Friday, July 29, 2011

فلسفة التسامح فى الإسلام




كلنا يعلم أن الإسلام دين التسامح، ودائمًا نتفوه بهذه الكلمة فى بيوتنا ومساجدنا وقنواتنا الفضائية، لكن لا أحد يطبق هذا الخلق بمعناه الصحيح.. فمثلاً الأخ لا ينسى لأخيه الإساءة والأم لا تنسى لأبنائها العقوق والكويتيون لا ينسون ما فعله صدام والجيش العراقى بهم والسعوديون لا ينسون ما فعله محمد على بهم.. وإذا قلت لأحد سامح من ظلمك فإن الله غفور رحيم يقول لك: "إليك عنى فإنك لا تعلم ماذا فعل بى وكم ظلمنى" ويظل المظلوم يدعو بكل ما أوتى من قوة على ظالمه بالشلل والجذام والبرص والعمى وغيره...

وإذا تتبعنا تاريخ التسامح فى الإسلام سنجد أمثلة رائعة فى القديم والحديث فمثلا إن أول قصة فى التسامح هى قصة ابنى آدم قابيل وهابيل؛ فهابيل سامح قابيل وقال له:" لَئِن بَسَطتَ إِلَى يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِى إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّى أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" وسيدنا يعقوب عليه السلام إذا استعرضنا قصته سنجد أن أبناءه تآمروا لقتل أحب أبنائه إليه وهو يوسف عليه السلام ثم حرموه منه سنوات طويلة وظل يبكى حتى فقد بصره، ليس هذا فحسب بل عقوه وسلقوه بألسنتهم قائلين له:"تالله إنك لفى ضلالك القديم"، وهو له عليهم حق الأبوة أولاً وحق النبوة ثانيًا وهم يعلمون أنه نبى لا ينطق عن الهوى ويرى ما لا يرون فكان يجب عليهم تصديقه عندما قال لهم:"إنى لأجد ريح يوسف" فاتهامهم له بأنه رجل عجوز مخرف ذنب عظيم لا يليق بحق الأب الرسول، ومن جهة أخرى يوسف عليه السلام ماذا كان إحساسه عندما ألقى به إخوته فى البئر المظلم عاريًا بلا قميص يستره بعد أن أخذوا القميص ولطخوه بدم كذب ثم الرق والعبودية التى لاحقته سنوات طويلة وهو ابن الكريم وحرمانه من حنان الأب وهو فى قيد الحياة ثم إلقائه فى السجن.
ويقال إن يوسف عليه السلام كان يبكى بكاءً مريرًا فى السجن لفراق والده بكاءً لا ينقطع ولا يتوقف حتى أنه صُنِّفَ من ضمن أشهر البكائين الخمسة فى التاريخ.

وأنا أعتقد أن أى أب آخر غير يعقوب لوكان أولاده فعلوا به ذلك لكان دعا عليهم وتبرأ منهم وربما طردهم خارج البيت وقال لهم: يا كذبة يا قتلة أنتم لستم أبنائى.. ولكنه لم يفعل ذلك بل على العكس قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ولم يتهمهم حتى بالكذب أو يشتمهم أو يسبهم ولما طالبوه بأن يسامحهم ويطلب لهم الغفران من الله قائلين:"يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين" وافق على الفور واستغفر لهم الله بمنتهى الحب والتسامح ولم يتردد لحظة ولم يتوقف لمعاتبتهم وتوبيخهم بكلمة "قال سوف استغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم".

ولا أعتقد أن أولادًا قد عقوا أباهم مثل هذا العقوق ومع ذلك سامحهم بمنتهى البساطة والسهولة والسرعة وأيضًا سيدنا يوسف عليه السلام حين طلب منه إخوته أن يسامحهم لم يقل لهم: قلبى وربى غاضبين عليكم ليوم الدين لقد فرقتم بينى وبين أبى وتعذبت بسببكم سنوات طويلة أنتم مجرمون لا تستحقون التسامح بل تستحقون الموت على فعلكم. وكان بإمكانه أن يسجنهم وينتقم منهم وهو ذو منصب كبير لكن الكريم إذا قدر عفا فقال لهم بمنتهى الحب: لا تثريب عليكم اليوم.

إذن العبرة ليست بحجم الظلم وشدته وقسوته ولكن العبرة بأن قلب المؤمن يتسع لكل الناس ولا يجتمع الإيمان وحب الانتقام فى قلب المؤمن فالتسامح يدل على صدق الإيمان ولنا فى ذلك أمثلة عديدة لكفار كان الغل والحقد وحب الانتقام يملأ صدورهم ولكن بعد إسلامهم تحولوا مائة وثمانين درجة إلى التسامح فهند بنت عتبة التى لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب عم الرسول من شدة غيظها منه – حتى سميت آكلة الأكباد- ثم بعد الإسلام إذا بها لا تشعر بغل ولا غيظ من أحد ولم يكرهها المسلمون لفعلتها هذه..

فالأصل فى الإسلام أن المسلم لا يكره الظالم ولكن يكره أفعاله حتى إذا انتهت هذه الأفعال فإننا نعود إلى حبه، نحن لا نكره العاصى ولكن نكره معصيته وبدلا من أن ندعو عليه ندعو له بالهداية مثلما فعل الإمام أحمد بن حنبل حين شتمه رجل ذات يوم بينما كان يمشى فى الشارع ثم جاء فى اليوم التالى يعتذر له ويطلب منه أن يسامحه فقال له الإمام: منذ أن تركتنى وأنا أدعو لك بالهداية.. إذن استجاب الله دعاءه وهداه وهكذا استفاد الاثنان الأول كفاه الله شر الرجل حتى لا يؤذيه مرة أخرى والثانى اهتدى فنفع نفسه ودخل الجنة أليس هذا أفضل من أن يدعو عليه أن يخسف الله به الأرض مثلا أو غير ذلك من أساليب الدعاء؟ وحين جلده الجلاد بأمر الخليفة حتى تقطع لحمه وأغمى عليه وعانى آلامًا شديدة أقعدته عن الحركة ولم يستطع أن ينام على ظهره من شدة الألم لكن بمجرد أن طلب منه جلاده العفو سامحه فورًا دون تردد.. ما هذا القلب الطاهر النقى الذى لا يحمل غلاً لأحد.. وكذلك الإمام مالك حين عفا عن جلاده والخليفة الآمر بجلده رغم أن كتفه انخلع ولم يعد يستطع الصلاة إلا وذراعيه فى جنبيه.

وحتى قطز قاهر التتار سامح بيبرس حين قتله وقال:"قتلنى بيبرس وقد سامحته وأمر الناس أن يسمعوا له ويطيعوه من بعده وقال له إنه كان ينوى التنازل له عن العرش.. ما هذا القلب الصافى؟ يعفو عن قاتله ويتمنى له التوفيق فى منصبه الذى انتزعه منه بل ويأمر الناس بطاعته؟! وبيبرس يندم على قتله ويحتفظ بقميصه ويشمه ويبكى كلما تذكره؟ هذه هى نتيجة التسامح كما أنه لم يقتله إلا بعد الانتصار على التتار وبعد انتهاء المعركة حتى لا ينهزم المسلمون أمام التتار.. ما هذه الأخلاق الكريمة حتى فى القتل.. إن جرائم الأمس كان يشوبها شىء من الأخلاق والرحمة، أما اليوم فالجرائم تمتاز بأنها بشعة وخالية من الرحمة وتمتلئ بالحقد والتشفى.. وحتى الإمام على رضى الله عنه حين قتِل لم يكره قاتله بل أوصى أصحابه عليه وأمرهم ألا يمثلوا بجثته..

حين فجرت أمريكا قنبلة نجازاكى وهيروشيما ودمرت قريتين بأكملهما وتسببت فى تشوهات للأجنة وأمراض وإشعاع للجيل الجديد من اليابانيين ودمرت اقتصاد اليابان لم يمتلئ اليابانيون بالحقد والغل لأمريكا وحب الانتقام بل كان تفكيرهم إيجابيًا وقرروا الوقوف من جديد على أقدامهم وإصلاح ما تهدم والآن العلاقات اليابانية الأمريكية على ما يرام لم تنقطع رغم ما حدث فقد سامح اليابانيون ونسوا فلماذا لا يسامح الكويتيون العراقيين؟


وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسىء معتذرًا.

يقول تعالى: "ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم"، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: "مانَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".. وقال أيضا: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذى أجره على الله فيقوم العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب".

أما من الناحية الصحية والنفسية: فهناك فوائد كثيرة لمن يعفو عن الناس.. يقول الدكتور إبراهيم الفقى أستاذ التنمية البشرية: إن الإسلام أمر بالتسامح وحث عليه حتى لا يظل المؤمن طوال حياته منشغلا بكيفية الانتقام من ظالمه فبدلا من أن يضيع عمره ويبدد طاقته فى الكراهية والعداء فليسامح حتى يتفرغ لمهمة أعظم بكثير هى الرسالة التى خلق من أجلها وتحقيق هدف وجوده فى الحياة وهى عبادة الله وإعمار الأرض وهذا لن يتحقق إذا كان الإنسان منشغلا طوال الوقت بكيفية الثأر والانتقام.. ونهاية الأمر سيموت الاثنان ولن يكسبا شيئا من العداوة أثناء حياتهما.

فالحياة فترة قصيرة يجب أن نعيشها فى هدوء وسلام ولا نضيعها فى حروب وعداوات مستمرة تجاه الآخرين.

وقد ذكرت مجلة (دراسات السعادة) أن هناك علاقات وثيقة بين التسامح والمغفرة من جهة وبين السعادة والرضا من جهة ثانية، فأجريت دراسة على عدد من الأشخاص وثبت أن أكثر الناس سعادة هم الذين يعفون عن الناس وأن أقل الناس إصابة بأمراض القلب هم أهل العفو.

وهكذا فلو أن الناس أخذت بالعفو لحافظوا على صحتهم وأنفسهم وأعصابهم.. ولكانوا فى غنىً عن كثير من الأمراض العصبية والنفسية من القلق والتوتر العصبى والنفسى.. وأمراض القلوب من الغل والحقد والحسد.. وكان المجتمع أسعد.

هذه هى فلسفة التسامح فى الإسلام فهل من 
متدبر؟؟؟

No comments:

Post a Comment