Friday, January 27, 2012

التسامح في الأديان ، وبينها



هل "عدم التسامح" ملازم للأديان التوحيدية أو الابراهيمية كما يسميها البعض ؟ ... وهل الأديان القائمة على القانون أو تعدد الآلهة أكثر تسامحاً وأقل تعصباً ؟ . طرح هذا السؤال المؤرخ الفرنسى " جوستاف لوبون " ، الذى قال : " أن مصر ظلت مثالاً للتسامح الدينى ، سواء من داخلها أو ممن غزاها . فقد كان هذا يعترف بديانة ذلك ، وذلك يعبد آلهة الآخر ، إلى أن جاءها المسيحيون ثم المسلمون فعرفت التعصب الدينى " .
وعلى الرغم من أن أتباع الأديان التوحيدية ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) يؤكدون أنها تحتوي علي مادة خصبة لتقوية التسامح ، فلسوء الحظ لم تكن هذه الأديان متسامحة على الدوام . وهناك من يرى أن الأمر ليس كذلك ، وإنما هو أعقد وأعمق ، فالمؤمنون بتعدد الآلهة فى العصور الكلاسيكية القديمة ، واجهوا مشكلات جمة فى تعايش المعتقدات الدينية المختلفة جنباً إلى جنب ، بصرف النظر عن عبادة الامبراطور التى كانت سياسية أكثر منها دينية . فالتسامح لم يكن قائماً على الوجه الأكمل كما يريد البعض أن يصوره ، أو يجعلنا نعتقده . فـ "سقراط" حكم عليه بالموت لأنه وثق بالصوت الذى فى داخله ، والذى كان متعارضاً مع آلهة مدينة أثينا "(1) .
ويذهب البعض إلى أن عدم التسامح يرتبط فى معظم الأحوال بما لدى العقائد المختلفة من طموحات سياسية . وأن التسامح كان يتم إذا لم يكن المعتقد يعبر عن ظاهرة سياسية . وأن تعايش الطاوية والبوذية والكونفوشيه فى الشرق الأقصى ، على سبيل المثال ، يمكن تفسيره بأنه ليست فى أية ديانة منها خطورة سياسية .
أما البعض الآخر فيرجع اللاتسامح أو التعصب إلى "الدوجما" ، وإلى الارتباط الانفعالى بالأبعاد الطقسية للدين ، أى دين ، أكثر من الارتباط ببناه العقلية ، وفى الحالتين ادعاء امتلاك الحق والصواب ، ومفاتيح الدنيا والآخرة ودخول الجنة أو النار . وحيث لا يمكن أن يوجد أكثر من "مطلق" واحد ، أو دين واحد صحيح ، فإن الصراع بين الأديان سيظل قائماً حتى يقصى الدين الأقوي عددا وعدة جميع الأديان الأخرى .
قبل سنوات دعا الباحث اللاهوتى السويسرى "هانس كونج" فى دراسته القيمة "الأديان العالمية والروح العالمية" إلى البحث عن المشترك بين الأديان العالمية لإظهار الروح التى تميز هذه الأديان من أجل التواصل والتفاهم بين البشر . وكان جُل ما أظهره من أمور مشتركة يندرج تحت حقل ( الأخلاق ) ، خاصة "القاعدة الذهبية " التى قال بها كونفوشيوس أولا وتسربت إلي كل الأديان فيما بعد : " لا تعامل الآخرين بما لا تريد أن يعاملوك به " . وفى صيغتها اليهودية : " لا تعامل الآخرين بما لا تريد أن يضطروا إلى معاملتك به " . وفى المسيحية : " عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به " . وفى الإسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
لكن "كونج" لم يقل أن هذه الأمور المشتركة تنفى الاختلافات بين الأديان ، وإنما قال بوجوب وضع قواعد مشتركة تقضى على الأخلاقيات المختلفة والمتناقضة والتى تعادى بعضها بعضاً . وهذا الرأى يتبع موروث الإيمان بالقانون الطبيعى الذى يفترض أن للقانون والأخلاق مصدراً واحداً مشتركاً ، هو القدرة على فهم الخير بواسطة العقل الطبيعى .
وعلى النقيض من هذا الموروث يعكس "التنوير" أنه ضمن المجتمع العالمى ، تتعايش التوجهات الأخلاقية والدينية المتنوعة ، وأن لمهمة القانون الأساسية هي أن تتيح للتنوع والاختلاف أن يتعايش في سلام . و الفيلسوف والشاعر والمؤرخ الألماني " هردر" كان أكثر مفكرى القرن الثامن عشر تمتعا بعمق الفهم والإحساس بذلك ، فكل شعب فى نظره صوت فردى يشارك فى "هارمونية" عالمية شاملة تضم الجميع بأديانهم وأخلاقيتهم وثقافتهم . ونحن نصادف فى مجموعة أغانى هردر القومية ، أغانى تمثل الثقافات المختلفة ، من جرمانية وسلافية وكلتية وسكاندنافية وليتوانية وتركية .
وكانت وراء هذه النزعة الإنسانية الكونية روح دينية عالمية جديدة ، زادتها قوة فقد ذهب المجدد الألماني الكبير " شلايرماخر " إلى القول بـ "الدين العالمى" ، ووضع نظرية له فى كتابه "أحاديث عن الدين" ودافع عنها فى هذا الكتاب ، الذى يضم كل أنواع المعتقدات والعبادات . وأصبح من المستطاع انطواء جميع " كفار" ( أحرار ) العصور الغابرة تحت لواء هذا المثل الدينى الأعلى . وذكر شلايرماخر أن سائر الاختلافات ( الغبية ) بين الأديان تبدو غير ذات موضوع فى نظر أى مشاعر دينية حقة . فالدين محبة ، ولكن هذه المحبة لا تتجه إلى هذا أو ذاك أو إلى موضوع متناه أو خاص ، أنها تتجه إلى العالم كله ، إلى اللاتناهى" (2) ... وللحديث بقية .
هوامش :
1- هناك محاولات عديدة لإعادة تقييم محاكمة سقراط من جديد ، انظر بشكل خاص : أى . أف . ستون : محاكمة سقراط ، ترجمة ، نسيم مجلى ، المشروع القومى للترجمة (316) ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 2002 .
2- أرنست كاسيرر : الدولة والأسطورة ، ترجمة : د. أحمد حمدى محمود ، مراجعة أحمد خاكى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1975 ، ص 247 ، 248 .

Friday, January 20, 2012

فى خطورة تديين السياسة




 لو أن أحدا أراد أن يدلل على خطورة الزج بالدين فى السياسة لما وجد أفضل من الاستفتاء على التعديلات الدستورية نموذجا للتدليل على مخاطر تسييس الدين. فمع أنه كان من المفترض أن أساس الخلاف بين المصوتين بنعم والمصوتين بلا يتعلق بمضمون التعديلات ومدى دستوريتها إلا أننا فجأة وجدنا من يصنف المصريين إلى فسطاطين: مؤمنين وغير مؤمنين تبعا لاتجاهاتهم التصويتية.

بدأ هذا الاتجاه على استحياء عندما رُفعت لافتات تعتبر أن التصويت بنعم واجب شرعى ، ومع أن بعض تلك اللافتات كان يحمل بوضوح توقيع الإخوان المسلمين إلا أنهم نفوا مسئوليتهم فتصدى لحملها السلفيون الذين كانوا قبل شهرين يرفضون تماما أى خروج على الحاكم. وفى مرحلة لاحقة بدا أن الجبهة المعارضة للتعديلات آخذة فى الاتساع وبالتالى انتشرت فجأة فى كل الطبقات والمحافظات مقولة أن التصويت بلا يفتح باب تعديل المادة الثانية من الدستور. وبالطبع فإن هذه الشائعة السخيفة لم تنطلِ على كل من يعلم ما هى المواد الدستورية المطروحة للتعديل ، والواثق من أن تعديل المادة الثانية بالحذف لن يكون وكل الممكن هو التأكيد على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية لحقوق الإنسان فى صلب هذه المادة.

أما المواطن البسيط البعيد كل البعد عن دهاليز السياسة والذى تتملكه حساسية مفرطة من المس بدينه على أى نحو ، فإنه أخذ يُكون اتجاها مضادا للتصويت «بلا» حتى لا يتهمه أحد بالتفريط فى إسلامه. وهكذا حدثتنى معاونتى فى المنزل عن قلقها الشديد على المادة الثانية، وأكد لى حارس العمارة رفضه المطلق تعديل المادة الثانية، ورفع عامل السوبر ماركت سبابته محذرا من المساس بالمادة الثانية . خبث سياسى ما بعده خبث، وخلط للأوراق لا يرتدع صاحبه عنه لحرصِ على مصلحة الوطن أو لدرء الفتنة الطائفية التى اكتوينا بنارها قبل أسبوعين. 

ثم مع اقتراب موعد الاستفتاء جرى تطوير اللافتات المرفوعة فى أحياء مصر وعلى شبكة الإنترنت بشكل غريب، وكان أشهر تلك اللافتات واحدة ميزت بين المصوتين بنعم الذين يقفون مع كل من السلفيين والإخوان المسلمين ود. محمد سليم العوا وأ.فهمى هويدى ود.عبد الله الأشعل والشيخ محمد حسان ود.صفوت حجازى والشيخ محمد عبدالمقصود. والمصوتين بلا الذين يصطفون مع كل من: العلمانيين ود.محمد البرادعى ونجيب ساويرس وشريف عرفة وعمرو مصطفى وعمرو موسى وبسمة والكنيسة. فى هذه اللافتة اختلط الحابل بالنابل، وتدنى مستوى الدعاية السياسية إلى أسفل درك، وكشف ليس فقط عن حجب متعمد للعديد من الأسماء الوطنية المعارضة ولكنه أوضح أيضا أن هناك نفوسا مريضة تسعى للإيقاع فيما بين المسلمين وبعضهم وفيما بينهم وبين المسيحيين، هذا إلى ما تعبر عنه اللافتة من نظرة دونية للفن لا يفهم أصحابها أن الرسالة السياسية للفن لا تقل أهمية عن قيمته الإبداعية، وكيف بهم يفهمون؟ 

حتى إذا جاءت جمعة ما قبل الاستفتاء اعتلى الشيوخ المنابر وركزوا فى خطبهم على دعوة المصلين إلى التصويت بنعم. حول هذا المعنى سمعنا قصصا كثيرة من داخل القاهرة وخارجها، فهل كُتب على مساجدنا أن يُجير خطابها الدينى لخدمة توجهات الحزب الوطنى حينا ومصالح الإخوان المسلمين والسلفيين حينا آخر؟ فى الإطار السابق كان من المنطقى أن تعبئ كنائس مصر أتباعها من أجل التصويت «بلا» على التعديلات الدستورية، إذ ماذا عسانا ننتظر حين تشير الدعاية السياسية إلى أن التصويت بنعم يضع صاحبه فى جانب واحد مع الإخوان والسلفيين؟ أظننا لا ننتظر أن يقف مسيحيو مصر فى هذا الطابور. وماذا نتوقع حين يعلق مجهولون «يفترون على الإخوان» لافتات تعتبر التصويت بنعم واجبا شرعيا ؟ أظننا لا نتوقع أن يبادر المسيحيون إلى أداء هذا الواجب الشرعى حتى يثبتوا انتماءهم لمصر. 

وهكذا فإن الحجة الدينية تقابلها حجة دينية، وتوظيف الدين فى السياسة لا ينتج إلا فتنة طائفية، والاستقطاب الدينى لا يفعل إلا أن ينخر فى أساس المجتمع. ومع ذلك فإن ما يبعث على الأمل هو يقظة المواطن المصرى فى مواجهة التوظيف السياسى للدين. على الفيس بوك انتشرت حملات شبابية يرفع أصحابها شعار نحن أيضا نحب الإسلام لكننا سنصوت «بلا». وفى عدة مساجد أجبر المصلون المشايخ على التزام الصمت عندما دعوهم للتصويت بنعم، وفى حالات معينة تردد أنه وقع اعتداء على الشيوخ. وفى يوم الاستفتاء نفسه تم كشف واقعتين أتوقف أمامهما لأنهما شديدتا الدلالة. فى الأولى قامت سيدتان منتقبتان بتوزيع منشورات تدعو للتصويت بنعم أمام إحدى اللجان فتم الإبلاغ عنهما ليتبين بعد ذلك أنهما مدفوعتان من الحزب الوطنى. والواقعة الثانية قام فيها أحد السلفيين بتعليق اللافتة إياها التى تميز بين المصوتين بنعم والمصوتين بلا فهاجمه الناس وأجبروه على نزع اللافتة وقد بدت عليه فيما أظن علامات خزى وخجل. عندما تأملت فى هاتين الواقعتين اللتين تشيران إلى تلاقى مصالح قوى الفساد والتشدد تبينت أى عبقرية انطوى عليها المؤلف وحيد حامد عندما جسد هذا التلاقى بكل وضوح فى فيلم «طيور الظلام». ففى أحد مشاهد هذا الفيلم يقول المحامى الفاسد لصديقه الإسلامى الانتهازى «أنت فى نعيم بسببى» فيرد عليه صاحبه بالجملة نفسها «وأنت فى نعيم بسببى». 

إن اللعب على أوتار الفتنة الطائفية لتحقيق مآرب سياسية هو ميراث تركه لنا نظام جثم على أنفاسنا طيلة واحد وأربعين عاما، وليس لدى وهم فى أننا سوف نتخلص من تبعات هذا الميراث بين عشية وضحاها، فكما استخدم النظام السابق فزاعة الإسلاميين لتأجيل الديمقراطية ها هم الإسلاميون يستخدمون فزاعة المادة الثانية للقفز على الديمقراطية. لكن الشىء الذى يطمئن أنه فى الوقت الذى ينفث فيه الحاقدون نيران فتنتهم فإن المواطنين الشرفاء سرعان ما يهيلون عليها التراب لإطفائها، وبهذا وحده يمكن أن نضع الأساس السليم لمصر جديدة هى التى فى خاطرى وخاطرك. 

Friday, January 13, 2012

لسنا كفار قريش.. ولستم أصحاب النبى



  كان الخروج المفاجئ للتيارات الإسلامية بعد ثورة 25 يناير فى الشارع المصرى بهذه الكثافة وهذا الإلحاح الإعلامى المنظم ظاهرة تحتاج إلى وقفة صادقة خلال أسبوعين فقط وليس أكثر، كان الوجود الإسلامى فى الإعلام المصرى حدثا فريدا غير مسبوق انطلقت جماعة الإخوان المسلمين تستعرض قدراتها وتحدياتها فى الاستفتاء على الدستور ثم كان الإفراج عن عبود الزمر وطارق الزمر. وهذه الزفة الإعلامية التى واكبت خروجهما من السجن..كانت مظاهرة الجماعة الإسلامية تطالب بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن من سجون أمريكا ثم كان الحشد الإعلامى الرهيب لجماعة السلفيين وخطب رموزها واستيلاء دعاتها على مساجد الاسكندرية وطرد أئمة وزارة الأوقاف، ثم كانت ندوات الدعاة الشباب على الشاشات وفى الجامعات.. حشد دينى واكبته تصريحات وأقوال جانبتها الحكمة والصواب فى حالات كثيرة مثل غزوة الصناديق والدولة الدينية إذا خرج الحاكم على الملة وقتل الحاكم وتطبيق الشريعة بالقوة وهذا الاندفاع الغريب نحو الأضواء من كل التيارات الإسلامية.

من منطلق التقدير والحرص على صورة هذه التيارات تبدو أمامى بعض الملاحظات:
●أن هذا الاندفاع الكمى والنوعى من التيارات الإسلامية فى الشارع المصرى قد خلق حالة من الخوف والفزع لدى المواطنين خاصة أنه لم يكن حشدا دينيا يهدف إلى الدعوة بل كان حشدا سياسيا وإن ارتدى عباءة الإسلام.. شعر الكثير من المصريين أننا أمام فتح مصر فى الألفية الثالثة ونسى القادمون أن المصريين ليسوا كفار قريش وأن القادمين ليسوا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وإذا كنا قد كرهنا فى النظام السابق لغة التعالى والاستخفاف بالشعب فقد شعرنا بهذا الأسلوب وبلغة التعالى نفسها فى هؤلاء القادمين لتطبيق الشريعة وتناسوا قول الخالق سبحانه وتعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن».. فلم يكن فى الطرح قدر من الحكمة ولم يكن فى الجدل ما هو حسن.. كانت أحاديث الخارجين من السجون تعيد للأذهان قصص القتل والردع والعنف وهى أشياء كانت الذاكرة المصرية قد نسيتها منذ تسعينيات القرن الماضى.. ولم يكن غريبا فى هذا السياق أن ينفذ بعض السلفيين حكما يتناقص تماما مع تعاليم الإسلام ويقطعون أذن رجل مسيحى فى قنا فى سلوك همجى متخلف يتعارض تماما مع سماحة الإسلام ورحمته.
لاشك أن كل هذه المؤشرات تركت حالة من الخوف فى كل بيت مصرى المسلمون قبل الأقباط وتركت سؤالا حائرا لماذا كل هذه الحشود وهل تخلصنا من سطوة الاستبداد السياسى لنواجه هذا الخطر القادم الذى يحمل راية دين نؤمن به ونعتز بتعاليمه وسماحته وثوابته.

● وجد المصريون أنفسهم بعد الثورة ومن خلال هذا الحشد أمام أكثر من دين وأكثر من شريعة وأكثر من جماعة.. ظهر الإخوان المسلمون فى صورة لم نعهدها فيهم من قبل خاصة وهم يربطون بين الإسلام والموافقة على التعديلات الدستورية «بنعم» كان خلطا غريبا من الجماعة.. وكانت أحاديث المسئولين فيها عن نتائج الاستفتاء لا تخلو من الزهو والتعالى لتحقيق هذا الإنجاز وهذا يتنافى تماما مع طبيعة الجماعة وما شهدته الثورة من تلاحم حميد بين جموع الشعب باختلاف توجهاته..
وكان رفض مكتب الإرشاد المشاركة فى مؤتمر شباب الإخوان موقفا غير واضح ولا يتناسب مع رحابة فكر وسماحة ثوابت الإخوان دينيا وإنسانيا.. لقد تابعت ما دار من مناقشات بين شباب الإخوان فى مؤتمرهم وكان حوارا ممتعا حول الأحزاب وما حدث بعد ثورة 25 يناير ولمست فيهم روحا شابه متفتحة تدعو للتسامح والحوار وفتح الأبواب لهواء نقى جديد.. كان ينبغى أن يحتضن المسئولون فى الإخوان أحلام شباب واعد وإن كنت أرى أن الفرصة ما زالت قائمة وأن الحوار مع المستقبل ضرورة لا غنى عنها.

كنا قد قرأنا كثيرا عن مراجعات فكر ومواقف ورؤى الجماعات الإسلامية طوال السنوات الماضية حول تطبيق الشريعة وتكفير المجتمع وقضايا مثل القتل والقصاص وأعلنت هذه الجماعات أنها تراجعت عن الكثير من هذه الأفكار ولكن الغريب فى الأمر أن هذه الجماعات أطلت على شاشات الفضائيات وفى الصحف ووسائل الإعلام لتعيد مرة أخرى طرح هذه الأفكار ومنها قتل الحاكم وفرض تطبيق الشريعة ولا شك أن مثل هذا الطرح أفقد هذه الجماعات فى الأسابيع الأخيرة تعاطفا كبيرا فى الشارع المصرى خاصة وأن رموز هذه الجماعات قضوا سنوات طويلة فى السجون ومع ثورة 25 يناير والمناخ الجديد الذى يحلم به المصريون كان ينبغى أن يتسم موقف هذه الجماعات بقدر من التوازن والحكمة.. أن الحديث مرة أخرى عن العنف وتطبيق الشريعة والحوار مع الآخر والموقف من شركاء الوطن والجزية وتوزيع المناصب لغير المسلمين.. هذه القضايا تحتاج إلى أصوات عاقلة وأفكار تدرك خطورة اللحظة التى يعيشها المصريون الآن.. نريد طرحا يجمع شتات هذا الوطن ولا يفرق صفوفه.. نريد أفكارا تغرس الأمن والطمأنينة بين الناس أما أساليب التخويف والفزع التى يمارسها البعض فسوف تصل بنا إلى حالة لا نريدها من عدم الاستقرار.

عندما يتحدث بعض رموز هذه الجماعات عن تطبيق الحدود ويمارسها البعض فى رجل مسيحى فى قنا.. وعندما يقف أحد المشايخ الأجلاء ويتحدث عن غزوة الصناديق وكأنه يتحدث عن كفار قريش.. هذه الأساليب سوف تأتى بنتائج سلبية فى رد فعل المواطن المصرى مسلما كان أم مسيحيا الا إذا كانت هذه الجماعات تسعى بالفعل إلى إيجاد حالة من الخوف بين المواطنين.. إن أهم شىء كنا نسعى إليه بعد ثورة 25 يناير هو الاستقرار وتأمين المواطنين واستمرار حالة التواصل والمودة التى سادت حياتنا طوال أيام الثورة لقد ساهم الحشد الإعلامى الذى طارد الناس طوال الأسابيع الأخيرة إلى ردود أفعال متباينة ما بين الخوف والسؤال ومحاولة الفهم ولكن السمة الغالبة كانت استنكار هذا التكثيف الإعلامى الرهيب وما ترتب عليه من سلبيات خاصة فى أقوال ومواقف غير مسئولة صدرت عن بعض رموز هذه التيارات ولا أدرى هل هو خطأ الإعلام أم مسئولية هذه الرموز وسعيها بإلحاح إلى الأضواء حتى ولو كان ذلك سببا فى تقديم صورة غير حميدة عن هذه التيارات.

● إن هذه الحشود التى حملت راية الإسلام من خرجوا من السجون وتم الإفراج عنهم من المعتقلين قد تركوا الكثير من الظلال حول حالات انقسام حادة بين أفكار لا ينبغى أن يكون الاختلاف بينها بهذه الدرجة وبهذه الحدة إلا إذا كانت بالفعل خلافات فى السياسة وليست فى الدين.. ماذا يفعل المواطن المصرى الأمى البسيط الآن أمام أطروحات متناقضة حول قضايا دينه وحياته.. نحن أمام الإخوان المسلمين.. وشباب الإخوان.. وحزب جديد للإخوان الحرية والعدالة.. وحزب الوسط والسلفيين.. والجهاد.. والجماعة الإسلامية.. أين مفاهيم الإسلام الحقيقية فى ذلك كله.. وهل نحن أمام جماعات وتيارات إسلامية تدعو إلى الله أم أمام كوادر وتجمعات سياسية تسعى إلى السلطة.. وكيف نفرق الدين من السياسة ونفصل بينهما.. وإذا أعلن رمز من رموز هذه الجماعات فتوى أو موقفا فهل هو موقف رجل سياسة أم فتوى رجل دين.

إن الأخطر من ذلك كله هو حالة الانقسام بين كل هذه الجماعات خاصة أنه لا يوجد الآن سقف يقف أحد عنده سواء فى معارك السياسة أو الصراعات الدينية.. نحن الآن أمام تداخل شديد فى الأفكار والمواقف بين دعوات سياسية ترتدى ثياب الدين وجماعات دينية تسعى لدور سياسى.. إن المواطن المصرى المأزوم فى حياته ورزقه وتعليم أبنائه ومرض زوجته وفقره وحاجته يقف الآن حائرا بين تيارات ملأت الساحة تتصارع على صوته ما بين الجهاد والإخوان والجماعة الإسلامية وحزب الوسط.. وكلها تحمل شعارات إسلامية لا ينبغى أن تكون هذه التقسيمات الحادة هى آخر المطاف لدين عظيم هو الإسلام ولا ينبغى أن تصل درجة التناقض والخلافات إلى هذه الحدة وهذا الرفض للآخر وإذا كانت هذه التيارات ترفض بعضها البعض فمتى ستقبل الحوار مع الآخر بل متى تقبل هذا الآخر فى دولة قام كل تراثها الفكرى والدينى والسياسى على التعددية والحوار ما بين مسلميها وأقباطها ومثقفيها وعلمائها ونخبتها الفكرية والدينية.

إذا كانت ثورة 25 يناير قد فتحت أمامنا أبواب الحرية والحوار والهواء النقى فيجب الا يكون ذلك بداية تقسيمات وصراعات وأهواء ومصالح.. إن هذا الاندفاع الذى شهدته مصر من القوى الإسلامية لا يتناسب مع وقار الأديان وسماحتها.. هل يعقل أن يقوم ائمة السلفية فى الإسكندرية بطرد ائمة الأوقاف من المساجد ويحتلون منابرها.. وهل يعقل أن يقف عالم شهير ويتحدث عن نتائج الاستفتاء على مواد الدستور ويسمى النتائج بغزوة الصناديق وما هذا الرعب الذى جاء فى أحاديث هؤلاء عن العنف وتطبيق الشريعة وقتل الحكام.. إن الأمر يتطلب قدرا من الحكمة واليقظة لأناس يدعون إلى الله ويحملون رسالة دين عظيم قام على التسامح والرحمة وهم يعلمون أن نصف المجتمع من الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
ووسط هذا المشهد الغريب يغيب دور الأزهر الشريف بعلمائه ومشايخه ورموزه ونجد الساحة كلها مليئة بأصوات كثيرة والجميع يتحدث باسم الإسلام بينما صاحب الحق الأول والأخير وهو الأزهر الشريف لا يجد أحدا يسمع صوته.. وربما كان هذا هو السبب فى دعوة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر لتعديل قانون الأزهر ومطالبته العلماء والدعاة والائمة أن يتصدوا المشهد لتوضيح الوجه الحقيقى للإسلام بعيدا عن المبالغات ورفض الآخر.

لا يعقل أن تتصدر المشهد كل هذه التقسيمات والخلافات فى الرؤى والمواقف وهذه الحشود الغريبة بين التيارات الدينية المتعارضة بينما الأزهر الشريف معقل الإسلام وحصنه الحصين غائب تماما ولا يجد من يسمعه.. أين علماء الأزهر على شاشات التليفزيون والصحافة والإعلام إذا كان ذلك تقصيرا وإهمالا من الإعلام فهو جريمة وإذا كان رفضا من العلماء فهو إخلال بالمسئولية.
إن أخطر ما واجهته مصر بعد الثورة هو هذه التقسيمات الغريبة بين من قالوا لا ومن قالوا نعم حول مواد الدستور تم كانت الخلافات بين من قالوا نعم من التيارات الدينية التى تحمل راية الإسلام.

بقيت بعد ذلك ملاحظة أخيرة تتعلق بما يرتديه علماؤنا من الأزياء وأنا أتصور أن الزى الأزهرى العريق يجب أن يكون وساما مصريا لكل من حمل راية الإسلام وجعل من نفسه داعيا.. هذا الزى الوقور يحتل مكانة خاصة فى كل دول العالم وللأسف الشديد هناك ملابس غريبة على أذواق المصريين يرتديها علماؤنا من الشيوخ والشباب ولكن زى الأزهر له بريق خاص.
أما شبابنا من الدعاة على الفضائيات فهم فى حاجة إلى أزياء أكثر وقارا.. نريد وسطية الأزهر فى فكرة وسماحته وفى حجته ووقاره وفى ملابس الائمة والدعاة.
وقبل هذا كله لا نريد هذا الانقسام بين علمائنا ومشايخنا الأجلاء.. ونريد خطابا دينيا متجانسا لا يختلف حول الثوابت ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

Friday, January 6, 2012

أنا غير متفائل.. ولا أدعو للتشاؤم


علي قناة "سي تي في" القبطية، وفي برنامج "في النور" للمذيعة اللامعة "دينا عبد الكريم" والممثل الموهوب الأستاذ "إيهاب".. وفي نهاية إحدي حلقات البرنامج، طلبت المذيعة من المشاهدين الذين يُراسلون البرنامج أن تكون إيميلاتهم ورسائلهم متفائلة، ولا داعي لنبرة التشاؤم السائدة في أغلب الرسائل والآراء من المشاهدين.. استغربت من طلب المذيعة اللامعة، وأخذت أبحث في الوضع الحالي لبلدنا "مصر"، خاصة بعد ثورة 25 يناير البيضاء، والتي كُنا في قمة التفاؤل بعد نجاحها الكبير ومكاسبها العظيمة. ولكن ومع توالي الأحداث شبه اليومية غير السعيدة من هنا وهناك في كل بقاع "مصر" المحروسة، بدأت تدب في قلوبنا وقلوب كل المصريين حالة من الخوف والقلق على مستقبل بلادنا، والصورة تزداد قتامة يومًا بعد يوم. وأخذت أتساءل.. بأمارة إيه نتفائل؟؟

بأمارة.. التعدي بالرصاص الحي والأر بي جي على رهبان عُزَّل يعبدون الله في الصحراء في دير الأنبا "بيشوي"، وهدم السور الذي بنوه لحمايتهم، ولم نسمع عن أي عقاب للمعتدين!! 

بأمارة .. حرق وهدم كنيسة "صول" بـ"أطفيح" بمحافظة "حلوان"، والعبث بأجساد القديسين بطريقة غير مسبوقة في تاريخ "مصر". وبالرغم من اقتراب المجلس العسكري- مشكورًا- في الانتهاء من أعمال البناء، ولكن حتى الآن لم نسمع إنه تم محاكمة المجرمين المعتدين!!

بأمارة.. التعدي أيضًا- وبالرصاص الحي- على أقباط "المقطم"، وحصيلة التعدي الكثير من الشهداء والجرحي، وتخريب بيوتهم لأنهم أرادوا أن يشاركوا إخوتهم في مظاهرات "ماسبيرو"! ده غير التعدي علي شباب "ماسبيرو" في وقفتهم السلمية ومطالبهم المشروعة. ولم نسمع أيضًا أي قبض على أو عقاب للمعتدين!! 

بأمارة.. إقامة الحد بقطع أذن المواطن القبطي بـ"قنا"، وبعدها أُجبر على التصالح من خلال جلسات المصاطب العرفية! ولا العثور على جثة لأب كاهن مذبوحًًا بـ"أسيوط"، ولا قتل مواطنة قبطية بـ"منفلوط" لأنها رفضت التجاوب مع قاتلها في معاكساته لها؟!!!

بأمارة.. التهديدات للقبطيات غير المحجبات، وإثارة الرعب في قلوب كل المصريات غير المحجبات، والهلع للجميع من أن تتحوَّل "مصر" إلي "طالبان" أو "إيران" جديدة!! 

بأمارة.. الفوضى في الشارع المصري، وغياب الأمن، وكثرة البلطجية في كل مكان، وانتشار مقولة "اخدم نفسك بنفسك".. أي كل واحد ياخذ باله ويحمي نفسه بنفسه، كأننا رجعنا لعصر الغاب!!

بأمارة.. ما رأيناه مؤخرًا في المشهد.. الكارثة بإستاد "القاهرة" قبل نهاية مباراة الزمالك مع الأفريقي التونسي، والفوضى العارمة، والتخريب العلني داخل الإستاد التي شاهدها للأسف كل العالم!!

بأمارة.. الأخبار التي تصل إلينا كل يوم من خلال الفضائيات والإنترنت، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
- هولاكو بقرية البدرمان بالمنيا يحتجز أكثر من 23 قبطي كرهائن، ووضع أسرهم وأطفالهم تحت الحراسة حتى يتنازلوا عن البلاغات المقدَّمة ضده. 
- أكثر من 3000 جهادي يعودون إلي مصر من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وإيران.
- الجماعة السلفية تطالب بإلغاء السجون وتطبيق الشريعة الإسلامية مثل السعودية تمامًا
- المطالبة بتحطيم الآثار الفرعونية لأنها أصنام.
- هجوم من البلطجية بقنابل مولوتوف على منطقة "الشرابية". 
وغيره الكثير والكثير.. ثم نقول: "لازم نتفائل"!!! الصورة أبدًا أبدًا لا تدعو للتفاؤل..

وأيضًا أنا لا أدعو للتشاؤم.. ويكون تفاؤلنا ورجائنا فقط في وعود إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح له كل المجد، عندما قال لنا: "في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم". وأن "لا تخف لأني أنا معك"، و"الرب يدافع عنكم وأنتم صامتون".

وأبدًا لا أدعو للتشاؤم عندما نري ونسمع حبيب قلوبنا، ذهبي الفم الجديد، خليفة مار مرقس الرسول، قداسة البابا المعظم الأنبا "شنودة الثالث"- أدام لنا الرب في حياته- وهو يبث في قلوبنا دائمًا الاطمئنان والسلام والأمان في وعود رب المجد، عندما يعلِّمنا دائمًا أن "ربنا موجود"، و"كله للخير"، و"مسيرها تنتهي"..