Friday, May 27, 2011

مصر الوهابية المسيحية الإخوانية






كتب:علاء الغطريفى


قبل شحن بطاريات الكتابة، أتحسس قلمى، ليس خوفا ولكن إشفاقا منى على جهلاء أراهم ينتشرون بين الجموع، فهناك سلفى على يمينى وإخوانى على يسارى ومسيحى عن خلفى وسلطة منحازة من أمامى، وأغنية «نعم.. لا» تتردد على آذانى، أسمعها لبعض الوقت حضارية منسقة منظمة، وسمعتها كثيرا همجية ممجوجة ترتدى لحية وتلبس رداء القساوسة وتتمسح بدماء الشهداء وتتقلد نسرا، أحدهم يعدنى بالجنة عند الموافقة على التعديلات والآخر يرفع شعار «دولة الإسلام» فى مقابل «دولة النصارى»، والثالث يبعث بنداء من والدة شهيد يستحلفنى بالرفض حتى لا تضيع دماء الشهداء هدرا، والرابع يذكرنى بالعذراء الطاهرة والمسيح الحى، ونسوا جميعا أنهم يسلبوننا الحق فى الاختيار باقتناع دون توجيه للمرة الأولى والتى كانت أيضا الأولى فى التصويت لملايين المصريين.


جميعهم انتهازيون ازدرونا جميعا، ولم ينظروا إلى عظمة مشهد أسرة ذهبت جماعةً إلى صناديق الاقتراع لتكتب سطرا فى درس الديمقراطية الأول، وتعود بحبر فسفورى وقر فى القلب قبل أن يلتصق بالأصابع، حبر الوطنية، حبر المشاركة، حبر نهاية نظام، حبر عودة الحق، حبر دون بلطجية وحزب وطنى وصفوت الشريف وسرور.


ليس سهلا أن ترى أحدهم وقد سرق المنبر للحظات ليفرض على المصلين أن يقولوا «نعم»، الذى لا يختلف كثيرا عن آخر نشر إعلانات مدفوعة ليقول المواطنون «لا».. أحترم حق هؤلاء فى استخدام فكرة التأثير، لكننى أمقت طريقتهم التى بدت غير حضارية وتجاوزت الحدود عندما قذف سلفيون البرادعى بالطوب والحجارة لأنه من معسكر «لا»، فوهابيتهم تأمرهم بذلك، رغم أن «لا» لا تعنى إلغاء المادة الثانية من الدستور، ولن تقود «نعم» إلى الرخاء والنماء لمصر فى شهور، فالإخراج المتسرع للسيناريو السياسى أعادنا إلى عشوائية النظام السابق وقصر نظره، فى حين أن الأوطان لا تبنى بالتعجل،


بل تبنى بالصبر والأناة وقبلهما التخطيط، الأوطان لا تبنى بالعواطف وإن كانت الأحلام تحققت ابتداء بإسقاط القهر، فعلينا أن نبنى مصانع ومدارس وليس مساجد وكنائس، وأن نرى الوجه المشرق للتغيير وليس الوجه البغيض بالتخوين واتهامات الأجندات و«كنتاكى» التى استعادها البعض، وعلى رأسهم الحلف الإخوانى السلفى لاستهداف معارضى التعديلات الدستورية.


الثقافة كما هى لم تتغير، والثورة لم تصل بعد إلى النفوس، فكل منا يحتاج إلى ثورة داخلية لكى لا يكون واحداً من هؤلاء، شخص يظن أن الثورة مهنة، ويرمى بأحجار ليعكر صفو بحرها النقى، وآخر يركب الموجة أملا فى الانضمام إلى الرابحين، وثالث ينافق كراسى السلطة سواء كانت «خشبية» أو «فوتيه»، ورابع كان «أمنجيا» بامتياز، راح ينافق من كان يقذف بهم إلى المعتقلات بسموم كتاباته، وخامس كان من أبواق النظام وذهب ليتطهر فى الصحف الخاصة، وسادس يضع علم مصر على سيارته ويسير عكس الاتجاه، وسابع يرفع سيف الدين فى وجه المختلفين معه، ويستخدم أساليب غير أخلاقية لتعطيل التصويت حينا وتوجيهه أحيانا.


المشهد كان حضاريا لولا تصرفات هؤلاء الذين لا يعرفون لكلمة التسامح محلا ولا يرون سوى لحاهم، ولا ينظرون إلى بلاد ستظل مدنية رغما عن أنوفهم، لأن دولة الإسلام كانت مدنية ولم تكن دينية، وعليك أن تعبر إلى الجهة الأخرى من البحر الأحمر وتطلق العنان لخيالك لترى مصر وهابية، يعاقب فيها ولى الأمر المتفرجين على المظاهرات بالسجن ٣ سنوات وغرامة عشرات الآلاف من العملة المحلية لمجرد أنك سمحت لعينيك برؤية فتنة التظاهر!


اختيارنا بين «نعم» و«لا» كان واجبا أن يكون عقلانيا وليس عاطفيا كما أراده البعض بالدعايات والكذب والتضليل، فصوتك لم يكن «من أجل يسوع» أو «من أجل دولة إسلامية»، بل كان جسرا نمده على مرمى البصر إلى مستقبل نعيش فيه معا، أغلبية وأقلية، بحقوق وواجبات دولة القانون والرأى فيها خارج السجون.


كلمة أخيرة: سألوا ثوار «شيلى»: ما الأمر الذى أخطأتم فى تقديره بعد قيام ثورتكم؟ فردوا: أننا لم نثق فى أنفسنا بالقدر الكافى فى مواجهة العسكر.


No comments:

Post a Comment