليبا ، وإن أهانوكم كونا لهم عونا . وأن لعنوكم إلتمسوا لهم رحمة وقوموا بالمحبة وعاملوهم بأخلاق رحمانية ، ولا تدنسوا ألسنتكم قط بكلمة بذيئة في حقهم ) 
( فإذا عاملكم سائر الملل والطوائف بالجفاءفعاملوهم بالوفاء، أو الظلم فبالعدل ،وإن إجتنبوكم فاجتذبوهم ، وأن أظهروا لكم العداوة قابلوهم بالمحبة ، وأن أعطوكم سما فامنحوهم الشهد ، وإذا جرحوكم فكونوا مرهما هذه صفة المخلصين وسمة الصادقين

Friday, March 16, 2012

ثقافة التسامح واللاعنف على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر



لا شك أن العراق بلد ذو تنوع عرقي وديني وثقافي، وهذا التنوع يفرض علينا، نحن العراقيين، أن نفهم الفسيفساء العراقي بشكل يتطلب تقبل الرأي الآخر على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر، وضرورة الإتفاق على ما نتفاهم عليه، والحوار على ما لا نتفاهم عليه بعيدا عن العنف. ومن هنا تتطلب الوطنية أن نحتكم إلى العقل والإيمان. وقد أشار السيد محمد عبده أن ‘‘العقل قوة من أفضل القوى الإنسانية، بل هي أفضلها على الحقيقة‘‘. فـ ‘‘الحقيقة هي تلك التي تعمل‘‘، كما قال المفكر جون ديوي. إن عدم العنف هو التحرر من الخوف، ذلك أن العنف ليس سوى الوسيلة للصراع ضد سبب الخوف كما قال غاندي. وسبب الخوف هو الخوف من الآخر، وفقدان الثقة بين أبناء البلد الواحد. ومن هنا يجب التفكير بالعدالة في كل ناحية من نواحي الحياة لتحقيق المصلحة الوطنية العليا. 

هنا أود أن أؤكد على الأطراف الوطنية، وليست الإرهابية أو تلك التي ساهمت في المجازر الجماعية والقتل العام، لأنه لا يمكن تحقيق المصلحة الوطنية على أسس طائفية أو حزبية أو إرهابية ترفض الآخر، وتمارس العنف تحت حجج علمانية أو دينية. فمن غير المعقول أن تلتقي ثقافة العنف بثقافة السلام. ومن الحمق أن نقول أن ثقافة رفض طرف وطني معين طرفا وطنيا أخر أو إلغائه يهيأ الأجواء للتسامح والمصالحة. 
ينبغي أن نفهم أنه ليس من معيار الوطنية حرمان أقلية قومية أو دينية أو سياسية من حقوقها تحت طائلة المصالحة الوطنية والثقافية . ولا يمكن تحقيق هذه المصالحة، إذا حَرمت السلطة الحاكمة القوى الضعيفة والمهمشة من حقوقها المشروعة، أو رفضت الأغلبية حقوق الأقلية بأسم الوطنية.

لازال البعض من العراقيين يفكر تفكير القرن السابع الميلادي في التعبير عن رؤياه في الحياة، وبالحقد الدفين على هذه الطائفة أو تلك، وهذا المذهب أو ذاك، وإطلاق فتاوى باطلة بتكفير الآخر وجواز قتله، حاملا في رأسه الكراهية والعداوة. 
وكل طائفة تمنح الحق والصواب والإيمان لنفسها وتحرمها على غيرها، فتشرزَمَ المجتمع العراقي وتفَرق في جذوره وفروعه، وعمت الفوضى الجميع، وعميت الأعين، وأبت شمس الحرية والاستقلال أن تشرق على أرض تُدفن فيها أبرياء قُتلوا على مذابح العقلية الطائفية والإرهابية المتخلفة من كل الجوانب. 

للتاريخ عبر ودروس ينبغي الاستفادة منها. قصفت الطائرات الأميركية هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية إبان الحرب العالمية الثانية، وقتلت مئات الآلاف من اليابانيين الأبرياء، وتصالحت اليابان مع أمريكا لاحقا، والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني ووو ساري المفعول بينهما، وهما يحكمان العالم اقتصاديا إن صح التعبير، مع أن الجراح لا تندمل. إنه العقل الذي يحكم، لا الجهل والجذب بقوة مغناطيسية نحو الماضي ونسيان الحاضر وإهمال المستقبل. 

الكل مسؤول أمام نفسه وأمام ضميره وأمام شعبه ووطنه. والكل ملزم بقبول الوطني الآخر للعيش بسلام ووئام، حيث يشعر كل فرد بمواطنته وحقوقه وواجباته. 
إنَّ حق المعرفة واحترام العقيدة وحرية الإنسان فوق الحقوق، لأنه من غير الممكن تحقيق الحقوق بدون معرفة وإيمان. وهنا تأتي أهمية التأكيد على التربية والمعرفة.
هنا تطرح جملة من القضايا الأساسية نفسها لتصب في صالح المجتمع ككل:
- المسؤولية الوطنية مسؤولية فردية واجتماعية.
- بناء مجتمع مدني سلمي يكون المواطن فيه جوهر عملية المصالحة.
- الحفاظ على حقوق المواطن على أساس المواطنة وصيانة هذه الحقوق مقابل الواجبات طبقا للدستور الذي وافق عليه الشعب، وليس مرجعا دكتاتوريا معينا. 
- التسامح والعمل على تحقيق مصالحة سياسية وثقافية.
- الفكر الديمقراطي وضرورة الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الاحتكار المذهبي والطائفي ونظام الحزب الواحد.
- مساهمة المواطن في صنع القرار.
- مساهمة المواطن في عملية التغيير نحو ساحات أوسع من الحرية.
- الالتزام بالدستور من قبل القابضين على السلطة، لتشجيع المحكومين بالالتزام به أيضا.
- احترام بنود الدستور في الممارسة العملية من قبل القوى والمنظمات المشاركة في صنع القرار.
- تنفيذ بنود الدستور التي تتطلب تنفيذها طبقا لما ورد فيها.
- الاعتراف بالحقوق المشروعة للأقليات القومية والدينية في إطار الدستور ووحدة الدولة.
- مساواة الجميع أمام القانون بغض النظر عن العرق والجنس والدين .
- التعاون الجاد لتصفية الإرهاب، باعتبار أن هذه المهمة مسؤولية وطنية مشتركة. 
- التعاون الجاد برفض التدخل الأجنبي، ولا سيما من قبل دول الجوار.
- رفض الاحتلال بكل أشكاله.
- محاربة الفساد المالي والإداري، وإتخاذ الاجراءات القانونية بإعادة ملكية الشعب إلى الشعب.
- ضرورة إعادة االثقة لدى المواطنين بالحكام وبالدولة.
- التأكيد على حكم القانون حكاما ومحكومين، والمساواة أمام القانون بدون تمييز.
- التأكيد على هيبة الدولة وحكم الدولة، مع التأكيد على لامركزية الحكم في الفروع على أساس وحدة الدولة.
- احترام الدستور الذي استفتى عليه الشعب، على أساس أن جمهمرية العراق دولة إتحادية (فيدرالية) ديمقراطية.
- العمل على تغيير ثقافة العنف إلى ثقافة التسامح والاعتذار عن الخطأ.
- التعاون والتفاهم والتسامح من أجل االمصالحة الوطنية وممارسة ثقافة التسامح والترابط والتكامل.
- بناء المجتمع مسؤولية الجميع .

لايمكن تحقيق مجتمع مدني بدون تحقيق السلام والاستقرار. ولا يمكن التفاهم بدون شعور كل مواطن عراقي بحقه في الحياة، وحقه في ممارسة حقوقه الإنسانية والتعبير عن إ رادته بحرية في إطار القانون.

Friday, March 9, 2012

سياسة التسامح وثقافة اللاعنف



لا يمكن أن يختلف أي كائن عاقل يعيش على كوكب الأرض إلا ويقر بأنه يوجد هناك في العالم مذهبان هما لا ثالث لهما حيث يقوم المذهب الأول ومرتكزاً في مذهبه على إتباع نهج سياسة العنف وتدمير الآخر وإلغائه ومصادرة حقه في ممارسة حياته الإنسانية أما المذهب الثاني فهو يعتمد في نهجه على احترام الإنسان وصون كرامته والاعتراف بحقوقه الإنسانية في الحياة .وقد ترك هذان المذهبين لنا خلفهم من العواطف المتبادلة التي يعبر كلا منهما الآخر عن مذهبه ،فالمذهب الأول يُسقي بالحقد والمذهب الثاني يُغذي بالحب فشتان ما بين الحب والحقد .فإن الحقد عمليا هو الانكفاء والارتداد على الذات، لهذا فهو مدمر ولا يقبل بقبول بقاء ومشاركة الآخرين لأنه يعمل علي حذفهم والخلاص منهم بأي وسيلة كانت لأنه الضرورات عنده تبيح لهم المحظورات .أما الحب فهو أرقى درجات لإحساس بالحياة وأجمل المشاعر الجياشة وأرق الأحاسيس الصادقة التي لا وصف لها ولا يشعر بشعورها إلا من يحس بإحساسها .أما ثقافة سياسة نهج العنف وما يتخللها من قتل وموت لا تنتج لنا سوى الحقد والكراهية والبغضاء ونشر الرعب والهلع والقلق والرهبة في نفوس الشعوب وتعميم حالة الفوضى والتشاؤم والخوف من المجهول القادم .أما ثقافة اللاعنف هي السمة السائدة والمتحضرة والراقية بين الشعوب في الحياة الطبيعية التي ينتشر فيها الأمن والأمان والوئام والمحبة والسلام بين شعوب سكان هذه الأرض ..ومن منا لا يسمع أو يشاهد بأم عينه الصراعات القائمة بكل أشكالها ما بين الدول فنجد في صراعهم حروب سوى كانت هذه الحروب دائمة أو متقطعة ونهاية كل حرب انتصار وهزيمة .وتأتي هذه الحروب امتدادا للسياسة الدول الطامعة بوسائل وطرق عديدة تعمل على خدمة أهدافهم وتحقيق مآربهم الشخصية والحزبية علي حساب الوطن ومن هنا يبدأ سيناريوهات التبرير لهذه الحروب فيبرر المنتصر دائما لشعبة ويلات الحرب وفظاعتها بالانتصار وما يجلبه ويحققه من مكاسب حتى المنهزم يبرر لشعبه 
أيضاً انه هو المنتصر وفقا لقواعد لعبته السياسة الساذجة المفروضة علية من قوة إقليمية يعمل لحسابها.وأما بشأن الصراعات الاجتماعية فالأمر حتما يختلف فالعنف هنا لا يأتي ابدأ امتدادا ًللسياسة ،بغض النظر من المنتصر جراء ممارسة هذا العنف وان المجتمع في كثير من الأحيان هو الخاسر الأكبر من استخدام نهج ثقافة العنف ..أما ثقافة اللاعنف: تعد رخاءً فكرياً من الأفكار الراقية بل أجزم أن قلت أنها أصبحت حالة ضرورية ومصيرية وهي مقدمة لإنهاء دوامة العنف المستشرية بين أبناء المجتمع والهالكة لهم وأن هذه الثقافة ثقافة اللاعنف بالتأكيد تعمل على فتح أفاقاً وآمالاً 
لهم نحو التطور السلمي ونشر الحياة الديمقراطية وإحياء الأمل في نفوسهم. بدل من إتباع نهج سياسة العنف وان الثقافة اللاعنف حتى نقيمها فوق أنقاض ثقافة العنف لابد من بذل الجهود المضنية من خلال المجتمع بدء من البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والشارع إلي   
الأحزاب السياسة والفعاليات الفكرية والأنشطة الجماهيرية وصولا إلي الدولة بجميع مؤسساتها فعندما تنمو وتزدهر ثقافة العنف في نفسية ممارسيها تكبر وتنمو أسوء الدوافع الغريزية والأنانية لديهم تلقائيا وكل ذلك يكون على حساب الرؤية الصحية والفكر السليم لثقافة اللاعنف فثقافة العنف تحمل في مخزونها علامة الانقسام والتناقضات وحتى يتمكن العنف من التفشي والبقاء فهو يعمل باستمرار علي إذلال والحط من كرامة إنسانية الإنسان أين نحن من الحضارة والثقافة ،والروح الدينية الحقيقية والتسامح والمحبة كل هذه القيم النبيلة العظيمة للأسف يجرى تحطيمها على مذبح العنف الذي يستمد من دماء الشهداء وأشلاء الضحايا فغذاء العنف هو الاستمرار والتمدد.فإن ثقافة اللاعنف هي ثقافة السلم الحقيقية التي تعبر عن مضمون وفكر الأخر هو أنا وان الطريق الوحيد لمعالجة العديد من هذه القضايا مثل مشكلات التهميش واللامبالاة والعدالة في المجتمع ، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال معرفتنا بالآخرين واحترامهم ووقف استخدام العنف ووقف الانتهاكات الفاضحة ضدهم.وهناك العديد من أنواع العنف ومنها على سبيل المثال لا حصر لها مثل . العنف الاضطراري . وهذا النوع من العنف والمقصود به هنا من حق الشعوب المناضلة والمغلوب علي أمرها أن تدافع عن حقوقها ومصائرها داخل المجتمع الواحد وبين مكوناته البنيوية الموجودة بالمجتمع وهذا العنف لا يقف عند تيار فكري أو سياسي محدد،فلذي التيارات السياسية كافة في المجتمع القابلية للتحول إلي العنف للاستفادة من أزمات المجتمع واستغلالها أسوء استغلال لمصالحهم الحزبية والشخصية . أما العنف المجتمعي: فهذا النوع من العنف مهما كانت الخلافات والتناقضات الاجتماعية بالمجتمع لا تبرر لأي كائن الحق في ممارسة أشكال العنف لأنه سياسة العنف نتيجة ليس بسيطة لوجودها فثقافة العنف لها مصادرها سواء أتت محمولة عبر نظريات جاهزة كالعنف الثوري ونظريات التكفير أو أتت من خلال مصادر متعددة مثل المذاهب والتعصب القبلي .فإن ثقافة العنف تلعب الدور الحاسم في قلب التناقضات الاجتماعية السِّلمية إلى تناقضات عنيفة، لا تتوقف حتى تدمِّر طاقة المجتمع وتُهلِك الحرث والنسل. وأما عنف الدولة: فلقد وجدت ثقافة عنف الدولة متزامنا مع ولادة النظام السياسي القائم لأي دولة كانت جمهورية أو ملكية أو رئيسية فان الدولة كنظام سياسي موجود ويقوم على توفير الأمن باستخدام العنف كلما اضطرت الدولة إلي ذلك من اجل حماية أمن الوطن والمواطن من داخلها .ونجد داخل أي دولة موجودة تمارس القوة المسلحة لتنفيذ وتطبيق القوانين داخل الدولة وتعمل على حماية وصد أي هجوم عليها من الخارج في أوقات الأزمات والحروب... 

Friday, March 2, 2012

التسامح والتعددية الديموقراطية



التسامح، هو "فضيلة التعددية الديموقراطية"، كما يقول روبرت باول ولف، فبدون تسامح لن يكون هناك اي فرصة لوجود تعددية ديمقراطية. فالتسامح يعني قبولك للآخر و لوجوده، وبالتالي قبولك لعدم امتلاك الحرية المطلقة بل و ايمانك بأن جزء من الحقيقة موجود لدى الآخر.

والتسامح هو اللبنة الاساسية في بناء العقد الاجتماعي لأي دولة او مجتمع. فبتسامحك تتنازع عن جزء من حريتك مقابل المصلحة العامة، و تتقبل وجود الآخر و افكاره، التي لا تضر بك ولا بحريتك، وان كنت لا ترى ان هذه الافكار هي الافضل.

والتسامح هو شكل من اشكال الحرية، فبتسامحك مع الآخر تعطيه حقه في التعبير عن نفسه. و هو،اي التسامح، خيارك الخاص وحريتك التي تختارها بنفسك. وفي المقابل فإن التسامح هو شكل من اشكال التنازل عن حريتك في مقابل المصلحة العامة.

اذا فنتاج التسامح هو التعددية في الافكار و المعتقدات.

وبدون التعددية الديموقراطية لا يوجد ديموقراطية، فالديموقراطية نتاج للتعددية والاختلاف، وهي صراع ايجابي بين الاضداد بحيث يحاول كل ضد ان يثبت جدارته.و من خلال هذه الصراع بين التعدديات الديموقراطية يلعب التسامح دورا مهما في تطوير اداء المجتمع "فالتطور الانساني بحاجة لشرطان ضروريان هما الحرية وتنوع المواقف" *.

تبدأ المجتمعات الناشئة بنشاط وتطور كبير ذلك ان التنوع الفكري او الديموقراطي فيها كبير جدا. وتصل هذه المجتمعات لمجموعة من الحقائق و العادات الناتجة عن جدلها الخاص، وهي ما تجعلها اكثر تراصا وقوة يوما عن يوم.

و بما ان الانسان كما يقول جون ستيورات ميل يميل الى الاعتدال في النزعات، فما تلبث هذه المجتمعات لتدخل في طور من التجانس الفكري والسياسي. ونتيجة لهذا التجانس يقل الاختلاف وتقل التعددية وبذلك فقد يدخل المجتمع في حالة من الجمود الانساني. فيصبح التغيير لمجرد التغيير لا بسبب الحاجة للتغيير، فالناس متناغمة نوعا ما و متقبلة الاختلافات بينها.

وهنا تأتي مهمة المجتمع بالمحافظة على جدله الخاص به، فبدل تعليم الابناء وتلقينهم الحقائق التي تم التوصل اليها، يصطنع المجتمع دائما جدلا خاصا بأبنائه، ليصل الأبناء من خلال هذا الجدل والتجربة العلمية لنفس الحقائق بل ولحقائق اكثر دقة. وهنا يكون المجتمع قد حافظ على شروط التطور من خلال تقوية الحرية والتسامح و دعم التعددية وتنوع المواقف.