Friday, May 20, 2011

إلا أنتِ يا إسكندرية




«إسكندرية اتخطفت»، قالها لى شاب إسكندرانى مثقف وهو يكاد يبكى، حكى لى كيف أن أجمل مدن الدنيا اختطفتها بعض التيارات المتطرفة وسيطرت عليها لتقيم فيها دولة داخل الدولة وتسن قانوناً فوق القانون، قلت له « كله إلا إسكندرية»، تمنيت أن يكون مبالغاً، وفسرت كلماته على أنها رؤية زرقاء اليمامة لبدايات اختطاف، فمن الممكن أن أصدق وأتقبل وأمرر وأطنش وأغض الطرف عن أى مدينة مصرية أخرى، وأنتظر الإفراج عنها بفتور، ولكن بالنسبة للإسكندرية فهى بالنسبة لى أيقونة التسامح والحب، ورمانة الميزان، لابد من انتشالها بسرعة وبمنتهى الحماس ودون إبطاء أو تراخ.

الإسكندرية كانت بالنسبة للمصريين مدينة «كوزموبوليتان»، مدينة كونية عبارة عن أمم متحدة مصغرة تحتضن كل الجنسيات والأديان بلا تمييز أو تفرقة أو محاولة فرز وتصنيف، الخواجة اليونانى يتنفس يود الكورنيش بمنتهى الحرية مع التاجر اليهودى مع بياعى الزنقة وتجار الحلقة، رحابة الصدر والسماحة والاندماج مع الآخر مختلف البشرة أو الجنسية أو الديانة، تتغلغل فى الخياشيم وخلايا النخاع لكل إسكندرانى، لا يمكن أن تطلب من أى إسكندرانى عاقل محب عاشق لمدينته أن يقف متفرجاً أمام قرصنة العقل وتأميم الوجدان اللذين تمارسهما تلك التيارات هناك فى الإسكندرية، فالإسكندرية مدينة رأسمالها البهجة ولا تستطيع احتمال الكآبة، مدينة موتورها وشحن بطاريتها وأكسجين حياتها الحلم والضوء والتفتح والحرية، تكره الخفافيش والخوف والقيود والكبت، مدينة أكل عيشها لقاء سحاب السماء اللانهائية بأمواج البحر الأسطورى الممتد، عقد قرانهما ابن البلد الجدع وزفتهما بنت البلد الأنثى.

فى انتظار الحلم والأمل والنور لابد أن تكون تلك الكلمات هى قصيدة كل سكندرى، لابد أن ترد هذه القصيدة على مخاوف الشاعر اليونانى «كفافيس»، الذى عاش ومات فى الإسكندرية فى قصيدته « فى انتظار البرابرة»، مع كل الإسكندرانية الذين نسجوا حياتنا بخيوط البهجة الذهبية، لابد أن نستحضر ألوان سيف وانلى وهى تؤرخ بالرسم لرشاقة راقصى الباليه، لابد أن نذوب مع حيوية وفتنة وعذوبة بنت البلد الإسكندرانية، وهى تطل من بورتريه محمود سعيد، لابد أن نغنى بحناجرنا المشروخة وأصواتنا النشاز مع من انتخبناه بلا «غزوات صناديق» فناناً للشعب وملكاً على عرش الوجدان المصرى سيد درويش!، لابد أن نعتز بأنفسنا ونزهو بفنوننا فى كادرات يوسف شاهين الصادمة ومشاهد شادى عبدالسلام وديكوراته الفاتنة، لابد أن نحلق بأجنحة فمتوثانية زويل ابن كلية علوم الإسكندرية، وهى تطير إلى حيث الحضارة والعلم، هذه هى إسكندرية ماريا اللى ترابها زعفران، والتى لابد أن تواجه تيارات التصحر، التى تزحف على شاطئها الفيروزى تريد ردمه وتحويله الى أطلال وسراب.

إلا أنت يا إسكندريتنا الجميلة.

No comments:

Post a Comment