Friday, December 30, 2011

بعض الصلح شر




هناك مثل عربي شائع يقول إن الصلح خير. ومن المؤكد إن الصلح خير إذا كان هدفه التوفيق بين الناس وإزالة الضغينة من النفوس، وإعادة السلام بين المتخاصمين. ولكن لكي يصبح الصلح خيرًا يجب أن يتوافر فيه ركنًا هامًا وهو العدل بين  الأطراف المتنازعة. وان لم يكن هناك عدل يكون الصلح مبنيًا على الظلم، والظلم لا يمكن أن يكون خيرًا.
      
من ذكرياتي أيام الدراسة في المرحلة الإعدادية أن طالبًا مسلمًا تشاجر مع طالب مسيحي وسب له الدين. وكان مشرفًا على فصلنا مدرس اللغة العربية الأستاذ"محمد عوض". وبعد دخول المدرس للفصل وقف الطالب المسيحي يشكو ما حدث له موجهًا الكلام للمدرس قائلا: يرضيك يا أستاذ عوض إن الطالب (فلان) يشتمني بالدين؟ وهنا جاء رد المدرس قاطعًا  بدون تردد وباللغة العربية الفصحى: لا.. هذا لا يرضيني. وبعد التأكد من صحة ما حدث أمر المدرس الطالب المسلم أن يمد يده ليأخذ عقابه، وألقى عليها المدرس أول ضربة.  كانت الضربة مؤلمة جعلت الطالب يصرخ. وأحس الطالب المسيحي بصرامة العقاب، فحاول أن يوقفه بأن قال للمدرس انه قرر أن يسامح الطالب المذنب. ولكن المدرس رفض وقال له: حتى لو تركت أنت حقك فالعدل يجب أن يأخذ حقه، واستمر في تنفيذ العقوبة حتى النهاية.
         
 كانت هذه أول مرة أسمع فيها طالبًا يسب الدين لطالب آخر، وكانت أيضا آخر مرة. كان هذا طبعا أيام الزمن الجميل وقت أن كان مجرد الاهانة الشفوية يعتبر تجاوزًا يرفضه المجتمع.  ولكن الآن طغى التعصب الديني وتعدى الاهانة بالكلام إلى أعمال العنف الدموي.  وتطور رد فعل المجتمع فبدلاً من رفضها وإدانتها رأينا كثير من الناس يؤيدونها، وأحيانًا يشاركون فيها ورأينا السلطات لا يضيرهم إن هرب الجاني من القصاص، مستخدمين في ذلك أساليب متعددة منها ما يسمى بمجالس الصلح العرفية.
   
مجالس الصلح العرفية شائعة في أرياف مصر منذ زمن وتستخدم من المسئولين لفض العداوات بين الناس وخاصة بين المسيحيين والمسلمين. وآخر قضية استعملت فيها كان بعد حادثة قطع أذن مواطن مسيحي على يد متطرفين سلفيين في مدينة قنا.
          
كان المواطن المسيحي"أيمن أنور ديمتري" قد أجّر شقة يمتلكها إلى فتاة مسلمة قادمة من أسوان، وبعد أن تطايرت الشائعات إن الفتاة سيئة السلوك حاول"أيمن" فسخ العقد ولكنه لم يستطع لأسباب قانونية.  وفى الفجر تلقى"أيمن" مكالمة من جيرانه بأن شقته المؤجرة تشتعل فيها النيران رغم عدم وجود الفتاة فيها. وبعد إطفاء النيران قرر أن يبيت فيها حفاظًا على ما تبقى من محتوياتها. ولكن الرجل فوجئ في اليوم التالي بأحد المتطرفين بقرع على باب الشقة، ويأمره بالنزول إلى الشارع وبالاشتراك مع أتباعه اعتدوا عليه بالضرب. ثم طلبوا منه استدعاء الفتاة التي بعد أن جاءت أرغموها على الاعتراف بعلاقة آثمة معه. وبعد ذلك قاموا بتحطيم محتويات الشقة ثم قطعوا أذن الرجل واحرقوا سيارته.
           
ورغم عبارات الاستنكار والإدانة  من كبار المشايخ بان إقامة الحد هو من سلطة الدولة وحدها، ورغم أن النيابة كانت قد قبضت على الجناة وبدأت إجراءات التحقيق في القضية، ولكن الأمر انتهى بعقد جلسة مصالحة بين الأطراف بحضور نائب الحاكم العسكري بقنا. وكان من بنود هذا الاتفاق الاحتفاظ بسريته وعدم الإفصاح عنه لأحد.
         
 وهناك عدة أسئلة تفرض نفسها فى هذه الحادثة:
         
 أولا: أين حقوق المجني عليه؟
 هل من العدل أن يستغل ضعف المجني عليه لفرض بنود صلح غير عادل عليه؟ أليس واضحًا أن الرجل تم الاعتداء عليه جسديًا، وأصابوه بعاهة مستديمة بقطع أذنه واعتدوا على ممتلكاته فحرقوا سيارته وحطموا شقته؟ ألم يكن واضحًا انه قُبل الصلح في غياب حماية له ولأسرته أن طالب بحقوقه؟ وأليس اشتراط عدم الكلام في بنود الصلح هو إمعان في الظلم؟ أليس هذا تطبيقًا للمبدأ الذي يسمح بالضرب ولكنه يحرم البكاء؟
           
ثانيا: أين حقوق المجتمع؟
إن أحد مقومات المجتمعات الحديثة هي إقرار العدالة في أركان المجتمع. وحتى إذا قرر المجني عليه التفريط في حقه المدني سواء عن رضا أو اضطرار، ولكن حق المجتمع الجنائي لا يمكن لأحد أن يفرط فيه. أن حق المجتمع في الاقتصاص من أي إنسان أخل بقواعد العيش فيه باق، ويجب استيفائه كاملاً وإلا فقد المجتمع أمنه وأمانه.

ثالثا: أين هيبة الدولة؟
بات واضحًا إن نظام الصلح العرفي هو إجراء تلجأ له الدولة لأنها عاجزة على إجبار المواطنين على احترام الشرعية وتنفيذ القانون. وهو نظام قبلي لا يتمشى مع دولة المؤسسات الحديثة. وكان هذا ظاهرة اتسمت بها المعاملات بين المواطنين طوال حكم الرئيس السابق. وكنا نتوقع أن يتغير هذا بعد قيام الثورة. ولكن للأسف يبدوا أن الذي تغير هو الأشخاص فقط أما النظام فهو باق معنا، ويبدوا أن الكلام عن دولة المؤسسات هو شعارات براقة لا أساس لها من الصحة. فما زالت هناك جماعات البلطجة التي تقبض على الناس وتحاكمها طبقا لمبادئها المتطرفة وتنفذ الحكم على أهوائها. والمصيبة أنهم بعد ذلك يهربون من العقاب ويظلوا طليقين ليرهبوا ويروعوا الآمنين، الذين لا خيار أمامهم سوى أن يخضعوا لابتزازهم وبلطجتهم.
          
وبعد.. ليس هذا المقال محاولة لتبرئة أو إدانة الرجل الذي اعتدى عليه إذا كان قد اقترف مخالفة قانونية، وكان يمكن الإبلاغ عن أي مخالفة يشتبه انه ارتكبها للسلطات. ولا يختلف الأمر كونه مسيحيًا أو مسلمًا أو بهائيًا أو ملحدًا. المشكلة التي أمامنا أن هناك فريق من المواطنين يظنون أنهم يستطيعوا أن يأخذوا القانون بيدهم ويقوموا بدور رجال البوليس والقاضي والجلاد لغيرهم من المواطنين.  والمشكلة الأكبر أن السلطات لا يقلقها هذا الآمر بل تقبله وتقبل معه إجبار الضحية أن يتصالح مع الجاني، تاركًا كل حقوقه ثم يذهب الجاني دون مساءلة.
          
يحدث هذا مع إننا نعيش في ثورة المفروض أنها جاءت لتقضى على الفساد وتعطينا العدالة والأمن والحرية والديمقراطية وكل القيم الجميلة!!
          طيب بأمارة إيه

Friday, December 23, 2011

انا مواطن مصرى




كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول مفهوم المواطنة وتعريفاتها ومعانيها وكيفية اكتسابها والحقوق المترتبة عليها وواجبات المواطن. والمواطنة ترتبط بجنسية الفرد، فيكفي أن أكون مصري الجنسية لكي أكون " مواطناً "  مصرياً، ومن المعروف أن الجنسية تكتسب بعدة طرق هي:-

1-حق النسب أو حق الدم: يكتسب الطفل جنسية الأب أو الأم. 
2- حق الإقليم: يكتسب الطفل جنسية الأرض التي ولد عليها.
3-اكتساب الجنسية عن طريق الزواج ، فمن يتزوج انجليزية مثلاً يحصل علي الجنسية الانجليزية.
4- اكتساب الجنسية بعد مدة إقامة معينة علي ارض الدولة المطلوب الحصول علي جنسيتها.

تعريف المواطنة: 
هي العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري.

 ويرتب مبدأ المواطنة عدد من الحقوق والواجبات بناء علي القيم التالية:
أولا- قيمة المساواة:
وتظهر في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء. 
ثانيا- قيمة الحرية:
مثل حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين ،  وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي.
ثالثا- قيمة المشاركة:
مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسئولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو الاشتراك فيها أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها.
رابعا - المسئولية الاجتماعية:
التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين.
حقوق المواطنة

-1 الحقوق المدنية: 
حق المواطن في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو الغير إنسانية أو التي تحط من كرامته وعدم إكراه احد على السخرة أو العمل الإلزامي ، والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين ، وحق كل مواطن في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله أو توقيفه بشكل تعسفي، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة ، وحقه في التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة وكذلك مغادرتها والعودة إليها و المساواة أمام القانون ، وعدم التدخل في خصوصية المواطن أو شئون أسرته أو بيته أو مراسلاته.

-2 الحقوق السياسية: 
حق المشاركة في الانتخابات بكافة أشكالها والحق في الترشيح، وحق كل مواطن بالعضوية في الأحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي. 

 -3 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :
حق كل مواطن في العمل في ظروف صحية و منصفه والحرية النقابية من حيث تكوين النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب ، و حق كل مواطن في الحصول علي حد أدني  من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في بيئة نظيفة والحق في خدمات كافيه لكل مواطن ، وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة.
واجبات المواطنة
تعتبر الواجبات المترتبة على المواطنة نتيجة منطقية كمقابل للحقوق التي يحصل عليها المواطن ومن ثم  تظهر هذه الواجبات التي يجب أن يؤديها المواطنين للدولة،  فهي علاقة تبادلية والهدف منها هو مصلحة الفرد والدولة وتحسين الأوضاع في المجتمع وتطويره نحو الأفضل .

1 - واجب دفع الضرائب للدولة:-
وبذلك يكون مساهماً في اقتصاد الدولة ، وهذه الضرائب تعود إليه على شكل خدمات وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية ، فمن هذه الضرائب تقوم الدولة ببناء المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والكهرباء وصرف مرتبات العاملين بالجهاز الإداري بالدولة وغيرها من الخدمات الاخري التي تقدمها الدولة لمواطنيها .

2 - واجب إطاعة القوانين:-
بما أن القوانين تشرع عن طريق السلطة التي يقرها الشعب والمخولة بذلك قانوناً وطالما أن هذه القوانين ستطبق على الجميع بشكل متساوي بدون تمييز ، فالأمر الطبيعي أن يقوم المواطن باحترام هذه القوانين التي تحقق بدورها الأمن والنظام والحماية المطلوبة مما يؤدي إلي  تحقيق المساواة والديمقراطية ونشر الأمن والأمان وسيادة القانون وفرض هيبة الدولة.

3 -واجب الدفاع عن الدولة :-
وهو واجب الخدمة العسكرية أو خدمة العلم وهو بهذا الواجب يشارك بالدفاع عن وطنه و مواطنيه في حالات النزاع أو الحروب.
الكتاب المقدس والمواطنة

أولا: المساواة والعدالة الاجتماعية:
الكتاب المقدس يعلمنا مبدأ المساواة بين جميع البشر ، فهو لا يساوي فقط بين المواطنين بل يطالبنا بأن نعامل الغرباء كالمواطنين تماماً ونجد ذلك بشكل واضح في سفر اللاويين كما يلي :-

«وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي أَرْضِكُمْ فَلاَ تَظْلِمُوهُ كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ ، لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي الْقَضَاءِ، لاَ فِي الْقِيَاسِ، وَلاَ فِي الْوَزْنِ، وَلاَ فِي الْكَيْلِ.
 سفر اللاويين 19 : 33-35

حُكْمٌ وَاحِدٌ يَكُونُ لَكُمْ. الْغَرِيبُ يَكُونُ كَالْوَطَنِيِّ. إِنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ
سفر اللاويين 24 :22

ثانياً : المواطنة الصالحة والخضوع للسلاطين والقادة :
لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ،  حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ،  لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ.
 رومية 13: 1 – 7

ثالثاً: طاعة القوانين:
ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا، وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ،  
تيطس 3 : 1                                                                                                                                                                            

رابعاً : الصلاة لأجل الحكام والقادة :
فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ، لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ.
 تيموثاوس الأولي  2 : 1 - 3 

خامساً :دفع الضرائب :
فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ:«لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ:«لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» قَالُوا لَهُ:«لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ:«أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ».                                                       
                                                                                                                        متى 22 : 17 – 21

وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْر َنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا:«أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» قَالَ:«بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً:«مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ ؟»  قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذاً الْبَنُونَ أَحْرَارٌ. وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ».   
متى 17 : 24 - 27             
                          
سادساًً: التمسك بالحقوق المشروعة والشجاعة في الحق: 
1- احتجاج الرب يسوع علي عبد رئيس الكهنة عندما قام بلطمه :-
وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلاً: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟»
يوحنا 18: 22 - 23

2- احتجاج بولس الرسول ورفضه للظلم وإهدار حقوقه كمواطن روماني وعدم محاكمته بشكل عادل :-
" لأَنِّي إِنْ كُنْتُ آثِمًا، أَوْ صَنَعْتُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، فَلَسْتُ أَسْتَعْفِي مِنَ الْمَوْتِ. وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا يَشْتَكِي عَلَيَّ بِهِ هؤُلاَءِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَلِّمَنِي لَهُمْ. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ!".
أعمال الرسل  25 : 11

وَلكِنْ لَمَّا قَاوَمَ الْيَهُودُ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَرْفَعَ دَعْوَايَ إِلَى قَيْصَرَ، لَيْسَ كَأَنَّ لِي شَيْئًا لأَشْتَكِيَ بِهِ عَلَى أُمَّتِي.
أعمال الرسل 28 : 19

" فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ:«ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا" 
أعمال الرسل 16 : 37

يبقي أن نعرف انه يجب علينا أن نشارك وبكل ايجابية وجدية وان ننخرط في الحياة السياسية دون انتظار لحث أو توجيه من الكنيسة ، فيكفي الكنيسة ما عليها من أعباء الخدمة الروحية والرعوية والاهتمام بالفقراء والمساكين والمحتاجين ، كل ما علينا هو البحث مابين الأحزاب المختلفة والوقوف علي برامجها وأهدافها ونختار الأنسب والأصلح والأكثر قدرة علي قيادة البلاد نحو غد أفضل لكل المصريين بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللون ولنصلي جميعاً أن يحفظ الرب بلدنا الحبيب من كل شر وشبه شر وأن تعبر تلك المرحلة الحرجة في اقرب وقت ممكن لكي تأخذ مكانها الطبيعي بين البلاد المتقدمة ، فنحن أحفاد الفراعنة والشهداء ليسوا اقل من تلك البلاد المتقدمة والتاريخ خير شاهد ودليل !

Tuesday, December 20, 2011

ميلاد جديد لكل المصريين فى وطن واحد "



كل سنة والمصريون جميعا بخير وحب وسلام فى عيد ميلاد حضرة المسيح له المجد يا رب دايما تتعانق إيدينا فى العمل من أجل مصر، فى هذا اليوم الذى شهد ميلاد حضرة المسيح الذى دعا للمحبة والسلام بين العباد وبعد الأحداث الماضية التى اعتصرت قلوبنا جميعا، أدعو المصريين جميعا للتمسك بوحدة بلادنا والتأكيد على أن أرض مصر وطن واحد للمصريين جميعا، وإننا جميعا أثمار شجرة واحدة شربت من ماء النيل وضربت جذورها أعماق أرض خصبة نضرة تغذت من طمى النيل وشربت من مائه العذب وإننا أوراق غصن واحد لهذه الشجرة العفية القوية التى تقف دائما صامدة أمام الرياح العاتية الآتية من أى صوب 
آن الأوان لنبذ جميع أنواع التعصبات وأن نشطبها من حياتنا فقد خلقنا الله تعالى كلنا إنسان حر فيما يعتقد على أن يتعايش مع باقى أطياف المجتمع فى سلام ومحبة وألا يكون له الحق فى الدعوة لتكفير أى إنسان آخر
المطلوب الآن إعلاء ثقافة المحبة وهى ثقافة لا تكلف أى شىء سوى الكلمة الطيبة، ثقافة تملأ القلوب بالخير لكل البشر، ثقافة تعترف بأن بالحب نستطيع أن نحيل الهموم إلى طاقة تبنى وتعمر، ثقافة تعبر بنا جبال مصاعب الحياة، ثقافة تجعل مياه نهر الحياة عذبا صافيا، ثقافة تعترف بثقافة الحوار والمشاورة للصالح العام، ثقافة تجعل أيدينا تمتد بالسلام للغير، ثقافة تحمينا من رياح التعصب المحملة بالغبار الذى يعكر صفو الجو، ثقافة تهفو بنا بسلام إلى شاطئ بحر الحياة المواج، ثقافة المحبة التى تدعو إلى التعايش المشترك بين أبناء مصر، ثقافة تعترف بأن يكون الحوار الدينى موجه لخير البلد، ثقافة تعترف بضرورة المساواة فى الحقوق والواجبات لكل المواطنين، ثقافة تعترف بحاجتنا إلى بعضنا البعض 
ولكى تسود ثقافة المحبة لابد من تغيير ثقافة الأسرة فى تربية الأطفال على عدم جرح عقيدة الآخرين، فمن الخطأ أن أتكلم عن ديانة الآخر بدون أن أتعرف عليها حتى لا نسمح بأى أفكار تعبث فى عقول أبنائنا، وأن تُدرس القيم والأخلاقيات من خلال الأديان لكل الأطفال فى المدارس الأساسية حتى يتعرف الطفل على أن أساس جميع الأديان واحد وكلها أديان الله سبحانه وتعالى لا فرق بينها
ولابد من تغيير ثقافة المدرسين المسئولين عن إيصال القيم للأطفال بالمدارس إلى أنه آن الأوان ألا يؤسس أى نوع من التمييز على أساس المعتقد أو اللون أو الجنس فى عقول الأطفال وألا يضع عقيدة الآخر موضع تشكك بل أن يضع عقيدة الآخر موضع احترام إنسانى حتى ينشأ الأطفال على محبة بعضهم البعض ولا تتكدر قلوبهم البريئة بالكراهية لزميل دراسته.
وإذا جاءت دعوة تمييز من أى قناة تليفزيونية ضد أحد الأديان لابد أن يقابلها دعوة تحرى الحقيقة عن تلك الديانة من معتنقيها وأن يتم إعلانها فى قنوات الدولة عملا بحرية العقيدة التى نص عليها الدستور المصرى، وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامى فى محاسبة المتسبب من الإعلاميين فى الحض على الكراهية أو التوجيه إلى أعمال العنف لأى من أطياف المجتمع
أما دور الفنون من أفلام ومسلسلات وبرامج وأغان، وغيرها الكثير، دور كبير فى إبراز التنوع الثقافى لكل أطياف الشعب المصرى بكل تناغمهم فى نسيج مصر
أتمنى من أجهزة الإعلام استثمار مشاعر المحبة الفياضة وتفاعل أطياف الشعب وخاصة الشباب فى هذه الأيام فى إنشاء مشروعات تنموية تحت مسمى"مشروعات من أجل مصر" برعاية رجال الأعمال يدعون إليها الشباب بدون تمييز للعمل من أجل مصر حتى لا تصبح هذه الصحوة موسمية بل مستمرة بطاقة الأجيال الشابة وخبرة حكماء مصر وكل محبيها 
وفوق كل هذا بات التأكيد على تفعيل مبدأ المواطنة ومدنية الدولة مطلبا أساسيا يُعلن للجميع بأننا مصريون فى وطن واحد.. شعب واحد.. دم واحد.. وجع واحد... فرح واحد... شعب حدوده لم تتغير منذ آلاف السنين رغم تعاقب الجنسيات والحضارات عليه، ولكنه شعب احتوى كل الوافدين إليه وجعلهم ينصهرون معه يشاركونه فى عاداته وتقاليده الجميلة، ولابد من سرعة إصدار قانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز بين المصريين لكى تسود ثقافة احترام بعضنا البعض واحتواء بعضنا البعض فمصابنا واحد وفرحنا واحد
كل سنة واحنا مصريين مصممين بأن وحدتنا هى أملنا فى مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة لكى نراها فى مصاف دول العالم.. كل سنة ونن عيوننا مصر بخير وسلام، لكى يا مصر السلامة وسلاما يا بلادى. وأنهى مقالى بما جاء بالإنجيل "على الأرض السلام

Friday, December 16, 2011

المتطرف يكسب



نحن نعيش فى زمن التطرف.. نعم لقد أصبح التطرف هو سمة هذا العصر، لإثبات الوجود وتحقيق الهدف وليس هناك من أسلوب آخر حتى يلتفت إليك العالم. أما الوسطيون فقد ولّى زمانهم يحاولون الصمود ولكن لا أحد يعيرهم اهتماما ولا يسمع صوتهم. إنى لا أتحدث عن التطرف الدينى، ولكن نحن نعيش وسط ضوضاء التطرف فى كل شىء من الدين للفن ومرورا بالسياسة. إنى لن أرمى بكلماتى أشخاصا بتهمة التطرف ولكنى سأقف عند الأفعال المتطرفة التى جعلت من الأشخاص رموزا.

فلتنظروا معى من هم البارزين على الساحة، الذين هم محور أحاديث الآخرين، من كتبوا دستورا جديدا لهذا الزمن وإن كنا قد رفضناهم واستنكرنا أفعالهم، فيمر الوقت إلى أن يصبح الفعل المتطرف مقياسا لما قبل ومكيالا لما يحدث بعد.

كلنا أكيد نتذكر أين كنا عندما شاهدنا على شاشة التلفزيون الطائرات التى أطاحت بمركز التجارة العالمى، كلنا يتذكر كم الفزع الذى عاشه من هول المشهد. ولكن ألاحظتم ماذا حدث بعد ذلك؟ أنا كنت أتابع جيدا صورة أسامة بن لادن أصبحت على أغلفة جميع المجلات والصحف لا أكاد أذكر أيا من نجوم هوليوود تصدروا أغلفة هذا الكم من الطبعات، أما عندما كان يذاع شريط جديد له، فالكل يجلس بلا حراك ليرى ماذا سيقول البطل من بطن الجبل!!! طيب لننتقل إلى عام 2002. أحب هيفاء وهبى كثيرا، وأحترم نجاحها أكثر، ولكن تذكروا معى متى كانت أول مرة تسمر فيها الشعب العربى أمام التلفاز ثم أشار بالبنان "هذا الصاروخ اسمه هيفاء وهبى" لا تنكروا أرجوكم أن هذا الكليب كان كليب متطرف بالفستان الأحمر المبلل والنظرات والإيماءات.. إنى لا أتحدث عن هيفاء إطلاقا ولكن أتحدث عن الفيديو كليب الأول التى لم تعد هيفا نفسها بحاجة الآن لإعادة هذا النوع من العيار الثقيل من المشاهد أمام الكاميرا فقد أصبح العالم كله يعرف من هى هيفاء وهبى. ولكن هل لو كانت هيفاء وهبى اختارت أن تبدأ مشوارها الفنى بأغنية ونفس أسلوب تصوير "يا ابن الحلال" وهو كليب وسطى جدا، هل كانت لتلاقى نفس النجاح؟ هل كانت هيفاء وهبى لتصبح رمزا؟ لا أعتقد كان يجب أن تثبت أقدامها أولا. كيف؟ من خلال مشاهد تعدت بها كل الخطوط الحمراء. تحياتى لذكاء هذه المرأة فهى أول من فطن لسمة هذا الوقت. إنى لا أعيب فى هيفاء ولكن أؤكد على ذكائها.

ولتنظروا معى إلى السياسة الخارجية الأمريكية. أليست متطرفة؟ ولكنه تطرف دستورى قانونى بدعوى العدالة. ولكن حتى الشعب الأمريكى عندما أسقط فى أيديهم وكان لابد من اختيار رئيس جديد يخرج بهم من عنق الزجاجة. أعطوا أصواتهم لرجل من أصول أفريقية وكان ذلك إنما يعد تطرفا عن معتقدات ومفاهيم وتقاليد راسخة داخل وجدان الشعب والعقلية الأمريكية. 

ولنترك السياسة والدين والفن، انظروا حولكم نحن فى زمن "آخد حقى بدراعى، فالقانون نفسه طويل"، انظروا فى الشارع للشاب ذى 22 عاما يقف بسيارته التى يتعدى ثمنها فوق المليون إلى جانبه فى الإشارة رجل أربعينى على "فسبة" تتكوم وراءه زوجته وأولاده. لا أكاد أرى حتى فى المنظومة الاجتماعية لأوطاننا العربية وجود للطبقة الوسطى، فإما غنى فاجر أو فقر كاسح.

اذهبوا إلى أى شاطئ وانظروا إلى المنقبة التى تمر من جانب أخرى تستعرض البكينى ولا تكاد إحداهما ترى الأخرى.. المنقبة ترفض النظر إلى صاحبة البكينى لأنها سافرة ولحم رخيص. وصاحبة البكينى ترفض النظر إلى المنقبة لأن هذا فى نظرها مغالاة غير مفهومة. أليست كل هذه مشاهد متطرفة؟ وهنا نجد أن التطرف له أنواع وأشكال وألوان مختلفة، بعضها القبيح وبعضها الجميل الباهر.. المهم أن ما أصبح يشد انتباهنا الآن أطراف الأمور وليس وسطها أو عمقها. حتى أحكامنا على الآخر نطلقها جزافا. 

لم تعد الوسطية والاعتدال "يأكل عيش" فإما تصبح رمزا تترك بصمة لتفسح لوجودك مكانا ففى هذا الوقت يجب من عمل متطرف وليس من الضرورى أن يكون الفعل من أصل الفاعل، إنما هو وسيلة لتحقيق هدف أنانى أو سامٍ فالاثنان سواء. ووسط كل هذه الضوضاء. يؤرقنى سؤال: إذا كنت أريد النجاح وتحريك المياه الراكدة فمن خلال ما أرى عفوا يجب أن أتطرف ولكن كيف؟ وإلى أى جهة من الأفضل أن أتطرف إليها؟ سؤال يدور فى عقلى وأكيد فى عقل آخرين ممن أدركوا أن فى هذا الوقت المتطرف يكسب.

Tuesday, December 13, 2011

ابليس و اعوانه "



"لا للفتنة" شعار يجب أن يرفعه المصريين المحبين لتراب هذا الوطن الذي يجمع جميع طوائفه علي مر التاريخ دون تفرقة أو تمييز
ولكن اللحظة الراهنة والحرجة التي تشهدها البلاد تجعل هناك حالة من الالتباس في كل شئ إلي الحد الذي ينذر بمخاطر جمة ويزد منه حالة الضعف الشديد للدولة المصرية ممثلة في حكومة رخوة ومؤسسات ممزقة تجعل الجميع من الدينيين والسياسيين والناشطين عن قصد وغير قصد كل علي حده أو بالتحالف المؤقت يحاولون الانقضاض عليها للحصول علي مغانم خاصة أو وقف انطلاقها للإمام خوفا من إعادة البناء، فنجد مع كل حادث طائفي يعود ملف الفتنة إلي نقطة الصفر وكأن لقاء رمزي الأمة الشيخ والقسيس وتبادل الأحضان سابقا لم يعد مرضيا للطرفين كما كان سائدا قبل الثورة، ويا ليتنا نتذكر الثمانية عشر يوما للثورة وروح المحبة التي شهدتها ميادين التحرير بمختلف المحافظات وخلو دور العبادة من الحراسة الأمنية وكأننا في المدينة الفاضلة
ولن نخبئ رؤوسنا تحت التراب ونقول بعدم وجود فتنة طائفية في مصر فمسبباتها زادت طوال الحكم الاستبدادي قبل ثورة 25 يناير الذي كان يفرق أوصال العلاقات بين المواطنين إلي طوائف وتيارات بل ويغذي المتعصبين من الطرفين الذين يصبون في آذان المصلين في المساجد والكنائس الأحاديث الضعيفة والروايات المغلوطة بجانب عامل آخر أصبح خطرا جديدا مؤثرا وهو المواقع الإلكترونية والمنتديات الخربة التي انتشرت وأفسدت نظرتنا للآخر مما يستدعي عدم السكوت عن كل ما يمس أمن المجتمع وسلامته، فقد كان الأمل بعد الثورة وغياب النظام السابق  بعودة الاعتبار لقضية الوطن علي حساب قضية الفئة أيا كانت وأنه أصبح كما كان سابقا رحبا يسع الجميع دون سؤال عن الهوية والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراده دون تمييز والأكل من طبق واحد وتحت سقف واحد، ولكن للأسف الوضع أصبح خطيرا في وجود هذه الحكومة التي لم تحسن التعامل في إي ملفات الوطن الملحة فالمسالة ليست بناء مضيفة تم تحويلها إلي كنيسة دون تصريح أو الاعتداء عليها حرقا من بلطيجية مأجورة أو تصريحات محافظ لم تكون واجبة أو اعتداء علي مبني محافظة بتوجيه من رجل أعمال آثم من أجل إثارة الفزع والبلبلة والفوضى المقصودة، فالأمر جد خطير لأنه أصبح يخص الوطن ككل من أمنه وسيادته واستقراره وحاضره ومستقبله
أن الحل الوحيد بعد الأحد الدامي أمام ماسبيرو وتحويل مظاهرة سلمية إلي مذبحة مروعة، يجب اعتراف الجميع علي الساحة بأنه مخطئ في التعامل ولم يعد ممكنا قبول إنصاف الحلول أو التغاضي عن إعمال القانون علي الجميع وليس أحد فوق المسألة وعلي من تورط بأي صورة كانت أن يدفع الثمن ليكون عبرة لنفسه وغيره، ويجب توجيه الاتهام بوضوح إلي من يحاول إلهاء الوطن واستنزافه في فتنة تمس بقاءه وتماسكه الوطني فلم يعد في زماننا اللهو الخافي الذي يضرب بخبث دون أن تراه سلسلة من أقوي الأجهزة الأمنية والمخابراتية وألا علي الجميع السلامة، وثانيا التسريع لإصدار التشريعات التي ترضي جميع المصريين وتحل المشاكل الواضحة وضوح الشمس وتحتاج لإرادة مخلصة فقط، ونطالب الدولة بأن تضرب بيد من حديد علي رؤوس مثيري الفتن بتحويل هذه القضايا إلي محاكم أمن الدولة كونها قضايا تمس أمن المجتمع، وأخيرا التعامل مع المحرضون علي الخروج إلي الشوارع والميادين بمناسبة وغير مناسبة وتستهدف استنزاف الجيش يوميا فهم المسئولون رقم واحد للمواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية في منطقة ماسبيرو من أجل تأخير اللحظة الفارقة لمصر بين الديكتاتورية والديمقراطية ببدء فتح باب الترشيح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى ودخول آمن إلي مستقبلنا الديمقراطي.. أو لغرض أسود في نفس إبليس وأعوانه في الداخل والخارج.. مش كده ولا إيه

Friday, December 9, 2011

حوارٌ مع صديقى المتطرّف




صديقى المتطرِّف لا يكلُّ ولا يملُّ من الكلام عن "المظهر"، وأنا تعبتُ من فرط الكلام عن "الجوهر". فى لقائنا الأخير قلتُ له: 

تدعو الزرادشتية إلى الإيمان بإله واحد متعالٍ هو "الخالق". وهو الذى لا يُعزَى إليه شكلٌ أو لون أو مظهر، أحدٌ صمد، لا تحيط به العقول، ولا يحدُّه مكان. العادلُ، الغفورُ، الرحيمُ، الواحدُ، الأحد. ويقول زرادشت فى تعاليمه إن الاعتقاد بالخالق، لا يتمُّ إلا عن طريق "العقل الصالح"، وإن الخلاصَ يأتى بتطوير أنبل منازع الإنسان. ويحذِّرُ أتباعَه من "روح الشر". وأكبر الشرور فى زمانه تتمثل فى مَيل العامة إلى عبادة المظهر دون الجوهر. 

وتقول البوذيةُ إن السعادةَ لا تتمُّ إلا بالتخلص من الأنانية من أجل الوصول إلى حالة "النيرفانا"، أى الصفاء الروحيّ. ومن أجل ذلك يتحتمُ على الإنسان إتّباعُ السُّبل النبيلة الأربعة: "التفكيرُ السليم" الخالى من كل نزعة هوى، "الفعلُ السليم" الذى يسلكه الإنسانُ فى سبيل حياة مستقيمة تتكئُ على العلم والحق، ’الكلامُ السليم‘ بقول الصدق بغير زور أو كذب، "العيشُ السليم" القائمُ على هجر الملذّات الرخيصة. والنيرفانا هى حالة التيقُّظ أو الاستنارة التى تُخمد نيرانَ الدوافع المسببة للآلام: الشهوةُ، الحقدُ، الجهلُ. وهى بدايةُ طريق الخلاص. وتتلخص قواعدُ البوذية فى الكفّ عن آثام خمسة: القتلُ، أخذُ ما ليس لك، الكلامُ السيئ، السلوكاتُ الحِسيّة المُشينة، تناولُ المخدّرات. وبإتباع تلك التعاليم يمكن القضاءُ على شرور الإنسان الثلاثة: الشهوانية، الحقد، الوهم.

ويقول المسيحى فى صلاته: "اغفرْ لنا ذنوبنا كما نغفرُ نحن أيضًا للمذنبين إلينا. ولا تُدخلنا فى تجربة. لكن نجِّنا من الشرير." ويقول: "أحبّوا أعداءكم. بارِكوا مُبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم"، وفى القداسات يدعون لكل البشر قائلين: "نُصلّى من أجل إخواننا أصحاب الديانات الأخرى، ليحيوا عمقَ إيمانهم، حسبَ قصد الله. نصلّى من أجل كل مَن يمارس العنف باسم الدين، ليكتشفَ غِنا وعظمة حب الله".

وفى الحضارة الفرعونية الفريدة، التى صنعها أجدادنا، ورد فى كتاب "العبور إلى النهار"، الشهير بكتاب الموتى، أن شرط الانتقال إلى أبدية العالم الآخر، هو إقرار المتوفى باعترافاته السلبية بأنه: لم يكذب، لم يسرق، لم يقتل، لم يلوِّث النهرَ المقدس. ويشهد على صدق اعترافه ميزانٌ يوضع فى إحدى كفتيه قلبُ الميت، الذى يمثّل ضميرَه، فى مقابل الكفّة الأخرى التى توضع بها ريشةٌ تمثل الحقَّ والعدلَ والجمال.

وحين سُئل دالاى لاما عن أفضل العقائد قال: "هى تلك التى تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالاً. العقيدةُ التى تفعل معك كل هذا تكون هى الأفضل".

وهكذا يا صديقى ترى أن الأديان كافةً تتوجه نحو هدف واحد. الجمال. وتنادى بمبادئ واحدة، فى "الجوهر/المعنى"، أما "المظهر/الصورة"، فلا شأن لى بها. ولكلّ إنسان أن يختار، بملء إرادته، الطقسَ والشعيرةَ والطريق التى يسلكها للوصول إلى هذا الجمال، الذى هو الله. وفى هذا قال جلال الدين الرومي: "اذهبْ، واسعَ وراء المعنى، يا عابدَ الصورة." حدثتُكَ عن بعض الأديان، الوضعية، والسماوية، وتعمدتُ ألا أتكلم عن الإسلام، لأننا جميعًا، مسلمين ومسيحيين، نعلم كل شيء عنه من المدارس والتليفزيون والأهل والشارع، ومن الشمال والجنوب والشرق والغرب، بما أننا ننتمى إلى مجتمع "مسلم"، كما تعلم.

لكن صديقى يعيدُ الكرّة ويقول لى: "لكن اسمك فاطمة. فكيف لا تناصرين المسلمين دون قيد أو شرط؟، ألم يقلِ الرسولُ: انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا؟" فقلتُ له: "هنا أخطاءُ أربعة: 1- قيل: يا رسولُ الله، أنصُره مظلومًا، فكيف أنصُرُه ظالماً؟! قال: تحجزه عن ظلمه فإن ذلك نصرُه. أن تُريه الحقَّ حقًّا، والباطلَ باطلاً. 2- اسمى فاطمة، يعنى مسلمة، فهل ترى أن واجبى كمسلمة أن أعادى وأحارب غيرَ المسلم؟ ألا تتفق معى فى أنك هنا تُنزل من شأن عقيدتك إذْ تجعل منها عقيدةً أنانيةً ظالمة؟ وأنك ترى أن الله، خالقَ الكون، قد خلق عباده على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وأعراقهم، لكى يقتتلوا لا لكى يتعايشوا ويتحابوا؟ أى منطقٍ! ألا ترى أننى حين أؤمن بحتمية حبّ الآخر، وتوحيد حقوق المواطنة، أكون أكثر منك إيمانًا بأن الله عادلٌ يحبُّ العدل؟ وأن العقيدة والحساب، فى يده هو تعالى وحده، دون سواه، ليس لى دخلٌ بها، فلا أجعل من نفسى وكيلاً عنه فى الأرض، كما تفعل أنت؟ 3- أنت اسمك: محمد أو جورج أو بوذا أو قطار أو شجرة، فماذا يعنى هذا؟ قال شكسبير فى إحدى مسرحياته إن الوردةَ لن تكفَّ عن نشر شذاها لو كان اسمُها أى شيء آخر غير "وردة". ثم ما دخلى باسمك؟ وما دخل اسمك بأفكارك؟ الاسمُ لم نختره، بل اختاره لنا أبوانا، أما أفكارُنا فهى نتاجُ تأملنا وتحصيلُ اجتهادنا الشخصى نحو المعرفة. هل سيحاسبنا اللهُ على أسمائنا، أم على أفكارنا وأعمالنا؟ 4- أنت مسلمٌ محض مصادفة، مثلما غيرك مسيحى بالمصادفة، لأنك لم تختر دينك، بل اختاره لك سلفُك. فهل تقتتلان على شيء لم تختره ولم يختره؟ وماذا لو جعلتك "المصادفةُ" مسيحيًّا، أغلب الظن لكنتَ مسيحيًّا متطرفًا أيضًا! انتهت أخطاؤك الأربعة التى وردت فى اجتزائك للحديث الشريف. وأكرر عليك قولى بأننى لا أناصرُ ديانةً ولا أهاجم أخرى. بل أنتقد سلوكات بشر أخفقوا فى درس الجمال والعدل والمحبة. ألتمسُ الجوهرَ الرفيعَ المشترك، أبحثُ عن الجمال بمحاربة القبح فى السلوك والقول والفكر. أدعوك إلى تأمُّل مقولة المثقف الرفيع على بن أبى طالب: "احصدِ الشرَّ من صدر غيرك، باقتلاعه من صدرك". 

قضيتى يا صديقى هى المواطَنة، لا العقيدة. العقيدةُ شأنُ الله وحده، أما المواطَنة فشأنى وشأنك وشأنُ كل مصرى. وهنا أستعيرُ قولَ عبد المطلب بن عبد مناف، جد الرسول (ص)، حين ذهب لاسترداد إبله من أبرهة الأشرم هادم الكعبة، الذى قال له: حسبتُك أتيتَ تتشفع للكعبة. فردّ عبد المطلب: "أنا ربُّ الإبل، أما البيتُ فله ربٌّ يحميه". 

أنا أدافع عن جمال مصر الموءود، فهذا واجبى كمصرية. واللهُ جلّ وعلا قادرٌ على الدفاع عن دينه، ليس هذا من شأني، ولا شأنك بالمناسبة. شأننا هو الوطن. والحكومةُ تغتالنا جميعًا وتنتزعُ من صدورنا بقايا الجمال والعدل والحب. ونحن نقعُ فى الشرك مبتسمين!! فى هذا قال نيتشه: "مُشاهِدٌ رديءٌ للحياة، ذاك الذى يغفل عن اليد التى تغتالُ برفق."

Wednesday, December 7, 2011

حصص الوحده الوطنيه "؟


احدث فى الليلة السوداء أمام ماسبيرو انتهاك للقانون والنظام العام وإنهاك للناس ولأعصاب الناس.. وهى واحدة من ليالٍ سوداء،غاب فيها الشعور بالأمان وغاب فيها القانون وأخليت الساحة للعنف والبلطجة.. والنتيجة هى خسائر مفجعة فى الأرواح وفى الإصابات، ومزيد من الفقر ومزيد من العاطلين، ومزيد من العنف، ومزيد من الكراهية 
 الحقيقة، ودون نفاق للسلطة، ودون نفاق للأحزاب والنخبة.. هى أن الذين يحرضون على المظاهرات، ويدعون لها لا يعرفون الأخطار التى يتعرض لها البلد، وربما هم يعرفون لكنهم يستهترون بتلك الأخطار، كأنهم يلعبون سياسة، والسياسة فى حياة الشعوب، ليست لعبة، فمن يخرج فى مظاهرة أو اعتصام ولا يقدر على السيطرة على المظاهرة أو الاعتصام، يرتكب إثما كبيرا فى حق البلد 
 الحقيقة أنه لو تعرض ابن أو ابنة أو عائلة أصحاب النظريات الصادرة من المكاتب المكيفة أو عبر الشاشات الفضية لحادث حرق سيارته أو يده دون ذنب وهو يسير فى الطريق، سوف يدرك لحظتها خطورة أوضاع البلد، ولعله يتوقف فورا عن ممارسة ركل كرة النار، التى يتبارى بها مع غيره
 لست ضد التظاهر السلمى، ولست ضد المطالب الفئوية، فالناس تئن، ومعها حق، لكن المهم توقيت عرض المطالب وكيفية عرضها.. والانتظار قليلا حتى يقف البلد على قدميه ويخرج من محنته.. فالمشكلات نتيجة 30 عاما من السياسات الجاهلة.. وكل من ينهض من نومه ويقوم بقطع الطريق، وإحراق سيارات، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة، ويعطل المصالح ومصلحة المواطن والوطن.. كل من يفعل ذلك لا يسعى للحقوق، ولكنه يمارس عملية تدمير ذاتية وانتهازية وبكراهية غير مسبوقة، وبعنف غير مسبوق
 الروايات اختلفت بشأن أحداث ماسبيرو، ولم نفهم من أطلق الرصاص نحو الجيش ولا كيف رد الجيش؟ ونحن ننتظر نتيجة التحقيقات، فربما تظهر الحقيقة مرة واحدة. نحن ننتظر نتيجة التحقيقات، ومن أخطأ يحاسب ويعاقب.. مرة واحدة نرى من يعاقب فى مثل تلك الأحداث, فكل مسئول فى البلد يؤكد أن الأيدى الخفية تلعب بالنار هل نمسك مرة بيد واحدة من تلك الأيدى العابثة التى جعلت وجوهنا وحياتنا عابسة ؟
 يبقى أنه لم تعد مجدية حصص الوحدة الوطنية التى يحاضرنا بها الدكاترة فى محطات التليفزيون، وعبر شاشات الفضائيات.. لم تعد مجدية تلك الحكايات البلهاء عن «المسلم الذى أنقذ شقيقه المسيحى من الغرق فى النيل أو فى بالوعة بالطريق».. لم تعد مجدية تلك الحكايات التى تناقش فى البديهيات، من نوع مسلم ومسيحى إيد واحدة، والشعب والجيش والشرطة إيد واحدة.. ألا تزهقون من تكرار نفس الحكايات، ونفس الأغانى، ونفس الأناشيد، ونفس الاسطوانات؟ 
الصبر يارب

Monday, December 5, 2011

كنيسة أخرى وتنديد آخر.. والحاجة لعقد سياسى جديد "



كنيسة أخرى تحترق وفتنة طائفية جديدة تطل برأسها القبيح، هذه المرة فى أسوان. الوقائع كالعادة غير واضحة ولكن النتيجة واحدة، وهى أن وحدة المجتمع ــ أغلى ما نملك الآن ــ تتعرض لنكسة جديدة، ولا يوجد لدينا ما نقدمه سوى المزيد من البيانات والتنديد. كل حادث طائفى فى مصر ينتهى بنفس الطريقة، استنفار بين المثقفين والمعلقين وشحذ للهمم للتأكيد على وحدة عنصرى الأمة. ولكن للأسف أن هذا الحماس لا يأتى بنتائج مفيدة ولا بتغير حقيقى فى تعاملنا مع المشاكل الكامنة، بل لعله يدفع إلى تجاهلها بعد قليل وتأجيل التعامل معها 
فإما أن فى مصر مشكلة طائفية فهذا لا يحتاج لأدلة كثيرة. العنف الطائفى الذى يظهر من وقت إلى آخر، التباعد فى كثير من مظاهر الحياة اليومية، تعامل كل طرف مع المستشفى والمدرسة والطبيب والبقال من ذات الملة، انسحاب المسيحيين من الحياة العامة، وعدم فهم كل فريق بديانة وعقيدة الفريق الآخر. ولأن الجهل يولد الريبة والتوجس، فكلما ابتعد عنصرا الأمة عن بعضهما البعض فى مختلف مناحى الحياة، توافرت أسباب الفرقة والتوتر الطائفى 
من أين جاء هذا التباعد وهذه الفرقة؟ فى اعتقادى أنهما نتيجة حتمية للاستبداد الذى ساد فى مصر، ليس فقط فى الثلاثين عاما الماضية، بل لمئات السنوات. الحكم المستبد فى كل بلدان العالم وفى كل عصر يبرم عقدا سياسيا مع الأقليات الدينية مضمونه الآتى: «اتركوا الحياة العامة، ابتعدوا عن السياسة، لا تتدخلوا فى القضايا السياسية والصراع على السلطة، وأنا كفيل بحمايتكم وصون حقوقكم وإعطائكم قدرا معقولا من الحرية والأمن». هذا عقد سياسى قديم، استعان به العباسيون والمماليك والدولة العثمانية، كما استعان به الاستعمار الأوروبى فى بلدان العالم الثالث، وديكتاتوريات أمريكا الجنوبية فى القرن الماضى. وكذلك استعانت به الدولة المصرية الحديثة. الدولة تتدخل بحسم وصرامة فى أعقاب كل حادث طائفى ولا تسمح بأن يتجاوز التوتر درجة معينة. ولكن فى المقابل، صار الملف الطائفى ملفا أمنيا، وخرج المسيحيون فى مجموعهم من ساحة العمل العام، واقتصر التمثيل السياسى المسيحى على خمسة أعضاء معينين فى مجلس الشعب ومحافظ ووزيرين، وعلى حضور رأس الكنيسة لجلسات افتتاح مجلسى الشعب والشورى والاحتفالات الرسمية الكبرى. وتم الاتفاق على عدم استخدام كلمة «أقلية» لوصف المسيحيين فى مصر ــ برغم أنها كلمة ذات دلالة رقمية سليمة ــ تأكيدا على أن الوطن لا يفرق بين مسلم ومسيحى، ولكن بشرط التزام المسيحيين بموقعهم داخل الكنائس وتركهم للساحة العامة. هذا النمط الاستبدادى فى التعامل مع الأقلية الدينية كان يستلزم أيضا إشاعة جو من الرعب من التيار الإسلامى، بل ومن الفكر الإسلامى، لأن شرعية النظام فى البقاء ارتبطت أيضا باستمرار خوف الأقلية من الأغلبية، واعتمادها على الحماية الوحيدة التى يقدمها النظام المستبد ولو بشروط باهظة. صحيح أن هناك العديد من القيادات والرموز المسيحية التى لم تقبل هذا التحجيم والشروط المجحفة ورفضت ترك الساحة العامة، فدخلت انتخابات مجلس الشعب وخسرت بشرف، واحتلت مراكز قيادية فى أحزاب المعارضة وقامت فيها بأدوار حقيقية لا شكلية، وأسست جرائد وأحزابا ومنتديات. ولكن النظام كان لهم دائما بالمرصاد لأنهم يهددون العقد السياسى الذى ينهض على تمثيل رمزى للأقلية وليس على مشاركة سياسية حقيقية 
ولأن إقصاء الأقلية عن العمل السياسى من سمات الحكم المستبد، فإن تغيير هذا الوضع يأتى عادة بمناسبة نمو حركات التحرر من الاستعمار أو من الاستبداد كما حدث فى العالم العربى خلال الخمسين عاما الماضية. تأملوا الدور الذى لعبه مسيحيو العراق وسوريا ولبنان فى حركة القوميين العرب، ثم فى حزب البعث وقتما كان يهدف للتحرر، وتذكروا الدور المسيحى فى تأسيس ونشاط منظمة التحرير الفلسطينية فى الستينيات والسبعينيات، والدور الرائد لأقباط مصر فى الحركة اليسارية طوال القرن الماضى. نجاح هذه الثورات والحركات فى جذب الجماهير وفى التعبير عن مطالبها ارتبط برفض الأقليات الدينية الاستمرار فى العقد السياسى الذى يمنحها الأمان مقابل السكوت 
فإذا كنا فى مصر على أعتاب عصر جديد تسوده الحرية، فما عواقب ذلك على الوضع الطائفى؟ البداية كانت مبشرة. فقد خرج المسيحيون فى مصر منذ مطلع الثورة وشاركوا فيها على نحو جاء متعارضا مع ما توقعه النظام السابق. المسيحيون كانوا منذ اليوم الأول فى التحرير، وفى موقعة الجمل، وعلى كوبرى قصر النيل، وفى الجيزة والسويس والإسكندرية. والجدل الذى ثار داخل المجتمع المسيحى والكنيسة حول المشاركة فى التظاهر، حسمه الشباب بنزولهم بالفعل ورفضهم أن تمر هذه اللحظة التاريخية دون مشاركة حقيقية وفعالة منهم. واستمر زخم المشاركة المسيحية فى العمل العام من خلال الأحزاب الجديدة ومن خلال الندوات والمؤتمرات والتظاهرات، وكان هذا واحدا من أهم إيجابيات ثورة يناير 
ولكن مع الوقت بدأت بوادر التراجع تظهر مرة أخرى. فبعد أيام قليلة من الثورة، شهدنا ظاهرة «ماسبيرو»، والتى جاءت لتجسد شعور جانب واسع من الأقباط بأنه ما أن سقط رأس النظام وتحققت للثورة بعض مطالبها السياسية الرئيسية حتى انفضت روح الوحدة الوطنية، ولم يجد الأقباط دعما كافيا من القوى السياسية التى وقفوا معها. هذا الشرخ فى صفوف الثورة حدث مبكرا وفى تقديرى أنه لايزال مستمرا، وسوف يستمر ما لم تعد القوى والأحزاب الوطنية إلى الاهتمام بهموم ومطالب المسيحيين وإلى اعتبارها جزءا أساسيا من برنامج الإصلاح الوطنى، ليس فقط فى أعقاب الحوادث الطائفية ولكن بشكل منظم ومستمر. وإذا رغبنا ألا يعود المسيحيون إلى انزوائهم السياسى، وأن تستمر مشاركتهم فى الحياة العامة، فعلينا ألا نتركهم بمفردهم فى مواجهة التطرف من جانب ولا فى مواجهة الحكومة والشرطة من جانب آخر حتى لا تتحول الحكومة إلى الحارس الوحيد والضامن لحقوقهم ولأمنهم، بل علينا أن نعى أن وقوف المجتمع كله بجانب مطالب وهموم المسيحيين وبجانب المواطنة الكاملة ورفض التمييز مطلقا هو السبيل الوحيد لكسر العقد السياسى الذى يستهدف تحييدهم وعزلهم وابتعادهم عن الساحة العامة 
ثم تراجعنا خطوة أخرى حينما تعاملت الدولة مع الأحداث الطائفية والاعتداءات على الكنائس على استحياء لم يتجاوز إعادة بناء ما احترق منها دون محاسبة المسئولين، وحينما وعدت بإصدار قانون ضد التمييز الدينى خلال شهر من أحداث أطفيح مر عليه خمسة أشهر دون أن يتحقق. حتى التمثيل الشرفى لمحافظ واحد والذى حافظ عليه النظام السابق تلاشى، بينما انخفض التمثيل الوزارى إلى درجة وزير دولة واحد. والأخطر من ذلك أن الحديث عن أى إصلاح حقيقى فى القوانين المنظمة لدور العبادة، والتمييز، والأحوال الشخصية، وشغل الوظائف العامة، وغير ذلك من القضايا الأساسية قد تراجع تماما. بل إن رد الفعل تجاه حرق كنيسة أسوان يهدد بمرحلة جديدة، يتم إلقاء اللوم فيها على الضحية وتبرير الاعتداء بأنه كان تطبيقا للقانون من قبل المواطنين بعدما عجزت الدولة عن التدخل 
مع ذلك فالوقت لم يفت، ولا نزال أمام فرصة تاريخية لكى يعود المسيحيون فى مصر للمشاركة الكاملة فى العمل السياسى وفى الحياة العامة. على المسيحيين أن يرفضوا التهميش مرة أخرى، وألا يقبلوا عقدا سياسيا جديدا يحقق لهم حماية واهية وحقوقا منقوصة مقابل السكوت والانزواء. كذلك فعلى جميع القوى السياسية ألا تتركهم فريسة للاستبداد مرة أخرى، وأن تتبنى مطالبهم العادلة، المبنية على مواطنة كاملة غير منقوصة ولا مشروطة، وأن تجعل من هذه المطالب جزءا لا يتجزأ من برنامج الإصلاح الوطنى. فالوحدة الوطنية لن تتحقق بالتنديد بالأحداث الطائفية ولا بتعانق الهلال مع الصليب فى الاحتفالات الرسمية، وإنما باستمرار مشاركة عنصرى الأمة فى العمل السياسى على قدم المساواة، من أجل وضع وتنفيذ برامج إصلاح سياسى واجتماعى لصالح مصر كلها

Friday, December 2, 2011

مسيحى «بس» طيب!




استنكر صحفىّ مغربىّ ناشئ مقالا لى عنوانه «الدين لله، فهل الوطن للجميع؟»، ذاهباً إلى أن أصدقاءه بمصر «قالولو» إنه لا محنة طائفية فى مصر، والكل يعيش فى حبور ووئام، والحق أن كلامه صحيح، إلى حد ما، فى شقه الشعبى، فالمواطنون يتعايشون بمحبة مع جيرانهم وأصدقائهم دون كثير اكتراث باختلاف العقيدة، لكن المحنة، كل المحنة، فى النخبة والرءوس العليا.

أما مقالى ذاك فكان يطرح الصعوبات، التى تقترب من العراقيل، التى تواجه بناء كنيسة فى مصر، فى مقابل التيسيرات المفرطة فى بناء مسجد أو زاوية صغيرة للمسلمين، حد أن تُعفى ناطحة سحاب من الضرائب لو فقط بنى مالكها أسفلها زاوية للصلاة! هذا جميل، تيسير بناء دور العبادة أمر راق وحتمى وبديهى، ومتسق مع مبدأ جمال العالم، لكن ماذا عن الكنيسة؟ أليست دار عبادة أيضا؟ ولن أخوض، مجددا، فى تلك المعوقات التى ورثناها عن فرمان وزارة الداخلية 1934 الذى يشترط بنودا عشرة عسيرة للسماح ببناء كنيسة، ويناقض، فى توجهه العنصرى، الخط الهمايونى الذى كان أطلقه الباب العالى عام 1856 ويساوى تماما بين كل المواطنين المصريين متجاوزا عقيدتهم، ومن ثم تيسير تشييد الكنائس مثلها مثل المساجد. «هل نتقدم إلى الوراء فى كل شىء؟».

ليس هذا موضوعى الآن، مقالى هنا يطرح إشكالية تكاد تكون فولكلورية، بل هى فولكلورية مادام جذرها يكمن فى الثقافة الشعبية الراسخة فى لاوعينا بحكم التراكم الإرثى، وليس كل ما ورثناه عن السلف الصالح، صالحا.

ولابد هنا من استدراك لغوى ذى صلة، «لكن» أداة استدراكية فى اللغة العربية، وفى كل لغات العالم، تُفيد استدراك المعنى الأول بمعنى نقيض له، يعنى ما يلى مفردة «لكن» مفترض أن يناقض ما سبقها، منطقيا، نقول: عجوز، لكن جميلة، نحيف، لكن قوى، ثرى، لكن بخيل، فقير لكن سخى، إلخ، فالجمال والهرم، النحافة والقوة، الفقر والسخاء، ثنائيات متناقضة، لا يجتمعان فى شخص إلا وفصلت بينهما «لكن» الاستدراكية، وفى الدارجة المصرية تعادلها كلمة «بَس».

انتهى الاستدراك اللغوى، وأسأل: كم مرة قبضنا على أنفسنا نقول: عندى صديق مسيحى، بس طيب! أو: الدكتور بتاعى مسيحى، بس عنده ضمير! هذه العبارات لا يقولها متطرفون، بل هى جزء من موروثنا الشعبى المترسب والقار فى مكوننا الإرثى البالى، حتى المثقفون يقولونها وهم أول من ينادى بإلغاء خانة الديانة فى بطاقة الهوية، وكذا البند الثانى فى الدستور المصرى الذى يربط المواطنة بالعقيدة، نقول هذه الـ «بس» دون أن نقصد شيئا، نقولها من اللاوعى التراكمى دون أن نتأمل كم هى مريرة ورديئة ومضحكة، نقولها لأصدقائنا فى المقهى، ثم ننتقد بشدة دعاة غُلاة ممن يُشعلون الفتن الطائفية بكتابتهم التعبوية التحريضية مثل د. زغلول النجار الذى لا ينى يثير ضده المسلمين قبل المسيحيين باستفزازاته التى لا تنتهى، أذكر منها، مثالاً لا حصرا، مقالاً كتبه فى جريدة الأهرام قائلا فيه إن الإسلام هو الدين «الوحيد» الذى حرّم الربا!!

ورددتُ عليه فى مقال عنوانه «الفتنة فى مصر، أين تنام؟ ومن الذى يوقظها؟»، ساردة له آيات من الإنجيل، بل من العهد القديم أيضا، تساوى بين المُرابى وبين المشرك، كأنه لم يقرأ الأناجيل ولا التوراة، واكتفى بالقرآن!! وهو بذلك مسلم «وراثة» مثله مثل ملايين المسلمين والمسيحيين الذين ورثوا عقائدهم عن آبائهم دون فضل لهم فى ذلك ولا جهد ولا اختيار، ثم ينقلبون شرسين عتاة فى الدفاع عن هذا الذى ورثوه دون إرادة، ناهشين لحوم من ورثوا إرثا مخالفا عنهم!! أية كوميديا سوداء! وكثيرة هذه النماذج للأسف بين أدعياء، ولن أقول دعاة الإسلام، وفى المقابل نجد نماذج أخرى مثل «الأب يوتا» الذى أثبت بمدونته الأخيرة، الرديئة، أنه مسيحى «بس مش طيب»!! إلى أين أنت ذاهبة يا مصر الجميلة؟