Friday, April 13, 2012

الحريات الدينيه بعد ثورة يناير



عام 1761 في مدينة تولوز بفرنسا قام أب متهور بقتل ابنه لأنه أراد أن يتحول من البروتستانتية و هي عقيدته الأصلية إلى الكاثوليكية فيما يسمى بحادثه " كالاس Calas " و قد اهتم " فولتير" كثيرا بهذه القضية مبينا ضرورة التسامح الديني و الحريات الدينية قبل ان تزدهر هذه القيم و تنتشر في فرنسا و تدعهما قوانين ما بعد الثورة لتي حفظت الحريات الدينية للمواطنين و وضعت العقل على رأس المبادئ الأساسية لبناء الدولة الفرنسية ألحديثه.
و لا يمكننا أن ننكر أبدا أننا بالرغم من مرور نحو قرنين و نصف على حادثه كالاس فإننا مازلنا نفتقد و بشده قيم التسامح الديني في مصر التي اختفت تدريجيا منذ منتصف القرن الماضي حتى الآن و رغم الكثير من المحاولات لوضع و ترسيخ مفهوم التسامح الديني إلا أنها تاهت وسط موجات من التعصب الديني التي تأتى من خارج مصر محمله في عقول المصريين العائدين من دول تحتضن هذه الأفكار التعصبية و أصبح من الصعب جدا على المفكرين مقاومة هذه السيطرة الدينية الجارفة.
و لهذا أيضا ارتباطه بالسياسة و النظام السابق الذي كان يقمع المفكرين و المثقفين الغير متفقين مع سياساته مما ترك الساحة خاليه أمام التيارات الدينية السلفية Salafists و التي لا تتدخل في الشئون السياسية - و لديها مبرراتها الدينية التي تبعدها تماما عن شئون السياسة – و قد ساعدت هذه التيارات الدينية في تغييب المواطن المصري عن الواقع الذي يعيشه و أعطت الحاكم شرعيه للقمع و التسلط و كان لصعود هذه التيارات السلفية أثره في تضييق الحريات الدينية في مصر لما تحويه هذه التيارات من أفكار تدفع إلى التضييق على الأخر و الانغلاق و التشدد.
و مما لاشك فيه أن يحدث صدام بين الأفكار التي تحملها هذه التيارات و بين الأفكار التنويرية التي تعقب الثورات عادةً, و لقد كان شعور فلاسفة النهضة الفرنسيين بالعداوة تجاه الدين و الكنيسة هو نتيجة طبيعيه لسيطرة الكنيسة على المجتمع و ما يدور في فلك أفكاره بل و تواطئها في هذا الوقت مع نظام استبدادي سلطوي
ولتفادى هذا الصراع في مصر الذي سيكون محتدما إذا حدث يجب علينا أن ننتقل تدريجيا بالدين داخل العقل المصري من موقعه الحالي إلى مكانته الطبيعية, و تصعيد العقل و العقلانية لتصبح هي مصدر الأفكار و أساس المعاملات و القوانين المنظمة لها و قد كتب ديدرو في مقاله عن العقل ( أننا أناس قبل أن نكون مسيحيين ) و على المصريين أن يدركوا أنهم أيضا أناس قبل أن يكونوا مسيحيين و مسلمين و بمعنى أخر فان "الاعتقاد الديني هو مسألة فرديه" 
الإيمان بهذا المفهوم - أن الاعتقاد الديني هو مسألة فرديه - هو أول الخطوات التي ستضعنا مباشراً أمام دوله مدنيه انطلاقا من حرية الكل في الاعتقاد طالما أنها مازلت مسألة فرديه و لا تتعرض للعلاقات أو التعاملات و لهذا أيضا ارتباطه بالحريات الاجتماعية لما للدين من تأثير على علاقات البشر بعضهم و بعض و تحديد سقف للحريات الاجتماعية لذلك فان ما أن يفهم الدين و الاعتقاد الديني على انه "مسألة فرديه" هنا فقط يستطيع القانون أن يحل محل الدين ليحدد هو سقف الحريات و طبيعة السلوك و المعاملات بين المواطنين و من ثم ينظم القانون هذا المفهوم عن طريق تشريعات أولا تحفظ الحرية الدينية لصاحبها و تحميها و ثانيا تنظم الحريات الاجتماعية انطلاقا من مفهوم أخر لهذه الحريات غير مبنى على الدين.
طه حسين, احد رواد النهضة المصرية في أوائل القرن العشرين كتب احد أكثر الكتب إثارة للجدل في مصر عام 1926 (في الشعر الجاهلي) و اتفق معه البعض كما اختلف معه البعض الآخر, رغم أن الكتاب يحمل وجهة نظر دينيه تخالف كل السائد في هذا الوقت, إلا انه وجد مناصرين و منتقدين و احتدم النقاش على صفحات الكتب وقتها و في جلساته الفكرية حول هذا الكتاب, و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن المصريين لديهم قبول واسع للأخر و ليسوا عشاقاً للقمع الذي تركه في نفوسهم النظام السابق.
فالمصريين ليسوا متعصبين دينيا بطبيعتهم و قد شهدت مصر سنوات من الحرية الدينية و كانت على مدار قرون تحتضن كل الأشكال العقائدية, و لتعدد الالهه عند القدماء المصريين مدلوله لمدى تقبل المصريين لفكرة الاختلاف الديني و لكنه و للقمع الغير مسبوق الذي 
مورس على المصريين في الفترة ألأخيرة و على المتدينين منهم ممن لديهم آراء تزعج النظام السابق كان المصريين يقومون بما يشبه الهجرة في التاريخ داخل العقل لما هو أفضل من وجهة نظرهم و لما يعطى لهم من بريق للهويه المفقودة في الواقع الذي يعيشونه و لما يعطى لهم أيضا من كرامه سلبت منهم في عهد النظام السابق و ربما أيضا لأن الحلم بالحياة الأخرى و التي هي بالتأكيد الجنة هو أفضل من معايشة واقع اليم فرضه القدر عليهم
إذن هم هربوا من الواقع إلى حاله من التدين و قد ساعد على هذا صعود التيارات الدينية الأصولية و أفكارها القادمة من الجزيرة العربية لما تشكله من محفز لهذا التدين و وقود له و هذه الأفكار صاحبتها أفكار تعصبيه ضد الأخر مما خلق نوع من الأنانية و التعنت الديني, و للخروج من هذه المعضلة لابد لنا أولا أن نعيد للعقل مكانته لدى المصريين فالعقل هو الدافع الحقيقي وراء التسامح الديني و ليس الدين و لا يمكن أبدا السيطرة على الأخر باسم الدين لأنه سيؤدى بالضرورة للانتقاص من حريته.
بالرغم من سطوة رجال الدين أحيانا و قمعهم للأفكار إلا أن الأفكار لا تقمع و لا تموت أبدا و لقد كان الحرق العلني لكتاب ( رسائل فلسفيه ) لفولتير عام 1734 بحجه انه مخرب و انتهك حرمة المقدسات كان سببا في نجاح الكتاب بشكل قوى و دفع فولتير إلى كتابة المزيد من الكتب المشابهة و كذلك كتاب ( عن الروح ) لهلفتيوس و الذي احرق علانية من قبل الكلية اللاهوتية فزادت شعبية الكتاب بشده و ترجم إلى كل اللغات الأوروبية.
و هناك الكثير من الكتاب و المفكرين المصريين الذين دعوا إلى الحرية الدينية و تبنوا ما يطلق عليه "الإسلام الليبرالي" أمثال "محمد عبدو" و "طه حسين" و "فرج فوده" و لقد هوجمو فيما بعد لأفكارهم الليبرالية و قتل احدهم لنفس السبب ( فرج فوده ) و لكن الأفكار تعيش للأبد و لا تموت و لا تسقط إلا بأفكار مضادة لها.
لا مفر من تكريس هذه المفاهيم في نفوس المصريين باستخدام كل وسائل التعبئة الممكنة, و لن يستغرق هذا كثيرا فأعتقد أن المصريين في غالبيتهم يتبنون الحد الأدنى من الحريات الدينية ربما ينقصهم اكتمالها فقط و هناك من سمات المصريين الموروثة ما يعزز هذه الحريات, فالمصريين يهوون العلاقات الاجتماعية و تربطهم أواصل أكثر بكثير من أن تكون دينيه, و قبولهم لبعضهم البعض هو الأقرب من اختلافهم, يبقى لنا فقط العمل على توعيتهم بهذه القيم أكثر و سن القوانين التي ستحافظ عليها. 

Friday, April 6, 2012

مزايا العفو والتسامح كقيمة سلوكية



لنكن متسامحين حفاظا على صحتنا الجسمانية والعقلية وعلى علاقاتنا الاجتماعية
الكراهية والحقد كعائق للشعور بالسعادة 
قد لا نضيف جديدا بتأكيدنا أن العيش على إيقاع الحقد والكراهية يعمل على تسميم الحياة اليومية ويبعث على الكآبة والحزن وبالتالي يشل كل إمكانية للشعور بالسعادة والمرح مهما توفرت الشروط لذلك 
ومن زاوية فزيولوجية فإنه يؤدي إلى ارتفاع الضغط وإحداث الكثير من الاختلالات في الوظائف الجسدية كعسر الهضم ، والشعور بالإنهاك والتعب وانسداد شهية الأكل وما ينجم عن ذلك من انحسار مستوى الإقبال على الحياة 
من منا لم يخبر هذا الشعور إثر نزاع أو تصادم مع شخص ما سواء في حياته الخاصة أو المهنية أو الاجتماعية بمختلف مجالاتها 
هذا إذا لم نقل بأن سقف التوترات غالبا ما يعيق اوكسجين الحياة الطبيعية عبر الكثير من
تفاعلاتنا 
التوتر كإفراز طبيعي لبنياتنا السسوثقافية 
ولعل واقعنا العربي مليء للأسف بأسباب التوتر لدرجة الاختناق .......حيث تهدر طاقاتنا الخلاقة للأسف في تدبير انعكاساته النفسية وحتى الاجتماعية الناتجة عن شروطنا المعيشية في مختلف مستوياتها ....هذا إن كانت هناك محاولات بالفعل للتدبير .....
ذلك أن تنشئتنا الاجتماعية في ظل هيمنة قيم ذات طابع إطلاقي بل تسلطي في الكثير من الأحيان قلما تؤهلنا للتعايش مع الآخر بشكل يضمن احترام خصوصياته واختيارته 
علما أن التسلط الاجتماعي هو أحد أشكال التسلط السياسي وربما الأكثر إيلاما وقدرة على تحجيم الناس وتكبيل انطلاقهم وتحويلهم إلى كراكيز مسلوبة الإرادة رغما عنهم
ولعل فشلنا في تحقيق أنظمة ديموقراطية حقيقية يجد أحد أسبابه الأكثر عمقا في أنظمتنا السسيوثقافية التي لا تعترف بحق الفرد وحاجياته النفسية خارج ترسانة التحريم والتجريم والتقزيم 
ذلك أن بنياتنا ذات الطابع المشوه غالبا ما تلقي برزحها على نفسياتنا وتحكم على أغلبيتنا الصامتة بالعيش في نوع من البؤس النفسي الذي تتفاوت درجاته حسب قدراتنا الشخصية في تدبير هذه التناقضات أو التناور عليها لاقتلاع نصيب ما من السعادة والإقبال على الحياة في ظل هذه الفوضى المنظمة في أغلب فضاءاتنا 
من هنا يمكن أن نفهم ذلك الحجم الهائل من الصراعات والنزاعات والتصادمات التي تخترق مختلف فضاءاتنا،بما فيها تلك التي تلتحف بأردية ذات طابع حداثي كالأحزاب والجمعيات المدنية والإدارة ....و...و
ولا بد من التنبيه إلى أن الرهانات الفكرية أو الاجتماعية أو حتى الذاتية غالبا ما تخفي وراءها ضرائب ذات طابع نفسي قلما يتم الاهتمام بها وسط زخم تنافساتنا المحمومة التي لا تخلو بالتأكيد من توترات تتفاوت في درجتها وأهميتها وانعكاساتها 
في هذا السياق يمكن أن ندرج أهمية القدرة على التسامح كقيمة أخلاقية وفعل سلوكي له بالتأكيد فوائد اجتماعية ونفسية وعقلية غنية عن البرهان . بل كإحدى أدوات تدبير الخلافات والنزاعات الملازمة لمختلف تفاعلاتنا ....
لكن هل نستطيع جميعنا استبطان هذه القيمة الأخلاقية الكبرى وتحويلها إلى سلوك يسهم في سلاسة علاقاتنا الاجتماعية ؟
لا شك أن ذلك يتطلب مجهودا كبيرا من طرف كل واحد منا ، ولعل أول مجهود يبدأ بالاقتناع بأهمية هذه القيمة الأخلاقية وتحويلها إلى سلوك عملي يحضر باستمرار وتواتر في مختلف تفاعلاتنا 
ولتسهيل هذه المهمة أورد فيما يلي المراحل التي يجب التمرن عليها حسب الأخصائي النفسي Nicolas Sanders –- بنوع من التصرف 
المرحلة 1 : أن نقبل بمراجعة الوضع حيث نبدأ باتخاذ مسافة تمكننا من رؤية الأمور بموضوعية أكثر....لاشك أن هذه المسافة ستجعلنا نحلل الأمور بطريقة مختلفة عن تلك التي باشرنا بها الأمور و نحن مقتنعون بأننا مجرد ضحايا للآخر الذي نعتقد جازمين في اعتدائه علينا بشكل من الأشكال 
المرحلة 2 : الاستعداد لإقرار العفو والتهييء النفسي لاتخاذ هكذا موقف 
المرحلة 3 : نحاول استشعار نوع من التعاطف مع المذنب أو المعتدي أو من أخطأ في حقنا ونغير موقعنا من موقف الضحية إلى موقع المتفرج أو الفاعل . لاشك أن هذه المرحلة تجسد نقلة نوعية في عملية التغيير المراد إنجازه 
فمن الضروري محاولة تفهم سلوك الآخر من خلال تحليل مختلف حيثياته وقد يفضي بنا ذلك إلى الشعور بنوع من التعاطف 
عندما نتوصل لتحقيق ذلك ننتقل للمرحلة التالية
المرحلة 4 : التخلص النهائي من مشاعر العداء أو الكراهية التي تجعلنا نتألم كلما تذكرنا الواقعة , وهي مرحلة تشبه عملية التقيؤ حيث تتخلص المعدة من المواد غير المرغوبة فكذلك على المستوى النفسي يمكن أن نقوم بنفس الشيء لتطهير المشاعر وتحويلها نحو ما هو إيجابي ولا بد من التذكير بأن العفو أو السماح ليس هو النسيان . ولا يمحي الواقعة بشكل نهائي .مالا نستطيع تجاوزه يتحدد حسب الوعي الخاص لكل منا للحادث أو الواقعة ،مع ذلك فإن القدرة على السماح لها فوائد جسمانية وعقلية ، وبالتالي ففعل السماح ينبيء عن نبل السلوك والشخصية ويؤهلنا لعلاقات اجتماعية أكثر سلاسة ونجاحا