Friday, July 22, 2011

الرهان الأخير





كتب: طلعت سلامة


فى ربوع الحياة المصرية تتعلم التسامح فى ثنيات النسيج المجتمعى، ولا تشعر بالفرق بين مختلف الطوائف حتى الاختلاف المذهبى والدينى لا يؤثر على الحياة بين الأفراد. ففى بيت واحد نشأ أحمد وعيسى اختلفت المسميات كطبيعة الحال وظلت النشأة واحدة، وغابت يوما والدة أحمد فأرضعته أم عيسى فجمعهما معا رابط الأخوة الإنسانية، وقد لا تعرف الفرق بينهما، فالروابط الأسرية يستحيل معها التفريق فالبيت واحد, والطعام واحد, والأم واحدة لم يدرك الاثنان معا أى لون من ألوان التفرقة حتى مرضت أم عيسى يوماً فقامت الجارة والأخت لها بالرعاية والعناية حتى شفاها الله.. لم يعرف نسيج المجتمع المصرى المتشابك أى نوع من أنواع التفرقة يوما حتى ظن الناس بأن أحمد كان سيتزوج أخت عيسى لولا أنهما أصبحا أخوين من الرضاعة، وتوقفت الكلمات عن التعبير عن ذلك الحب لأنه أكبر من الكلمات. حتى ظهر فى المجتمع ما يسمى بالحزب الوطنى بفكره الجديد، وتناسى ذلك الحزب مؤسسه الفريد ومبادئ عشق الأوطان التى علمها للشباب، ومات شهيدا وضحى بحياته وشبابه من أجل قضية بلاده.. فاستحق المجد حيا وميتا حتى رثاه شوقى قائلا: 


يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيد غرامِها 
هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان 
اخلَعْ على مصرٍ شبابَك عالياً 
والبِسْ شَبابَ الحُورِ والوِلْدان 
فلعلَّ مصراً من شبابِكَ تَرتدِى 
مجداً تتيهُ به على البلدان 


ولو أن هذا الزعيم العاشق لوطنه حيا بيننا لتبرأ من هؤلاء الخونة الذين باعوا ثرى هذا الوطن لأعدائه، وهو يحمل بين أحضانه رفات عشاقه وشهدائه.


فمصر بالنسبة لهم ليست وطناً بقدر ما هى البقرة الحلوب ينهلون من خيرها هم وأبناؤهم وأتباعهم إلى يوم القيامة حتى جاءت الثورة لتكون لهم بمثابة زلزال لتحطم وتقود عروشهم، ولكنهم تركوا لنا إرثاً ثقيلاً يتهادى على أكتاف المجتمع, وهوة سحيقة بين أطياف المجتمع وتهلهل النسيج وتمزقت أواصره، علمونا الحقد وغرسوا فينا الكره، وارتشفوا ذلك اللبن الذى شربه أحمد من ثدى أم أخيه عيسى، وكان عيسى يضحك سعيدا لأن أحمد يشاركه فى أمه وينام على صدرها ليجمع بينهما الحب. لم تعرف مصر لغة تفصل بين المسلم والمسيحى حتى أرساها الحزب الوطنى ونظامه وأسس معنى الطائفية، وغزاها بلبان المر ورعاها بطعم الصبر، وسقاها من زرنيخ مشاعرهم، ووضع لبنات الفرقة بين الأم وأبنائها، وراحت الأم تتبرأ من عيسى، وتنكر أحمد.


حتى جاء يوم الوحدة مع رياح الثورة، وراح عيسى ينظر إلى أشلاء أخيه أحمد تتطاير عبر رصاص حكومة الحزب الوطنى، ويصرخ عيسى، وهو يلملم بقايا أخاه المسلم، ويقسم بالإنجيل أنه لن ينام حتى يثأر لأخيه أحمد، وقامت تلك الشابة المسيحية لتصب الماء على الشاب المسلم ليتوضأ فى ميدان التحرير، فعادت الأم لتتذكر أبنائها، وتضمهم إلى حضنها فاتحة ذراعيها إلى غد جديد يملؤه الحب، ولكن هيهات هيهات فذيول الحزب الوطنى وأعوان النظام الفاسد وأعداء الوطن من الداخل والخارج يتربصون بمصر وبكل أبنائها لم يكتفوا بما نهلوه منها، فعز عليهم أن يتركوا المجتمع المصرى يلملم جراحه، ويربت على أكتاف أبنائه فأخذوا يشعلون نار الفتنة، وينفخون تحت الرماد فى نيران أصلوها وأوقدوا جذوتها منذ زمن بعيد، وأوهموا المسيحى بأن المسلم يحقد عليه ويضمر له الكره والحقد، وأصلوا فينا معنى الفتنة الطائفية، وهم الآن يلعبون على الرهان الأخير. 


فيا ساكنون تحت سماء هذا الوطن آن الأوان أن تتشابك الأيدى وتتحد القلوب والعقول لنبنى معا مستقبل أبنائنا، وننهض بمصرنا، ونقضى على براثن الفتنة من بيننا، وأن نتسامى بأرواحنا على خلافاتنا من أجل مصر، ومعا نقطع يد العابثين بوحدتنا والباحثين عن فرقتنا. 

No comments:

Post a Comment