Friday, September 24, 2010

برودواى و المسجد





هناك عدة أسباب وراء عدم اعتراضى على بناء مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمى، غير أن السبب الرئيس هو محبتى لإيقاعات عروض برودواى.
تفسير ذلك أنه قبل أسبوعين أقام الرئيس أوباما وقرينته «عرضا لمسرح برودواى فى البيت الأبيض» كان عبارة عن حفل موسيقى فى القاعة الشرقية أحياه عدد من أكبر الأسماء فى مسرح برودواى التى أدت عددا من أشهر الأعمال التى عرضت على المسرح نفسه. ولأن زوجتى كانت من فريق عمل محطة ويتا التليفزيونية العامة التى نظمت الحفل، فقد استطعت الحضور، ولكن كل ما استطعت أن أفكر فيه هو أننى تمنيت لو أن جميع المواطنين كانوا هنا.

لا يتعلق الأمر فقط بالأداء العظيم لكل من أودرا ماكدونالد وناثان لين وإديدنا مينزل وإلين ستريتش وكارين أوليف وتونيا بينكينز وبرايان داكرى جيمس ومارفين هامليش وتشاد كيمبال، أو الحركات المفعمة بالحيوية لطلاب مركز متعة الحركة ومدرسة دوق إلينجتون للفنون وهم يؤدون «لن تستطيع وقف الفوز» وإنما يتعلق بالوجبة الدسمة الهائلة كلها.
فالمغنون الأمريكيون من أصول أفريقية، والراقصون الأمريكيون من أصول إسبانية، وهم يؤدون كلمات المؤلفين المهاجرين اليهود والأيرلندين، يصحبهم الموسيقيون البيض الذين جاء أسلافهم القدامى إلى أمريكا على متن سفينة ماى فلاور على حد علمى جميعهم يغنون ويرقصون ويعزفون من أجل أول رئيس أمريكى أسود، واسمه الأوسط حسين.

وكان العرض مفعما بالحيوية، حتى أنه ما من أحد كان يستطيع أن يلوم إلين ستريتش (84 عاما) عندما ابتعدت قليلا وقالت لأوباما الجالس فى الصف الأول «أود لو أثمل مع الرئيس». وكما كان الشعور بالطاقة النابضة لهذا العرض تذكيرا حيا بأهم ميزة تنافسية تتمع بها أمريكا، وهى الطاقة الإبداعية الكاملة التى تنطلق عندما يمتزج شعبنا متنوع الأصول وثقافاتنا المتعددة معا. فنحن نعيش فى عصر يعتبر القدرة على الإبداع أكبر الأصول قيمة لدى أى اقتصاد بمعنى إطلاق وتخيل أفكار جديدة، سواء كانت ألحان برودواى، أو كتبا عظيمة، أو أجهزة آى باد أو عقاقير جديدة لعلاج السرطان. فمن أين تأتى القدرة الإبداعية؟

تعجبنى الطريقة التى وصفت بها القدرة على الإبداع فى مقال نشرته نيوزيوك: «أن تكون مبدعا يستلزم التفكير المتباين (توليد الكثير من الأفكار المتفردة) ثم التفكير التقاربى (تجميع هذه الأفكار للوصول إلى أفضل نتيجة)».
ومن أين يأتى التفكير المتباين؟ يأتى من التعرض لأفكار متنوعة وثقافات وأشخاص مختلفين وأنظمة فكرية متباينة. وقد قال لى ذات مرة مارك تاكر، رئيس المركز القومى للتعليم والاقتصاد: «نحن نعلم شيئا عن القدرة الإبداعية، وهو أنها تتحقق عندما يقوم الأشخاص الذين يتقنون مجالين مختلفين أو أكثر باستخدام إطار أحد هذه المجالات للتفكير بشكل جديد فى المجال الآخر. وأنت تعرف ذلك بالحدس.

فقد كان ليوناردو دافنشى فنانا عظيما، وعالما، ومخترعا، وكان كل من هذه التخصصات يغذى الآخر. وكان مفكرا عظيما فيها جميعا. لكن إذا أمضيت حياتك بأكملها فى صومعة واحدة، فلن تكون لديك أبدا المعرفة أو القدرة الذهنية للتوليف والربط بين النقاط، الأمر الذى يحدث عادة عند التوصل إلى الإنجاز العظيم الجديد».

يعيدنى هذا مرة أخرى إلى مركز/ مسجد الجالية المسلمة، المعروف باسم بارك 51. ومن المفترض بناؤه على مسافة مربعين سكنيين إلى الشمال من موقع البرجين التوءم، وسوف يشمل مساحة للصلاة، ومركزا لفنون الأداء الحركى يضم 500 مقعد، وحوضا للسباحة، ومطعما. ونشرت صحيفة التايمز أن الإمام فيصل عبدالرءوف، الزعيم المسلم الذى يقف وراء المشروع، ويؤم الصلاة فى تريبيكا منذ 1983، قال إنه يريد للمركز أن يساعد فى «جسر الهوة ورأب الصدع» بين المسلمين والجماعات الدينية الأخرى. وأضاف «لقد أعربنا عن إدانتنا لأعمال 11 سبتمبر».

وأنا أحترم كثيرا مشاعر أولئك الذين فقدوا أحباءهم فى هجوم الحادى عشر من سبتمبر الذى تم اقترافه باسم الإسلام ويعارضون هذا المشروع. وإذا كنت أمتلك شخصيا مائة مليون دولار لبناء مسجد يشجع التسامح بين العقائد، فما كنت لأبنيه فى مانهاتن. بل كنت سأبنيه فى السعودية أو باكستان. فقد جاء الحادى عشر من هناك، وهما البلدان اللذان يتبنيان أشد صور الإسلام السنى تزمتا وهى صورة لا تبدى تسامحا ليس تجاه الديانات الأخرى فحسب، وإنما تجاه غيرها من المذاهب الإسلامية، وعلى نحو خاص الشيعة والصوفية والأحمدية. فبإمكانك أن تدرس الإسلام فى جميع الجامعات الأمريكية تقريبا، ولكنك لا تستطيع بناء كنيسة ولو من حجرة واحدة فى السعودية.

وعلى الرغم من ذلك، فنحن لا نريد محاكاة تلك المقاومة للتنوع، ولذلك أنا سعيد بسبب الموافقة يوم الثلاثاء على المسجد. فالبلدان التى تعزل نفسها عن التعرض للثقافات والعقائد والأفكار المختلفة، لن يمكنها أبدا تقديم ابتكار جوجل المقبل، أو علاج للسرطان، ناهيك عن تصدير الموسيقى أو الأدب الذى يجلب المتعة للأطفال فى أى مكان.

وعندما نقول « نعم، نحن البلد التى سوف يتسامح حتى مع بناء مسجد قرب موقع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فإننا نرسل برسالة قوية من الاحتواء والانفتاح. وهى صادمة لبلدان أخرى. ولكنك لا تعرف من قد يستمع إلى هذه الرسالة فى الخارج ويقول «يا له من بلد رائع! أود أن أعيش فى هذه البوتقة، حتى لو اضطررت لبناء قارب من علب الألبان للوصول إلى هناك». وما دام يحدث ذلك، فسيظل وادى السليكون هو وادى السليكون، وهوليوود هى هوليوود، وبرودواى هو برودواى، وستصبح أمريكا، إذا أصلحنا سياستنا ومدارسنا، على ما يرام.

No comments:

Post a Comment