Friday, February 3, 2012

من اجل ترسيخ ذهنية التسامح



ظهر مفهوم التسامح منذ أمد في الفكر العربي، مما جعله ينتمي إلى الإشكالية المحورية التي ارتبطت بالطور الثاني وقد تمركزت مباحثها حول دراسة أسباب الهزيمة: هزيمة حزيران 1967 , وهزيمة الدولة الوطنية في بعض الأقطار العربية لإنجاز أسباب التقدّم والتنمية وتحرير الإنسان وعقلنه الفكر، والارتقاء بالثقافة لتكون مرآة يظهر عليها المنجز الحضاري والمعرفي والحقوقي والتقني، وتميهداً له في الآن ذاته، وقد نجم عن ذلك تفكير نقدي في "التراث" هذا المفهوم الإشكالي الذي اخترق بقوة الخطاب العربي منذ أواخر الستينيات إلى حدود زمننا هذا وطرحة العلاقة بين التراث والحداثة فظهر الحديث عن المفاهيم العقلانية والقيم الفكرية العلمية والتاريخية النقدية أو الإنسانية الخلقية التي تضمنتها مؤلفات المفكرين، والأدباء، والفلاسفة، والعلماء العرب، أو ارتبطت بسيرهم، وفي هذا السياق برزت المشاريع الفكرية النظرية المتعلّقة بقراءة التراث العربي والبحث في إمكانات جديدة. محكوم بالنظر في الثنائيات ومنها: التراث/الحداثة. الأصالة/المعاصرة. السلفية/التقدمية. العقلانية/الدغمائية (أو اللاعقلانية). العقل/الخيال. العلم/الأسطورة. الحداثة/القدامة. التسامح/التطرّف. قصيدة النثر/ القصيدة العمودية....ولعله كان لأحداث 11 سبتمبر 2001 وللحرب سنة 2003 -ولتأزم أوضاع القضيّة الفلسطينية ولتصاعد عمليات العنف والإرهاب والاستشهاد في شتى أنحاء العالم تعبيرا عن حقوق ضائعة، واحتجاجا عن أوضاع قائمة- الأثر البارز في مسارات الفكر العربي المعاصر من جهة طبع أطروحاته واهتزاز مواقفه وتحولها إلى حد بدا معه أنه يحيا وضعا قلقا، وإشكاليا تجاه الوعي بالذات والموقف من الآخر أو ضبط أطر التواصل وآليات العمل وما يرافق ذلك من بناء للتصورات والرؤى وتحديد آفاق القول والعمل
هنا تأتي الايدولوجيا التي تتفاعل مع التغير على سبيل التوظيف والتجيش والاحتراب او على سبيل التعايش والتسامح ؟ 
وهناك نمطان من الثقافة ؛ الأولى:مرفوضة ، والأخرى: مقبولة ، إما المرفوضة فهي :
الأيديولوجية الشمولية : لقد أخذ هذا النمط من الأيديولوجيات بالزوال ، ونحن نعيش عصر زوال الأيديولوجيات (أعني به العصر الذي طغت فيه المذاهب الشمولية أو النظريات الكبرى ، ومشاريع الطوبة التي وعدت بإقامة فردوس أرضي يستعيد أو يمارس فيه الإنسان حريته ويبلغ كفايته , ويحقق سعادته لقد تزعزعت اليقينيات المطلقة والثوابت الراسخة والقبليات ، وأصبحنا الآن على عتبة عصر جديد لمصلحة نظرة جديدة أقل إطلاقا وثباتا .أما الوجوه السلبية لهذا النمط من الأيديولوجية فهي
إن هذا النمط يطغي فيه الوجه السلبي على الإيجابي ، بمعنى إنها قد تفلح في أن تزين للمضطهدين أن في مقدورهم تحرير أنفسهم وتبديل أحوالهم ،لما هو أحسن .و بهذا تتمكن من تعبئة الجموع المؤدلجة في إسقاط الاستبداد ، وهذا أقصى ما تستطيعه يكمن في الاستيلاء على السلطة إنها يوتوبية تحقق الاندفاع والتهيج وقد تحقق التغيير وتكسر السائد المهيمن المسوغ للسيطرة ، إلا أنها أيضاً تترك آثاراً مدمرة اقتصادياً وإنسانياً بما تخلفه من ضحايا سواء كانوا من المؤمنين بها أو من غير المؤمنين .لكن ماذا بعد ذلك ؟
فهي لا تستطيع بناء النظام البديل الذي يتجاوز نواقص القديم ، لكن هذا الأمر بحاجة إلى رؤية عقلانية واسعة لا أيديولوجية طوباوية مشبعة بالعداء الذي يستبدل الاستبداد والعنف بآخر جديد ، لعل هذا هو السبب في أن أغلب الثورات تفشل في الربط بين اليوتوبية الدافعة للثورة والمشروع الأيديولوجي السياسي لأن الأخير بحاجة إلى رؤية عقلانية ولعل هذا أيضاً ما أجج كثيراً من الثورات وجعلها تلتهم أبناءها .
إن هذه الأيديولوجيات لم تزل القهر ولم تحقق الحرية ، بل إنها أوغلت في بناء آليات القهر ومعسكرات التعذيب والمقابر الجماعية وآليات التضليل والتزييف على مختلف الصعد والأشكال .
إنها لم تنتج نظاماً تعددياً مثلما رفعت من شعارات ، بل إنها عملت على توحيد اللغة وقولبة السلوك وتدجين العقول مما جعل مصير أغلب الثورات معروفا و هو إقصاء الخصوم إلى معسكرات الاعتقال أو إلى المقابر أو التهجير إلى الخارج .ومرد هذا إنها لم تتجاوز النسق الذي ترسب في الأنا الجمعية ،هذا النسق غير المفكر به القائم على ذهنيه التفرد والذي يمتد عميقاً في الذهنية الجمعية .وإنها أيضاً لم تنتج واقعاً بديلا حرا غير مؤدلج ، يتسم بالمرونة والانفتاح والابتكار وهذا يتطلب خلق مؤسسات جماعية يمكن الاحتكام لها لا إلى الذهنية الفردية للفرد أو الطائفة أو الحزب ، بل إنها على الضد من ذلك تماماً تمركزت مما جعلها تسقط في العماء الأيديولوجي الذي يتحول فيه الفرد حاكما يمارس دوراً بطولياً تخيلياً يستعيد أنساقا هاجعة في الأنا الجمعية تعود إلى أسباب" سوسيو ـ سيكولوجية" تمس هذه الأنا في طبيعة تكوينها التاريخي تعود إلى قوة ماضيها الذي يلتهم حاضرها . عبر مقولة الشخصية المركزية الرمزية في وجدان الجماعة السياسية لأنها مشغولة إلى حد يومنا هذا بالبحث عن القائد / المعلم / المنقذ من الضلال .
إنها لم تعدم خلق أيديولوجيات بديلة ترفع النضال ضدها دينية / قومية / مذهبية .. الخ ؛ فبوجود وأناس مهزومين مقهورين لا يمكن أن يتوقف المجتمع عن خلق أيديولوجية تدميرية جديدة ، لإنه المجتمع المرشح للعنف بأشكاله وأدواته، والمتقبل لكل الأفكار والإيديولوجيات التي تخاطب جمهور المحرومين والمقموعين. فالفقر لا يقود إلى الاستقرار، والبطالة والعطالة لا تؤديان إلى الأمن، بل إلى بروز حالات التمرد والعنف لإنهما الأرضية الاقتصادية - الاجتماعية.
إن الأيديولوجية من خلال تمترسها واحتكارها للمعنى والسلطة خلقت آخرين في الداخل والخارج هم أيضاً لهم المطالب نفسها ؛أي: السلطة وبذات المنطلق تعتمد وسائل القهر والعنف والمواطن والوطن أكبر الضحايا فيها 
اما الأيديولوجية المقبولة فهي 
إن الأيديولوجية حالة لا يمكن عزلها وإزالتها فلابد من البناء على الإيجابي منها واحتواء السلبي منها .أيديولوجيا تقوم على اللاعنف والتسامح والتعدد والتداول السلمي للسلطة على أساس إن هذا البلد يتكون من فسيفساء عرقية ودينية ومذهبية استطاعت أن تتوحد وتتعايش مئات السنين . هناك دعوات ومحاولات لتفجير المخزون التاريخي للانقسام والفرقة ، واستدعاء النزعات العصبية من الماضي السحيق من أجل تحطيم وحدة الجماعة في العراق من أجل خلق تجربة جديدة تستجيب لحاجات العراق لابد من إشاعة مفهوم التسامح ، والعمل على ترسيخ روح التعايش بوصفهما الطريقين اللذين سوف يحققان النفاذ من هذا الخانق 

No comments:

Post a Comment