Friday, April 29, 2011

شعارات مدمره !



كتب: احمد عبد العليم 



أتحدث إلى صديقة لى، هى مسيحية، أعتز بصداقتها جداً، كنا نتناقش سوياً عن مستقبلنا العملى وعن حال البلد، ربما لأننا نشترك سوياً فى دراسة العلوم السياسية وكذلك نشترك فى هموم الوطن، وطن واحد نحمل همومه سوياً وبنفس القدر، ونمنى النفس بأن يصبح أفضل حالاً مما هو عليه.

لم يقطع حديثنا سوى أنها أرسلت لى "لينك" لإحدى الصفحات على موقع الفيس بوك، تقول لى، انظر يا صديقى ماذا يفعل المرضى فى هذا الوطن ؟، ماذا يفعل المأجورون الذين يريدون الوقيعة بيننا؟؟!!.

أثار غضبى ما قرأت ولم أكن لأصدق لولا أنى رأيت بعينى، الصفحة معنونة "قاطع مسيحياً تنقذ مسلماً"، وبعدما قرأت ذلك العنوان، شعرت بأنها هناك مؤامرة ما تحاك ضد هذا الوطن، رغم أننى أكرة نظرية المؤامرة، إلا أن تكرار الأحداث فى الفترة الأخيرة هو أمر يدعو للاستغراب.

قاطع مسيحياً تنقذ مسلماً، هو عنوان بحاجة إلى بعض البهارات حتى يكون أكثر جاذبية، وأكثر رونقاً، فليكن "قاطع مسيحياً" تكسب عروسة هدية أو ليكن "قاطع مسيحياً تحصل على وظيفة فورية"، ولما لا يكن "اقتل مسيحياً ولك الجنة"!!

المرضى الذين يرددون مثل تلك الشعارات قد يجذبون عدداً ممن لا يعرفون عن الدين سوى إطلاق اللحية، ولا يعرفون عن الدين أنه "لا إكراه فى الدين".

هو عنوان جاذب لكل مريض نفسى، ولكل من هو عدو لهذا الوطن، هو عنوان صادم لكل مسلم حر مؤمن بإسلامه وبدعوات الرسول للحوار مع الآخر حتى ولو كان كافراً "وجادلهم بالتى هى أحسن"، ولكل مسيحى حر مؤمن بمسيحيته، وأن المسيح جاء بالخير والمحبة.

خاصة بعد قضية كاميليا والتدخل الأمنى، والتكهنات حول أنها تم اختطافها من قِبل الكنيسة بعدما أعلنت إسلامها، أما أنها بالفعل كانت فى زيارة لإحدى صديقاتها، وأنها مازالت على المسيحية؟!!

لا أعلم ماذا قد يكسبه المسلمون إذا تحول المسيحيون إلى الإسلام، لأننى على يقين أنه ليس بكثرة العدد يستقى الدين قوته، وكذلك لا أعلم ما قد يخسره المسلمون إذا تحول عدد منهم إلى المسيحية، فالإسلام أعلنها صراحة أنه "لا إكراه فى الدين".

إثارة مثل هذه المشكلات يمهد أرضا خصبة للقلة المأجورة فى الغرب لكى يتحدثوا عن الظلم الحادث على المسيحيين فى مصر، وهو ما يستدعى التدخل فى الشئون الداخلية فى البلاد، حتى تكون محل انتقاد لكل من هب ودب.

مثل هذه العناوين هى من صناعة غير مصرية، يتم تصديرها لنا، ولا أعلم كيف يستورد العقلاء مثل هذه العناوين الحقيرة، والتى لا تريد سوى نشر الفتنة فى جسد هذا الوطن.

كذلك يمكن القول بأن عامل التوقيت هو أمر فى غاية الأهمية، خاصة وأن مصر تمر بمرحلة حرجة وخطيرة، وهناك من يحاولون تشويه أى تقدم متوقع على أرض مصر.

لا يمكن القول بأن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد فى مصر، وإن حدث، هى حوادث فردية وعرضية لا تعبر بأى حال عن العلاقة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، لذلك هناك دور لابد للدولة والكنيسة أن يقوما به، وهو صد أى محاولات قد تثير الفتنة الطائفية فى مصر، وعقاب من يثبت تورطه فى مثل تلك الأعمال الوضيعة حتى يكون عِبرة لمن يحاول أن يتاجر باسم الدين من أجل تحقيق مصالح شخصية.

ولتظل مصر جسداً واحداً، مسلميها ومسيحييها، لا فرق بينهما سوى بالعمل والاجتهاد، يتسابقون معا على خدمة هذا الوطن، ضاربين بكل المحاولات الخبيثة للوقيعة بينهما عرض الحائط .

Friday, April 22, 2011

الدين ليس ديكتاتورية




كتب: شريف حافظ


يتندر الكثيرون دوماً بسماحة الإسلام ورحمته وأمنه وأمانه وهو الأمر الذى أؤمن به بشدة. ويتناول النص القُرآنى محاورات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مع من يريدون إقناعهم وليس إخضاعهم، بالدين. ولم يتناول النص القرآنى أبداً الرسل، عليهم الصلاة والسلام، بطريقة تبدو وكأنهم كانوا يفرضون، ولكن يناقشون ويضحدون بالحجة.

أى أن الإقناع كان دوماً يتم بالعقل. ولو أن رجلا جاء بمائة دليل من السنة يقول بغير ذلك، لن أُصدقه، لأن النص القرآنى واضح وله قُدسية فوق أى قُدسية فى القرآن الكريم. ويُبين هذا النص، كيف يُمكن للمُسلم أن يختلف مع من لا يقتنع بكلامه، بعد عقلانية حوار، فيقول الله عز وجل، آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم فى رجاء صريح لا يقبل الجدل:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وقد قال الله عز وجل أيضاً:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"، أى أن من لا يفعل ذلك، يتبع أهواءه وأهواء الشيطان!

وبعد أن يرى المرء نفس هؤلاء الناس الذين يتندرون بحرية النقاش فى الإسلام ورُقيه، تجدهم يتعرضون للمختلفين عنهم بأفظع الألفاظ والأوصاف، فى أسلوب يتنافر ويختلف تماماً مع الآيات السابقة الذكر. وهو الأمر الذى يُشكل ترهيباً، أكثر منه ترغيباً فى دين الله. فما إن يختلف معهم أحد، إذا بهم يشهرون ألسنتهم عليه، وينادونه بما ليس به، ولا يتناقشون معه، مُرغبين إياه حتى فى الإسلام، إن كان ليس مسلما، أو مؤلفين قلبه لدين الله، حتى أصبحوا أداة تنفير عن الدين وليس آداة ترغيب فيه.

ووصم الإسلام بهم وبعجرفتهم بدلاً من أن يوصف بسماحة الرعيل الأول كعامل جذب لدين الله. وتجد أُناسا فى الغرب، عندما تتكلم معهم عن الإسلام، يقولون لك، ألم يقُل الشيخ فلان، كذا وكذا، ويكون ما قاله منافياً تماماً مع آداب الحوار والحديث المُهذب مع غير المؤمنين، فلا تملك إلا أن تؤكد على النص القرآنى، فيرد عليك محاورك قائلاً، "ما الدين إلا القائمون عليه!" ويتوقف النقاش، لأن التمادى فيه يضر ولا يفيد!

والمُلاحظة التى لا يُمكن أن نتجنبها هى، أن حجم الهجوم على الإسلام، يتزايد ولا يتناقص. هذا، رغم أن الكثيرين يُدافعون عن الإسلام ليل نهار، ولكن هل يريد الله دفاعاً عن دينه؟ أم تطبيقاً صحيحاً له فى إطار المُمكن؟ ألا يكون من الأفضل أن نُطبق الدين بشكلٍ مُتسامح، بدلاً من أن نُسىء إليه فنسب من يتعرض له؟ يقول الله عز وجل: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"، وبالتالى، فإن من يسب من يسب الإسلام، يمضى وفقاً لهواه ولا يتخذ من أمر الله منبراً ونبراساً، وهو يستعدى العالم على الإسلام والمسلمين بفعله هذا.

وقد بين الله لنا منهاجاً فى كيفية الرد على الجاهلين وصنوفهم، عندما قال عز وجل:"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما"، وأيضاً، "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"، وأيضاً صرح الله بالحض على العمل وعدم ابتغاء الجاهلين والإعراض عن لغو الكلام، عندما قال: "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ".

ولكن الكثيرين لا يهمهم إلا اللغو والتعرض لغير المؤمنين بالإسلام بالسب واللعن، فى معصية صريحة لله عز وجل، وتعارضاً مع دينه الحنيف، مما يجعل الآخر يتمادى فى غيه ضد الإسلام. فهل يجوز هذا؟ وكيف يكون هؤلاء شيوخاً ولا يتصرفون وفقاً لأوامر المولى عز وجل؟ أم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"!
إن الدين ليس ديكتاتورية ولكنه إقناع ونقاش وحوار عقل.

وقد أمر الله رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين". وأجد أن أغلب الشيوخ لا يُشاورننا فى أمورنا ويعزم وحده فقط، وهو أمر غريب حقاً ممن يُدين بدين الله، بل ويعمل فى حقل الدعوة له.

وترى الناس ينفضون من حول الدين نتيجة فظاظة الدُعاة واللجوء إلى ما هو غير عقلانى والسب واللعن لمن هو دون المسلمين والدعوة على غير المسلم فى صلاة الجمعة بما لا يليق، مما يستتبعه تهجم هؤلاء على الإسلام بما يتنافى بجوهر رسالته. إن دُعاة الإسلام، يجب وأن يكونوا القدوة التى تُظهر تسامح الدين وليس ديكتاتورية لا تكمن فيه، فى حال كانوا يدعون لله حقاً، فإن كانوا يدعون للشيطان، فليظلوا على ما هم فيه من سبٍ صريح لمن لا يؤمن بما يؤمنون به!.

كلمة أخيرة: لا يوجد على وجه الأرض مرادف للإسلام، غير القرآن ولا تقديس لإنسان أياً كان، ويكفى ما قاله الله عز وجل مُتحدثاً لرسوله الكريم: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ"، فلا تقديس لإنسان غير الله، إلا لمن أشرك بالله!

Wednesday, April 20, 2011

حاجتنـا إلى خطـاب إسلامـي حـول التسامـح

 
كتب: حمدي عبد العزيز
صحفي وباحث مصري
يعترف الدكتور سعد الدين العثماني أمين عام حزب العدالة والتنمية السابق أنه لا يزال هناك تردد وأحيانا غموض لدى عموم الحركات الإسلامية في إعطاء أجوبة نظرية حول مفاهيم سياسية واضحة، على المستوى النظرى، وهو ما يبقى لحد الساعة نقطة ضعف في عمل هذه الحركات، حيث أنه يجافي هدي الدين ومقصده الذي انطلقت منه هذه الحركات، كما أنه على المستوى العملي تهديد مستمر لإنجازات الحركات.
ومن هذه المفاهيم السياسية يبرز مفهوم التسامح، الذي لا يحل إشكالات متعلقة برؤية الإسلاميين للدولة الحديثة ومفاهيم المواطنة والديمقراطية فقط، بل إننى أزعم أنه يؤسس لمرحلة ما بعد الثورات حيث يكون هناك مشروع إسلامي قوي يعبر عن ضمير الشعوب العربية ويستطيع العمل في إطار سياسي وفكري غاية في التنوع.

ما هو التسامــح؟
لقد نشأ مفهوم التسامح فى ظل ظروف تاريخية مغايرة تماماً لما مر به التاريخ العربي - الحروب الدينية فى أوروبا - وبالتالي لم يتم طرح المفهوم بنفس مدلول نشأته فى الغرب لكنه يشير إلى ظاهرة من خصائص المجتمع الإسلامي، وهى حرية الاعتقاد والحق فى الاختلاف.
وكلمة التسامح مشتقة من الكلمة اللاتينية Tolere، أي يعانى أو يقاسى، وفى اللغة الإنجليزية مقابلان لكلمة تسامح: الأول، Tolerance، والثاني Toleration، مما أدى لتعدد الاجتهادات فى تفسير الفروق بينهما فوفقًا لمعجم (وبستر) تعنى كلمة Toleration سياسة السماح بوجود كل الآراء الدينية وأشكال العبادة المناقضة أو المختلفة مع المعتقد السائد، بينما لفظ Tolerance يعنى استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقد به.
ولم يولد مفهوم التسامح ويكتمل تطوره دفعة واحدة، ولكنه كان مفهومًا علمياً يعبر عن ظاهرة اجتماعية مر بمراحل نمو وتطور، وكذلك تعرض - وما زال - يتعرض - لانتكاسات وتراجعات نتيجة عديد من العوامل والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية، وكانت البداية فى القرن الثامن عشر عندما شهدت أوروبا تحولاً فى الاهتمام بالمفهوم من مجرد اعتباره أداة أو وسيلة لحل مشكلة ما أو للتغلب على ظروف سياسية ودينية ما إلى شعار إصلاحي، بل وقيمة يأمل أي مجتمع فى أن يسود.
وتنبع غالبية تعريفات التسامح السياسي من تعريف كريك عام 1793 م عندما عرف التسامح بأنه الاستعداد لاحتمال الأشياء التي نعارضها والسماح بالتعبير عن الأفكار والمصالح التي نختلف معها، مما يعني أن عنصر الاختلاف هو حجر الزاوية فى المفهوم وهو شرط مناقشته بالأساس.
ويتشابك مفهوم التسامح مع مفاهيم أخرى مثل: مفهوم التنوع والخصوصية والمواطنة والجماعة السياسية الواحدة، حيث يفترض التسامح أن هناك تنوعاً وتعدداً فى المجتمع أياً كانت طبيعته، وأن هذا التنوع تتم ترجمته فى صورة آراء وممارسات، ولكنه فى إطار جماعة سياسية واحدة، ولعل أساس هذه الفكرة يكمن فى ارتباط النشأة التاريخية للتسامح بتعدد الفرق والطوائف الدينية والصراع بينها ومحاولة إيجاد طريقة بمقتضاها تتمكن هذه الطوائف والشيع المختلفة والمتناحرة من التعايش معاً.
بعبارة أخرى: إن التسامح يعنى أولا: قبول الاختلاف، وأن نقيضه هو التعصب، الذي ينفى الاختلاف ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أي شكل من أشكال التنوع والاستقلال، وثانيا: أن المفهوم يرتبط بمفاهيم أخرى مثل التعدد والتنوع والخصوصية وثالثا: أن هناك فجوة بين التسامح كمبدأ مجرد والتسامح كسلوك وممارسة كانت - ولا زالت - أساساً لعديد من الانتقادات التي وجهت لمفهوم التسامح فى الغرب. فما بالك بحال وواقع المفهوم في بلادنا المتوجعة من مخاض التغيير القادم؟!

محـددات مختلفـة
غني عن القول إن الدفاع عن قيم التسامح هو دفاع عن قيم الديموقراطية، فالتسامح باعتباره قيمة من أسمى القيم الإنسانية، تعطى القدرة على احتمال وقوع الخطأ والقبول بالتعايش (جوار الأضداد) وبمسافة منتصف الطريق والاحتكام إلى العقل والإصغاء إلى الرأي العام، لا يعنى سوى توسيع وتعميق فكرة الديموقراطية ومؤسساتها.
وفي كتابها "التسامح السياسى - المقومات الثقافية للمجتمع المدنى فى مصر"، الصادر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان، عام 2000م، تضع الباحثة هويدا عدلى رومان عدداً من المحددات التي تفسر وجود التسامح – أو التعصب – في المجتمع، وهي:
-       المحددات الاجتماعية والديموجرافية: من أبرز المحددات الاجتماعية التي حظيت باهتمام الباحثين التعليم والعمر والدين والمكانة الاجتماعية والسكن فى الحضر، وكل هذه العوامل ذات علاقة إيجابية بالتسامح ماعدا الدين فقد ذهب بعض الباحثين إلى إقامة علاقة إيجابية بين التدين والانتظام فى التردد على الكنيسة وبين التعصب، وذلك بغض النظر عن نوع الطوائف والفرق الدينية؛ فالاختلاف فقط فى درجة هذه العلاقة. وهنا يؤكد الإسلاميون على فكرة "السبق" في أن الإسلام أنشأ مجتمعاً ضم المسلمين واليهود والكفار والمنافقين، وأن الهند تحت الحكم الإسلامي كان بها 300 ديانة شركية، إلا أنهم ينشغلون بدفاعهم عن الإسلام – وله رب يحميه – بدلاً من تأسيس المفهوم على أرض الواقع مع المختلفين دينياً وسياسياً، وبالتالي يتحملون جانياً من المسئولية عن عدم الاستقرار الذي ساد بلادهم – وما زال موجوداً في بلاد أخرى.
-       المحددات النفسية: وتتعلق المحددات النفسية بتقدير الذات، والشخصية السلطوية، والشخصية الدوجماتية، وتوصل بعض الباحثين إلى وجود علاقة إيجابية بين انخفاض تقدير الذات والتعصب السياسي، ومن ناحية أخرى فإن كلاً من الشخصية السلطوية والدوجماتية، وما يتصل بهما من خصائص وسمات ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بالتعصب السياسي والعكس صحيح، وهو ما يثير التساؤلات حول الشخصية "الإسلامية" التي قتلها الباحثون وعلماء النفس الغربيون بحثاً دون أن يكون لأبناء الحركات الإسلامية أنفسهم نصيب من ذلك. فهل تنتج حركاتنا الإسلامية شخصية "الأمير الأجير" أم "المستبد العادل"؟ وكيف يمكننا توصيف الشخصية التنظيمية بها؟ فهل هي شخصية مستقلة وشوروية أم شخصية تابعة ودوجماتية؟
-        المحددات السياسية: تُعد الثقافة السياسية من أبرز المحددات السياسية للتسامح فحينما تسود الثقافة المدافعة للمجاراة والتي لا تقبل الاستقلالية تزداد احتمالات التعصب السياسي والعكس صحيح.
ومن هذه المحددات أيضا الفاعلية السياسية، فكلما زاد إحساس الفرد بأنه أكثر فاعلية ، وبالتالي أقل اغتراباً كلما كانت اتجاهاته أميل للتسامح السياسي، نظراً لأن الفاعلية السياسية تؤدى لمزيد من المشاركة السياسية، التي تسهم بدورها فى تعزيز التسامح.
كما ربط بعض الباحثين بين متغير احتدام الصراعات الأيديولوجية فى المجتمع، وبالتالي إدراك أن هناك مزيداً من التهديد السياسي من ناحية وبين الميل نحو التعصب السياسي من ناحية أخرى، ففي أوقات التوتر السياسي الحاد والصراعات الأيديولوجية المستعرة يزداد إدراك الأفراد والجماعات للتهديد السياسي، مما يؤدى إلى ارتفاع معدلات التعصب لديهم.

وبناء على هذه المحددات يمكن طرح بعض عناصر مفهوم التعصب وهي أنه "حكم":
- يفتقد للموضوعية ويتسم بالتعميم أو التبسيط المخل.
- يقوم على أساس مجموعة من القوالب النمطية والتصنيفات الجاهزة والأحكام الحدية والاستقطابية.
- ينشأ فى ظل سياق ثقافي واجتماعي دافع للمجاراة بدرجة أو بأخرى.
- يوجه نحو جماعة معينة أو أشخاص معينين بحكم عضويتهم فى الجماعة.
- يصادر أفراد هذه الجماعة فى الاختلاف.
التسامـح الإسلامـي
إذا كان لفظ "التسامح" لم يرد فى "الأصول المنزلة" – القرآن الكريم والسنة المطهرة - إلا أنه يشير إلى إحدى خصائص المجتمع المسلم، كما جاءت الشريعة بما يقاربه أو يدل على معناه حيث يدعو القرآن الكريم إلى التقوى والتشاور والتآزر والتواصي والتراحم والتعارف، وكلها من صفات التسامح، مؤكداً حق الاختلاف بين البشر لأن الاختلاف آية بينة، وإن كان لا يلغى الائتلاف.
 وقد اعتبر الإسلام أن الناس جميعاً أسرة واحدة يرجع نسبهم إلى أب واحد وأم واحدة، ورسالته السمحة رسالة شاملة موجهة إلى جميع الناس، وقد ورد فى القرآن الكريم قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء}، وقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
وفى الوقت الذي يرفع فيه ساسة العالم وأصحاب الرأي فى الوقت الراهن شعار (التعددية) وضرورة التسليم باختلاف رؤى الناس ومذاهبهم فى الفكر والعمل؛ فإن الإسلام يعتبر، منذ أن بدأ الوحي ينزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أن اختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي على أساس هذا الاختلاف والتنوع {وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا}.
وبتثبيت هذه النقطة نجد أننا بصدد رؤيتين حول التعددية وطبيعة الحق فى الاختلاف:
الأولى: تعمل على وضع قواعد وآداب الاختلاف، وإن كان إقرارهم بأن الاختلاف فى الرأي سنة من سنن الحياة وعلامة من علامات صحة الفكر ودقة الاجتهاد إلا أنهم يميزون بين الاختلاف والخلاف، ويعتبرون أن الاختلاف فى الرأي أمر طبيعي وعلامة صحة، بل ومصدر للثراء الفكري، وعون على التصحيح إذا أدير بكفاءة وروعيت شروطه وأدابه، بينما يعتبرون أن الخلاف قرين الفرقة التي لا يختلف على إنكارها ونبذها أحد.
وتفرق هذه الرؤية أيضاً بين الاختلاف فى الأصول والاختلاف فى الفروع، بالقول أنه إذا تم الاتفاق حول الأصول فلا مشاحة فى الاختلاف حول الفروع، وكل اختلاف فى هذه الحدود محتمل ومقبول، وبنفس المقدار فإذا انعقد الاتفاق حول الشريعة - الكتاب والسنة - فكل اختلاف حول اجتهادات الفقهاء وأقاويلهم لا يجرح عقيدة أحد ولا يقلل من شأن أحد.
- أما الرؤية الثانية فإنها تقرر أن الإسلام قد احتمل اختلافًا فى العقيدة ذاتها باعترافه بأهل الكتاب، ودعوته إلى البر بهم ويرى أصحابها أن الاختلاف كأحد السنن الكونية التي أقرها الإسلام طبعته بطابع التسامح وقبول تواجد الآخر، فالاختلاف آية من آيات الله كما فى قوله تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم}، كما قال تعالى: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}.
وقد بلغ تسامح الإسلام فى قبول المخالف أعلى درجة، إذ احترم ما يعتقده غير المسلم ووسع له فى ذلك، ولم يضيق عليه بالمنع والتحريم، وكان يمكنه أن يحرم ذلك مراعاة لشريعة الدولة ودينها وحتى فى الحوادث التي اتسمت بالتعصب ضدهم فلم تصل درجته إلى استئصال شأفتهم، أو التعامل بالمثل ردًا على تعصب ضد المسلمين فى دول أخرى.
إن التسامح له درجات ومراتب؛ فالدرجة الدنيا من التسامح أن تدع لمخالفيك حرية دينه وعقيدته ولا تجبره بالقوة على اعتناق دينك أو مذهبك ولكن لا تمكنه من ممارسة واجباته الدينية التي تفرضها عليه عقيدته، فهذه - وإن كان فيها شيء من التسامح - لا تخلو من التعصب.
 والدرجة الوسطى من التسامح هي أن تدع له حق الاعتقاد بما يراه من ديانة ومذهب أما الدرجة التي تعلو هذه ألا تضيّق على المخالفين فيما يعتقدون حله فى دينهم أو مذهبهم، وإن كنت تعتقد أنه حرام فى دينك أو مذهبك...
وهذه الدرجة يأخذ بها الإسلام فى التعامل مع مخالفيه. فأى درجة يأخذ بها الإسلاميون عند التعامل مع مخالفيهم؟
عند الإجابة عن هذا السؤال سوف أكون من أوائل المتحدثين بخطاب "السبق" و"الدفاع" عن الدين والحركة الإسلامية التي تعتبر – من وجهة نظري – إمتداداً لتاريخ الإسلام الذي بدأه الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم – إلا أن المقصود من طرح هذا السؤال ليس الغمز في قناة أحد أو تشويه حركات معينة وإنما هو المطالبة بتأسيسي موقف فكرى من المفهوم وإشكالاته على أرض الواقع، حتى لا يكون الإسلاميون في مكان هم قادة التغيير وفي مكان آخر هم قاطرة المحافظة والتعصب.
 
 

Friday, April 15, 2011

الطرف الأول مسلم الثانى مسيحى اذن المعركة ساخنة !

كتب: محمد الدسوقى رشدى




يبدو السؤال صعبا ويحمل قدرا لا بأس به من العمومية، ولكن وقت طرحه قد حان بعد ما أصبح واضحا للجميع أن محاولات مداواة الفتنة تزيدها اشتعالا بدلا من أن تخمدها. السؤال الصعب يقول: هل الصحافة المصرية مسئولة عن الفتنة؟ أو بشكل آخر هل يمكننا وصف الصحافة المصرية بصحافة الفتنة؟

يبدو السؤال قاسيا ولكنه منطقى، وبقدر قسوته ومنطقه، لا يمكنك أن تجد له إجابة قاطعة، فهو نوع من الأسئلة الرمادية التى لا ينفعها إجابات الـ "نعم" والـ"لا"، والسبب بسيط لأن الفصل بين ما تقرأه على صفحات الجرائد وما يحدث فى الشارع، صعب جدا فى ظل مجتمع تتشابك خيوطه بشكل عنكوبتى تتوه بداخله الحقائق.

غير أن واحدة من تلك الحقائق التى لا يمكن أن تتوه، هى أن الدولة التى تتبع سياسة دفن المعلومات فى الرمال، والتعتيم، وتخاف مواجهة مشاكلها، وترفع راية كل شىء جميل كل شىء تمام، حرمت الصحفى ومعه المواطن من متعة الشفافية، فأحالت الصحفى إلى لص يسرق المعلومات أو مزور يتلاعب فى القليل مما يحصل عليه، فيشوهه متعمدا حتى يحصل على قصة تحقق لجريدته رواجا على الأرصفة بغض النظرعن النتائج..

ففى قضية "وفاء قسطنتين" على سبيل المثال أو حتى قضية نجع حمادى التى نعيش كارثتها الآن، تعمدت الدولة تغييب الحقائق، فتاهت بعض الصحف، وتعمدت صحف أخرى أن تصنع قصصا خيالية تأخذها نحو أرقام توزيع أكبر فى وطن يعلم الجميع مدى سيطرة العاطفة على تفكير بسطائه.

لحظة من التوقف هنا لنستوضح فيها أمرا مهما، ليس دفاعا عن الصحافة أن نشير إلى مسئولية الدولة المباشرة عن "الفتنة"، فحينما لا تجد الصحافة من يفتح لها الطرق المشروعة نحو المعلومة الصحيحة، ولا تجد من يحاسبها إذا لجأت إلى الطرق غير المشروعة سواء بالتلفيق أو التزوير أو الإثارة، فنحن أمام سياسة جديدة تحكم الأمور اسمها سياسية المولد، لا يمكنك خلالها أن تلقى باللوم على شخص بعينه لأن الكل يترنح مرة يمينا ومرة يسارا.

وللإنصاف لابد أن نعترف أن بعض الصحف تترنح متعمدة، تلتقط أصغر حادثة قد تتخيلها وتصنع منها حربا بمانشيتات ساخنة، شرط أن يكون الطرف الأول مسلما، والطرف الثانى مسيحيا، خلطة جديدة ابتكرتها بعض الصحف إما رغبة منها فى الهروب من مواجهة سياسية مع الحكومة،أو يقينها بأن التجارة بالدين على الصفحات الاولى ذات مردود مادى أفضل.

الصحافة إذ تصنع الفتنة، هذه قد تبدو إجابة على السؤال، ولكنها غير مكتملة إذا لم نشر إلى أن صحافة الفتنة نوعان.. الأول غير متعمد يسقط فى فخ غياب المعلومة وتضارب التصريحات وقلة وعى وتدريب قياداته وصحفييه، والثانى يفعلها مع سبق الإصرار والترصد سعيا خلف عنوان ساخن ورواج أكثر سخونة، خاصة وأن أقل ما توصف به العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر أنها علاقة "رزلة" لا رأس لها من قدم، تخضع لقوانين غير تلك القوانين التى تحكمنا أو التى نؤمن بها، فى الكتاب السماوى لكل منهما المزيد والمزيد من آيات وكلمات الحكمة والسماحة والغفران.. ومع ذلك تحمل الممارسات اليومية والحياتية بينهما أعنف أنواع سوء التفاهم وأقسى أنواع الكره والغضب، علاقة لا تعترف الدولة برزالتها وخطورتها وتنساق الصحافة خلف تفاصيلها دون أن تعى الأزمة المعترف بها من قبل ميكروفنات المساجد التى تعلو أصوات الخاطبين فيها بالدعاء على النصارى وتكفير غير المسلمين، مع أن الداعى يعلم يقينا أن بالشقة التى تعلو المسجد أسرة مسيحية تسكن.. أزمة تسجلها تلك العظات التى تتضمن المزيد من الغمز واللمز فى حق المسلمين كما تتضمن نفس عبارات التكفير لهم.

نحن إذن، أمام حالتين من التزوير وكل يفعلها على طريقته، الدولة تزور فى صورة تمتلئ بملامح مشوهة لتجميلها حتى تقول للناس إنها مسيطرة، والصحافة تزور فى الصورة بإضافة المزيد من التشويه حتى تصنع الإثارة، وبالتالى الانتشار وفى نفس الوقت تنتقم من الدولة التى تعاملها معاملة اللصوص عن طريق إظهار ضعفها وكذبها للناس.

Sunday, April 10, 2011

رسالة مفتوحة إلى كلّ المصريّين


د/ باسمة موسى
هذه رسالة هامة كتبها بعض البهائيين المصريين بعد جلسات مشورة طويلة لنعطى الى المصريين رؤيتنا فى تحقيق امل بلادنا فى نموذج يحتذى به وسط بلاد العالم  وفى ظل بعض مبادىء الدين البهائى الذى يتشارك به كل البهائيين فى كل العالم مع دولهم وحكوماتهم والمجتمع المدنى  واول هذه المبادىء وحدة العالم الانسانى كاطار عام يجب ان ندركه بان مصر جزء من العالم الكبير الذى يجب ان نتعاون معه من اجل صيانة الارض وحمايتها . ويندرج تحت هذا المبدا ايضا  مبادئ العدل والمشورة ومساواة الرجل والمراة واتفاق الدين والعلم واهمية التربية والتعليم والفرص المتكافئة  ومنع التمييز بين المصريين  وازالة الهوة بين الفقر المدقع والغنى الفاحش واقامة اقتصاد عالمى  يتشارك ولا يتضارب فيه مصالح الشعوب فى التمتع بكل ثروات الارض سويا . واليكم الرسالة وارجو ان تناقشونى فى مضامينها وماذا علينا ان نعمل سويا من اجل مصر الحبيبة:

أبريل 2011
رسالة مفتوحة إلى كلّ المصريّين
إخوتنا وأخواتنا في الوطن،
        لا شكّ أنّ أحداث الأشهر القليلة الماضية في مصر قد منحتنا، نحن المواطنين البهائيين، فرصةً لم نعهدها من قبل في أن نخاطب مباشرة إخوتنا وأخواتنا في الوطن. ومع قلّة عددنا، كان لنا حظّ الانتماء إلى هذا الوطن العزيز الذي دأبنا أن نعيش فيه منذ أكثر من قرنٍ من الزمان طبقاً لمبادئ ديننا وقِيَمه، باذلين جهدنا في خدمة بلدنا كمواطنين مخلصين. إنّها فرصة طالما تمنّيناها وفي أعماقنا شكر دفين لذلك العدد الغفير من أصحاب العقول المنصفة والنفوس المتعاطفة التي آزرتنا في جهودنا خلال السنوات القليلة الماضية في سبيل أن نحظى بقسط من المساواة أمام القانون. ففي هذا المنعطف الدقيق من تاريخ أمتنا، تغمرنا البهجة ونحن نرى أن باستطاعتنا أن نقدم إسهاماً متواضعاً في الحوار الدائر الآن فيما يخصّ مستقبل بلادنا، فنشارككم بشيء من وجهات نظرنا من منطلق خبرتنا كمواطنين مصريين وما لدى مجتمعاتنا البهائية في العالم من تجارب، طبقاً لما يستدعيه المضي قُدُماً نحو الازدهار الدائم مادياً وروحياً.
        مهما كان الدافع المباشر وراء هذا التغيير السريع الذي حدث، فإن نتائجه قد دلّلت على أُمنيتنا الجماعيّة، نحن شعب مصر كله، في أن نمارس قدراً أكبر من الحرية في التحكم بمصيرنا. إن ممارسة مثل هذه الحرية لم تكن مألوفة لنا لأننا حُرمنا في السابق من التمتع بهذا القدر منها. لقد علّمنا تاريخنا المشترك؛ كمصريين وعرب وأفارقة، بأن العالم زاخر بالقوى ذات المصالح الذاتية التي بامكانها أن تمنعنا من تقرير مصيرنا أو تدعونا إلى التخلي عن هذه المسؤولية طواعية. ثم إنّ الاستعمار والتّزمّت الديني والحُكْم التسلطي والاستبداد السافر، لعب كلٌّ دوره في الماضي، أمّا اليوم فلا تزال القوة "الألطف" للنظام الاستهلاكي وما يتبنّاه من انحطاط أخلاقي، لقادرة بالمثل على إعاقة تقدمنا بذريعة جعلنا أكثر تمتُّعًا بالحرية المنشودة.
        وكوننا كشعب واحد، اخترنا الانخراط بفعالية ونشاط في تحديد مسار أمتنا، فهو مؤشر شعبي عام بأن مجتمعنا المصري قد بلغ مرحلة جديدة في مسيرة تطوّره. فالبذرة المغروسة تنبت تدريجيًا وعضويًا وتتحول في مراحل نشوئها وتزيد قوتها حتى تبلغ حالة تعتبر فيها "ناضجة". وكذا المجتمعات الإنسانية تشترك معها في هذه السمة المميزة. ففي وقت من الأوقات تنمو مشاعر السخط وعدم الرضا عند شعب من الشعوب نتيجة منعه من المشاركة الكاملة في العمليات التي تقود مسار بلاده، وتصبح الرغبة طاغية لدى المواطنين في أن تتنازل السلطة عن مزيد من المسؤولية لهم في ادارة شؤون بلادهم. في هذا السياق، نرى أن الأحداث التي شهدتها مصر يمكن اعتبارها، في واقع الأمر تجاوباً لقوى تدفع بالجنس البشري قاطبة نحو نضوج أكبر وتكافل أعظم. وواحد من الأدلة الواضحة على أنّ البشرية سائرة في هذا الاتجاه هو أن أوجهًا من السلوك الإنساني الذي كان في الماضي القريب مقبولاً وتسبَّبَ في بعث روح النزاع والفساد والتمييز، نراه اليوم بعيوننا، وبشكل متزايد، يتناقض والقيم التي تسود في مجتمع العدل والإنصاف الذي ننشده. وعليه، أصبح الناس في كل مكان أكثر جرأة في رفض المواقف والأنظمة التي حالت دون تقدمهم نحو النضج.
        إن التقدم نحو حالة أعظم من النضج هي الآن ظاهرة عمّت العالم بأسره، ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن كل أمم الأرض وشعوبها تتقدم على هذا الدرب بسرعة متماثلة. فعند مرحلة معينة قد تتلاقى الظروف والأحوال القائمة آنذاك في لحظة تاريخية هامة حيث يمكن لمجتمع ما أن يعدّل من مساره بشكل أساسي. في أوقات كهذه يكون التعبير عن المشيئة الجماعية ذا أثر حاسم ومستدام بالنسبة لمستقبل البلاد. وقد بلغت مصر الآن مثل هذه اللحظة بالذات، وهي لحظة لا يمكن أن تدوم إلى الأبد.
        عند هذا المنعطف الدقيق، نجد أنفسنا إذاً أمام سؤال هام وخطير: ماذا نسعى إلى تحقيقه في هذه الفرصة التي سنحت وحصلنا عليها؟ ثم ما هي الخيارات المطروحة أمامنا؟ فهناك العديد من نماذج العيش المشترك معروضة أمامنا تدافع عنها وتناصرها جماعات من الناس مختلفة ولها اهتماماتها الخاصة. فالسؤال هنا: هل لنا أن نتّجه نحو إقامة مجتمع فرداني ومجزأ، حيث يشعر الكل فيه بأنهم أحرار في السعي في سبيل مصالحهم حتى ولو كان ذلك على حساب الصالح العام؟ هل سوف تستهوينا المغريات المادية الدنيوية وعنصرها الجاذب المؤثر والمتمثلة في النظام الاستهلاكي؟ هل سوف نختار نظامًا يتغذى على العصبية الدينية؟ وهل نحن على استعداد للسماح بقيام نخبة تحكمنا متناسية طموحاتنا الجماعية، لا بل وتسعى الى استغلال رغبتنا في التغيير واستبدالها بشيء آخر؟ أم هل سنسمح لمسيرة التغيير بأن تفقد زخمها وقوة اندفاعها فتتلاشى في خضم النزاعات الفئوية الصاخبة وتنهار تحت وطأة الجمود الإداري للمؤسسات القائمة وفقدانها القوة على المضي والاستمرار؟ وبالنظر إلى المنطقة العربية - وإلى خارجها في الواقع – من المنصف القول إنّ العالم، توّاق إلى العثور على نموذج ناجح بالاجماع لمجتمع جديرٌ محاكاته. ولذا لعله يكون من الأجدر بنا، في حال أثبت البحث عدم وجود نموذج قائم مُرْضٍ، أن نفكر في رسم نهج لمسار مختلف ونبرهن للشعوب بأن من الممكن فعلاً اعتماد نهج تقدمي حقيقي لتنظيم المجتمع. إنّ مكانة مصر الرفيعة في المنظومة الدولية - بما لها من تراث فكري، وتاريخ عريق وموقع جغرافي - يعني كل هذا بأن مصر إذا ما أقدمت على اختيار نموذج متنور لبناء مجتمعها، فلسوف تؤثر على مسار النمو والتطور الإنساني في المنطقة كلّها بل وعلى العالم بأسره.
        في أحيان كثيرة، يسفر التغيير الذي يتأتى عن الاحتجاج الشعبي عن خيبةٍ لبعض الآمال. والسبب في هذا ليس لأنّ الحركة التي ولّدت ذلك العامل الفاعل في التغيير والتحول تفتقر إلى الوحدة والاتحاد، بل في الحقيقة فإنّ أبرز خصائص هذا العامل الفاعل في ضمان نجاحه يتمثّل في قدرته على خلق الوحدة والاتحاد بين أناس تباينت مشاربهم واختلفت مصالحهم. أما خيبة الأمل هذه فتكون بالأحرى نتيجة إدراك أن اتحاد الناس في دفاعهم عن قضية مشتركة ضد أي وضع راهن أسهل بكثير من اتفاقهم على ما يجب أن يأخذ مكانه. لهذا السبب بات من الضروري جدًا أن نسعى جهدنا لتحقيق اجماع واسع في الرأي حول المبادئ والسياسات العاملة على ايجاد أنموذج جديد لمجتمعنا. وحالما يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق يصبح من المرجح جدًا أن السياسات التي ستتبع ستجتذب وتفوز بتأييد أفراد الشعب الذين تؤثر هذه السياسات على مجرى شؤونهم.
        إنه دافع طبيعي مُغْرٍ، ونحن نفكر كيف يمكن لأمتنا أن تُكمل مسيرتها، أن نبادر فورًا إلى استنباط الحلول العملية لمعالجة المظالم المُسلّم بها والمشكلات الاجتماعية المتعارف عليها. لكن، حتى ولو برزت أفكار جديرة بالاهتمام فإنّها لن تمثل في حدّ ذاتها رؤية ذات أثر فاعل في تحديد كيف نريد لبلدنا أن ينمو ويزدهر. فالميزة الرئيسة للمبدأ هي أنه إذا فاز بالدعم والتأييد فإنه يساعد على اتخاذ المواقف الايجابية، وبعث الفعالية المؤثرة والعزيمة القوية والطموح الناشط. فيسهّل ذلك في اكتشاف الخطوات العملية وطرق تنفيذها. ولكن يجدر بالمشتركين في أي نقاش حول المبادئ، أن يكونوا على استعداد لتخطّي مستوى الفكر التجريدي. ففي مرحلة صياغة الأفكار حولها قد يكون من السهل نسبيًا أن يتم الاتفاق على عدد من المبادئ التوجيهية، ولكنها لن تكون أكثر من شعارات جوفاء إذا لم نُخضِعها لفحص دقيق نستطلع فيه عواقبها المتشعبة وآثارها المختلفة. وينبغي لأيّة محاولة للتوصل إلى إجماع في الرأي أن تساعد على إجراء استطلاع فاحص للآثار الخاصة والأبعاد العميقة المترتبة على اعتماد أي مبدأ من هذه المبادئ بالنسبة لمقدّرات وطننا العزيز. وبهذه الروح اذًا يمكن لنا أن نعرض عليكم بكل تواضع ومحبة المبادئ التابع ذكرها.
        تبرز في أي مجتمع ناضج ميزة واحدة فوق كل الميزات الاخرى ألا وهي الاعتراف بوحدة الجنس البشري. فكم كان من حسن الطالع إذًا أنّ أكثر الذكريات رسوخًا في الذهن عن الأشهر القليلة الماضية ليست عن انقسامات دينية أو صراعات عرقية، وإنما عن خلافات نحّيت جانبًا من أجل قضيتنا المشتركة. فقدرتنا الفطرية، كشعب واحد، على الإدراك والإقرار بأننا كلنا في الحقيقة ننتمي إلى أسرة إنسانية واحدة خدمتنا جيدًا وأفادتنا. ومع ذلك فإن إقامة وتطوير المؤسسات والدوائر والبُنى الهيكليّة الاجتماعية التي تعزز مبدأ وحدة الجنس البشري تشكّل تحديًا كبيرًا بكل معنى الكلمة. إن هذا المبدأ القائل بوحدة العالم الإنساني البعيد كلّ البعد عن كونه تعبيرًا مبهمًا عن أملٍ زائفٍ، هو الذي يحدد طبيعة تلك العلاقات التي يجب أن تربط بين كل الدول والأمم وتشدها كأعضاء أسرة إنسانية واحدة. ويكمن أصل هذا المبدأ في الإقرار بأننا خلقنا جميعًا من عنصر واحد وبيد خالق واحد هو الله عزّ وجلّ. ولذا فإن ادّعاء فرد واحد أو قبيلة أو أمّة بالتعالي والتفوق على الغير ادّعاء باطل ليس له ما يبرره. فقبول مثل هذا المبدأ يستدعي تغييرًا شاملاً في بنية المجتمع المعاصر وتغييرًا ذا نتائج واسعة الأثر بعيدة المدى لكل وجه من أوجه حياتنا الجماعية. ويدعو هذا المبدأ، علاوة على ما يخلقه من آثار ونتائج اجتماعية، إلى إعادة النظر بدقة متفحصة في كل مواقفنا مع الآخرين وقيمنا وعلاقتنا معهم. فالهدف في نهاية الأمر هو إحياء الضمير الإنساني وتغييره. ولن يُستثنى أي واحدٍ منّا فيتفادى الانصياع لهذه المطالب الصارمة.
        إن النتائج المترتبة عن هذه الحقيقة الجوهرية - أي مبدأ وحدة العالم الإنساني- عميقة لدرجة أن مبادئ أخرى حيوية وضرورية لتطور مصر المستقبلي يمكن أن تستمدّ منها. ومن الأمثلة ذات الأهمية الأولى على ذلك هي مسألة المساواة بين الرجال والنساء. فهل هناك من أمر يعيق تقدم بلادنا العزيزة أكثر من الاستثناء المستمر للمرأة واستبعادها من المشاركة الكاملة في شؤون بلادنا. إن إصلاح الخلل في هذا التوازن سيقود بحدّ ذاته إلى إدخال اصلاحات وتحسينات في كل مجال من مجالات الحياة المصرية الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالإنسانية، مثلها مثل الطائر الذي لا يستطيع التحليق إذا كان أحد جناحيه أضعف من الآخر، فستظل قدرتها على السمو الى أعالي الاهداف المبتغاة معاقة جدًا ما دامت المرأة محرومة من الفرص المتاحة للرجل. فعندما تكون الامتيازات ذاتها متاحة ً للجنسين فإنهما سيرتقيان ويعود النفع على الجميع. ولكن مبدأ المساواة بين الجنسين يجلب معه، بالإضافة إلى الحقوق المدنية، سلوكًا يجب أن يطال البيت ومكان العمل وكل حيّزٍ اجتماعي ومجال سياسي وحتى العلاقات الدولية في نهاية المطاف.
        ولا يوجد مجال أجدر وأكثر عونًا في تحقيق المساواة بين الجنسين من التعليم الذي وجد أصلاً ليمكّن الرجال والنساء من كل الخلفيات الاجتماعية، من تحقيق كامل طاقاتهم وامكاناتهم الفطرية والمساهمة في رقي المجتمع وتقدّمه. وإذا كان لهذا الأمر أن يلقى النجاح، فلا بد من تقديم إعدادٍ وافٍ للفرد حتى يشارك في الحياة الاقتصادية للبلاد، ولكن لا بدّ للتعليم أيضًا أن يخلق بُعداً اخلاقياً متيناً. فينبغي على المدارس أن ترسّخ في أذهان الطلاب المسؤوليات المترتبة على كونهم مواطنين مصريين وتغرس في نفوسهم تلك المبادئ والقيم الداعية الى تحسين المجتمع ورعاية مصالح إخوانهم من بني البشر. ولا ينبغي السماح لأن يصبح التعليم وسيلة لبثّ الفرقة والكراهية تجاه الآخرين وغرسها في العقول البريئة. ويمكن بالأسلوب التربوي الصحيح أيضًا، أن يصبح التعليم أداة فاعلة لحماية أجيال المستقبل من آفة الفساد الخبيثة والتي ابتلينا بها وأصبحت واضحة المعالم في مصرنا اليوم. علاوة على ذلك فإن الحصول على التعليم الرسمي الأساسي يجب أن يكون في متناول الجميع بصورة شاملة دون أي تمييز قائم على الجنس أو العرق أو الإمكانات المادية. وستثبت التدابير التي سوف نتخذها للاستفادة من موارد بلادنا الحبيبة - تراثنا وزراعتنا وصناعتنا - بأنها تدابير عقيمة إذا نحن أهملنا أهم الموارد شأنًا، ألا وهي قدراتنا الروحية والفكرية التي أنعم بها علينا الله عزّ وجل. ولذا فإن وضع سلّم للأولويات في محاولة تحسين الوسائل التي نعلّم ونثقف بها أنفسنا لسوف يجني محصولاً وفيرًا في الأعوام القادمة.
        ومن الأمور ذات العلاقة بموضوع التربية والتعليم مسألة التفاعل بين العلم والدين، المصدرين التوأمين للبصيرة التي يمكن للبشرية الاعتماد عليهما في سعيها لتحقيق التقدم والرقي. ويتمتع المجتمع المصري ككلّ بنعمةٍ تتمثّل بأنه لا يفترض التعارض والتناقض بين العلم والدين، وهو مفهوم غير مألوف في أمكنة أخرى بكل أسف. فنحن بالفعل نملك تاريخاً يبعث على الاعتزاز من حيث الاعتماد على روح العقلانية والبحث العلمي - مما تمخّض عن نتائج تدعو إلى الإعجاب في مجالات نخصّ بالذكر منها الزراعة والطب - كما حافظنا على تراث ديني متين واحترام للقيم التي جاءت بها وأعلنتها أديان العالم الكبرى. فلا يوجد في هذه القيم ما يدفعنا إلى التفكير المنافي للعقل والمنطق أو ما يقودنا إلى التزمت والتعصب. فكل واحد منا، لا سيما جيلنا الصاعد، يمكنه أن يعي أن بالإمكان تشرّب الأفراد بالروحانية الصادقة بينما يجدّون بنشاط في سبيل التقدم المادي لشعبهم.
        لقد بارك الله أمّتنا بأعدادٍ غفيرةٍ من الشباب. فبعضنا لا يزال على مقاعد الدراسة، وبعض بدأ حياته المهنية أو العائلية، والبعض الآخر الذي ربما كان أكبر سنًا لا يزال يذكر ما كانت عليه الأمور عبر هذه المراحل من مراحل الحياة. إنّ إصلاح نظام التربية والتعليم سوف يؤدي الى قطع شوطٍ طويلٍ نحو ضمان تحقيق قدرات الجيل الصاعد في المساهمة في حياة المجتمع، غير أن هذا ليس كافيًا بحدّ ذاته، فلا بدّ من تعزيز الظروف بحيث تتضاعف فرص العمل بشكلٍ جاد ويتم تسخير المواهب، وتصبح امكانية التقدم على أساسٍ من الاستحقاق والجدارة لا التميّز والمحسوبية. وستتزايد مشاعر الإحباط وتتبدد الآمال اذا ما تمّ اعاقة جهود الشباب لتحسين ظروف العائلات والمجتمعات والأحياء بسبب استمرار آفة الفساد وعدم المساواة والاهمال. فطموحات الشباب السامية وتطلعاتهم العالية تمثّل ائتمانًا لا يملك المجتمع ككلّ - وحتى الدولة في الواقع - تجاهله اقتصادياً أو معنويًا.
        هذا لا يعني القول بأن الشباب بحاجة إلى التمتع بامتيازات خاصة، فمعظم الاستياء الذي عبّر عنه الشباب الراشدون في الأسابيع الماضية نابع من وعي حاد بأنهم يفتقرون إلى تساوي الفرص وليس أفضلية المعاملة. ويتضح جليًا من الأحوال التي يواجهها الشباب والكثيرون من أفراد مجتمعنا أن من بين المبادئ البارزة التي يجب أن تدفع سعينا إلى التجدد الذي نبتغيه، هو مبدأ العدل. فالمضامين البالغة الأثر لتطبيق هذا المبدأ وتبعاتها بعيدة المدى إنما هي في صميم القضايا التي يتحتم علينا كأُمّةٍ أن نتفق عليها. فمن تفاعل المبدأين الحيويين للعدالة ووحدة العالم الانساني تبرز حقيقةٌ هامةٌ وهي أنّ: كل فردٍ يأتي إلى هذا العالم إنما هو أمانةٌ على الجميع، وأن الموارد الجماعية المشتركة للجنس البشري يجب أن تتوسع وتمتد ليستفيد منها الكل وليس مجرد فئة محدودة. فالتغاضي عن مثل هذا الهدف وإهماله له آثاره المؤدية بالضرورة إلى زعزعة المجتمع، حيث أن التناقض المفرط القائم بين الفقر والثراء سيؤدي الى استفحال التوترات الاجتماعية القائمة ويثير الاضطرابات. إن التدابير المتخذة لتخفيف وطأة الفقر لا يمكنها أن تتجاهل وجود الثراء المفرط، فحين تتكدس الثروات الهائلة عند قلة من الناس، لا مفرّ للكثرة الغالبة من معاناة الفقر والعوز.
لعلّ قلّة من الناس ستعارض الجدوى الأساسية للمبادئ التي جرى بحثها في هذه الرسالة. ومع ذلك، فإن تطبيقها سيكون له تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية وشخصية عميقة تجعلها أكثر تحديًا مما قد تبدو في بداية الأمر. ولكن بغضّ النظر عن المبادئ التي سيتم تبنّيها، فإن قدرتها على ترك طابعها الخاص على مجتمعنا الناشئ سوف تعتمد إلى حدٍّ كبير على درجة تبنّينا نحن المصريين لها واعتمادها. فبقدر ما يتمّ تمكين الجميع من المشاركة في عملية التشاور التي تؤثر علينا حتّى نسلك الطريق لنصبح أسياد الموقف في تقرير مصير تطورنا الروحي والمادي فإننا سنتفادي مخاطر وقوع مجتمعنا في شَرَك أيّ نمطٍ من النماذج القائمة التي لا ترى أيّ جدوى من تمكين الناس وإطلاق طاقاتهم.
إنّ التحدي الماثل أمامنا إذًا هو في بدء عمليةٍ من الحوار والتشاور حول المبادئ التي سوف ترشدنا إلى إعادة بناء مجتمعنا وهي مهمة تحتاج إلى جهد ومثابرة. إنّ صياغة مجموعةٍ متجانسةٍ من المبادئ - من بين المفاهيم والتصورات المتباينة - لتنطوي على القوة الخلاّقة لتوحيد شعبنا لن تكون إنجازًا متواضعًا. وعلى كل حال، فإنّ بإمكاننا أن نكون واثقين بأنّ كلّ جهدٍ صادقٍ يُبذل لخدمة هذا الغرض سيُكافأ بسخاءٍ عن طريق إطلاق مقدارٍ جديد من تلك الطاقات البنّاءة النابعة من أنفسنا والتي يعتمد عليها مستقبلنا. وفي حوار وطني عريض القاعدة كهذا - يشترك فيه الناس على كلّ المستويات في القرى والمدن وفي الأحياء والبيت ليشمل جذور المجتمع ويجتذب كلّ مواطن مهتمّ - سيكون من الضرورة الحيوية القصوى ألاّ يتحول هذا الحوار سريعًا إلى نقاشٍ عن الجزئيات والمصالح الآنيّة، أو يُختصر هذا الحوار فيتحوّل إلى إبرام الصفقات وإصدار القرارت لتقاسم السُّلطة من قبل نخبةٍ جديدةٍ تدّعي بأنّها الحكم الفاصل في تقرير مصيرنا ومستقبلنا.
 إنّ المشاركة المستمرة لجماهير الشعب - وعلى نطاقٍ واسعٍ - في عملية التشاور هذه ستُقنع، إلى حدٍّ بعيد، المواطنين بأنّ صنّاع السياسة مخلصون في خلق مجتمعٍ عادل. ونظرًا لأن الفرصة متاحةٌ للمشاركة في هذه العملية، فإنّه سيتأكد لنا في صحوة وعينا الجديد بأننا نملك زمام مصيرنا وأننا ندرك معنى القوى الجماعية التي أصبحت مُلكنا فعلاً لتغيير أنفسنا.
إخوتكم وأخواتكم البهائيون في مصر

لماذا يفزع المسلمون إذا غير أحدهم دينه؟




 منذ عدة أيام اتصلت بى المُحامية نجلاء «كاترين» الإمام، من مخبئها فى مصر، لكى تبث همومها وفزعها، نتيجة ما يحدث لها من تهديدات، منذ أعلنت تغيير ديانتها من الإسلام إلى المسيحية. وكنت قد تابعت الضجة الإعلامية التى أحاطت بهذا الحدث.
كما كنت قد نوّهت بالفتوى الحكيمة للدكتور على جمعة، مُفتى الديار المصرية، «بجواز تغيير المسلم أو المسلمة دينه إلى دين آخر». وقد وردت تلك الفتوى فى مقال نشرته صحيفة الـ«واشنطن بوست» الأمريكية، واسعة الانتشار والتأثير.
وحسناً فعل فضيلة المُفتى، دفعاً عن الإسلام تهمة التزمت وضيق الأفق. وقد استند د.على جمعة فى فتواه إلى ما أقرّه الله سبحانه وتعالى فى مُحكم كتابه الكريم «لكم دينكم ولى دين».
ولكن يبدو أن سماحة الإسلام، التى جعلت منه أحد أعظم الأديان التى عرفتها البشرية، شىء وتزمت بعض المسلمين المُعاصرين شىء آخر. وقد عدت إلى صفحات تاريخ الإسلام والمسلمين، طوال الأربعة عشر قرناً الماضية، لعلى أجد تفسيراً لهذا التناقض بين صحيح الإسلام من ناحية وتزمت بعض المسلمين وتعصبهم ضد أبناء الديانات الأخرى من ناحية ثانية. وفيما يلى ما خلصت إليه من هذه القراءة التاريخية..
- أولاً، فى العصر النبوى، أى مع بداية الدعوة، حيث كان الرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، هو المُعلم الأول للدين الجديد، وهو القدوة فى مكارم الأخلاق، فإنه لم يحدث أبداً أن عوقب إنسان فى المدينة أو مكة لأنه تراجع أو ارتد عن إسلامه.
وكان بين من فعل ذلك بعض المسلمين الأوائل من الصحابة والمُهاجرين والأنصار. ولعل قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمُهتدين). «النحل ١٢٥» وأيضا قوله تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) قد نزل كمرشد للرسول للتعامل مع مثل هذا الموقف، قبل ١٤٠٠ سنة.
- ثانياً، كلما كان حُكّام المسلمين أكثر فهماً لدينهم وأكثر خشوعاً لربهم وأعدل فى الحكم بين الناس، كانت الرعية على دين ملوكها، أى أقرب للنموذج النبوى الأول فى التسامح ومكارم الأخلاق. وعاش غير المسلمين فى سلام وأمان فى دار الإسلام، بل ساهم غير المسلمين فى عمارة ديار المسلمين. وهم الذين علّموا المسلمين الأوائل، الذين أتوا من الجزيرة العربية، علوم وفنون العصر من الكيمياء إلى الفلك والطب والرياضيات.
وكان هذا التفاعل المُبكر بين العرب المسلمين وسكان البُلدان الأقدم حضارة مثل مصر وفارس والشام، هو الذى أنتج أرقى مدنية عرفتها البشرية بين القرنين السابع والثانى عشر الميلاديين.
- أصبحت المدن الإسلامية التى جسّمت هذا التقدم العُمرانى والحضارى مثل دمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وغرناطة وإشبيلية، مقصداً لكل طلاب العلم والمعرفة. ولم يكن هذا الازدهار الحضارى والمعرفى مُمكناً إلا لتوافر عاملين مهمين:
أولهما، مناخ الحُرية فى الفكر والاجتهاد.
ثانيهما، التسامح الدينى.
والواقع أن الحُرية والتسامح وجهان لنفس العملة، وهما معاً اللذان شجعا الخلق والإبداع والاجتهاد داخل المجتمعات الإسلامية نفسها، وشجّعا الآخرين من غير المسلمين على التواصل والإسهام مع نظرائهم من المبدعين والمجتهدين المسلمين. وما كان للفارابى، وابن حزم، وابن رشد، وابن خلدون، وغيرهم أن يظهروا ويُضيفوا للتراث الإنسانى ما أضافوه من إسهامات عبقرية فى كل الميادين إلا بسبب هذا المناخ المُتسامح دينياً وثقافياً واجتماعياً.
ومع تقهقر التسامح تقهقر الاجتهاد فى شؤون الدنيا والدين، وحل التخلف والضعف، حتى أصبحت دار الإسلام وشعوبها نهباً لكل الطامعين من خارجها.
وعودة إلى موضوع نجلاء «كاترين» الإمام، لماذا قامت قيامة عديد من المسلمين لمجرد قيام إنسانة بمُمارسة حق إنسانى ورخصة إلهية فى اختيار عقيدتها الدينية؟ فماذا يُضير الإسلام الذى صمد وازدهر ١٤ قرناً، أو المليار وثلث المليار مسلم إذا تركهم فرد أو مليون فرد؟
وهل العبرة هى بالكم «العدد» أم بالكيف؟ وهل توبيخ أو عقاب من يترك دينه هو الذى يحمى هذا الدين؟ وإذا كان العباد هم الذين سيُحاسبون بعضهم البعض فى حقوق الله، فماذا تركوا لله سُبحانه وتعالى فى الآخرة؟
ومن أبشع ما قرأت فى مُتابعتى لردود فعل بعض المسلمين المتزمتين، أحد المُعلمين فى مدرسة «الخليفة المأمون» الثانوية، الذى نذر أن يقتل نجلاء، عقاباً لها لمُمارسة حقها الإنسانى ورخصتها الإلهية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
وأستغرب أن يكون هذا الرجل مُعلماً وفى مدرسة تحمل اسم أحد أعظم الخلفاء العباسيين فى القرن الثانى الهجرى «التاسع الميلادى»، الذى كان راعياً ومُشجعاً للحُريات الفكرية والدينية. وفى عصره ازدهرت العقلانية والسجالات بين الفرق الدينية.
ولم يتسبب ذلك فى ضرر أو ضرار، لا للإسلام ولا للمسلمين، وأستغرب كيف يأمن أولياء الأمور أو وزير التربية على تلاميذ مدرسة «الخليفة المأمون» من أمثال هذا المدرس؟ فهو قدوة سيئة للنشء، وأمثاله هم الذين يزرعون التعصب، الذى هو الأب الشرعى للعنف والإرهاب.
كذلك ادعى بعض من هاجموا المُحامية نجلاء «كاترين» الإمام، أنها أعلنت عن تغيير دينها من أجل الفرقعة الإعلامية والشهرة. وحتى إذا كان ذلك صحيحاً، فإن تفويت الفرصة عليها يكون بتجاهلها، وتركها وشأنها.
وادعى آخرون أنها فعلت ما فعلت، لكى تهاجر وتطلب اللجوء السياسى بادعاء أنها مُضطهدة دينياً أو أن حياتها وأطفالها فى خطر. طبعاً، الله وحده يعلم ما فى قلب نجلاء، فهو وحده يعلم ما تُُخبئه الصدور. ولكن حتى بافتراض صحة هذا الادعاء، فهى حُرة، ومن حقها أن تخطط لحياتها ولأطفالها كيفما تريد.
وحينما سألتها عن موقف زوجها مما فعلته، صححت لى بأنها مُطلقة منذ أكثر من خمس سنوات، وأن مُطلقها لم ير أطفاله منها، ولم يرعهم طوال تلك المدة، وأنه انضم إلى قافلة من هاجموها فى الصحافة. ومع ذلك فهى تعلن أن من حقه أن يحتفظ بطفليهما إن أراد أن يرعاهما بنفسه، وأن يُبقيهما على دينه.
سألتها إن كانت حقيقة تفكر فى مُغادرة مصر إلى أرض أخرى أكثر أمناً وأماناً. قالت: (نعم، كما فعلت أنت يا دكتور سعد..
ولكن السُلطات المصرية صادرت جوازات سفرها وأولادها فى المطار، فعادت إلى مسكن جديد، على أمل ألا يعرفه أولئك المتربصون من أمثال مُدرس مدرسة «الخليفة المأمون»)!
منذ عدة سنوات، أثناء فترة سجنى فى طرة، قصدنى شاب فى عُمر نجلاء، وقال إنه يعلم أننى من المُدافعين عن حقوق الإنسان، وعن الأقليات، بما فيها الأقليات الدينية، وأنه لذلك يطلب مُساعدتى فى دفع الأذى الذى يتعرض له من إدارة السجن ومن زملائه فى العنبر رقم «٢».
وسألته ولماذا يتعرض لهذا الأذى المزدوج؟ أجاب، وفى عينيه دمعة محبوسة، «لأنه غيّر دينه من الإسلام إلى المسيحية».
قلت له، وأنا أشعر بحزن حقيقى، «إننى سجين مثلك، ولا أملك لنفسى أو لغيرى ضرراً أو نفعاً»، فليصبر، ما دام مؤمناً بما فعل، أو ليعد إلى دينه الأول، اتقاء للإيذاء.
قال إنه يُفضل الصمود للإيذاء على أن يتراجع عن قراره، وإنه سيصبر، وللصابرين الجنة! وسعدت بأنه تذكر معنى الآية الكريمة.
ولم يمر إلا أسبوع على هذا الحديث عبر القضبان، إلا وكانت بعض مُشكلات هذا الشاب السكندرى قد حُلت. وهو ما يحتاج إلى تفصيل فى مقال قادم. والله يتولى «نجلاء» كما تولى ذلك الشاب برحمته.

Friday, April 8, 2011

معبد ابن ميمون و كراهية الحكومة





عجيب جدا موقف بعض نواب مجلس الشعب من افتتاح معبد ابن ميمون بعد ترميمه بما يليق به كأثر تاريخى مصرى، فقد اعتبروا افتتاح المعبد خدمة لإسرائيل، أو مكافأة لليهود، ومضوا لآخر الشوط رابطين فى مفارقة مزيفة بين الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على المسجد الأقصى وبين افتتاح المعبد، وفى هذا خلط شنيع ومستفز للمواطن العادى المهموم بمصريته مثل اهتمامه بأكل العيش وتربية أبنائه .

أولا، هناك خلط فاضح بين اليهود كبشر واليهودية كديانة وبين قوات الاحتلال الإسرائيلى التى نجرم وندين ونقاوم جرائمها بحق إخواننا الفلسطينيين والعرب والمصريين أيضا.

ثانيا هناك هناك توظيف واستخدام انتهازى لترميم معبد ابن ميمون فى السيرك السياسى بين الحكومة والمعارضة، استنادا إلى الغضب الشعبى من الممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهنا لابد من وقفة وسؤال: هل يحق استخدام السيادة المصرية لتحقيق مكسب سياسى تافه؟

اعتبار بعض نواب الشعب أن كل الآثار المصرية اليهودية تابعة لإسرائيل أو أن لإسرائيل الحق فى الهيمنة الروحية والثقافية عليها اختراق خطير فى مفهوم السيادة المصرية كما يجب أن يكون مستقرا بالضرورة فى أذهان المواطنين والأخص ممثليهم فى البرلمان

ليس لأى بلد أجنبى أى حق أو موطئ قدم على ترابنا أو مقدساتنا أو آثارنا، ليس للسعودية مثلا أى حق فى مسجد عمرو بن العاص وليس للمغاربة أى حق فى الأزهر الشريف.

وفق هذا الفهم الخاطئ للسلطة الروحية لليهود فى إسرائيل، خدم النواب المذكورون من حيث لا يدرون غايات ومصالح إسرائيلية لم يكن يحلم بتحقيقها بنيامين نتانياهو أو أى سفير للدولة العبرية فى القاهرة، رغم أنهم وغيرهم من زعماء إسرائيل درجوا على إيهام العالم كله بأنهم مسئولون عن كل ما يتعلق باليهود فى العالم بدءا من أموال تعويضات ضحايا النازى وصولا لكل الآثار اليهودية فى العالم

يا عالم يا معارضة، يا إخوان اكرهوا الحكومة كما تشاءون وعارضوها كما تشاءون واعملوا على سقوطها كما تودون، فهى زائلة مثل الحكومات التى قبلها، لكن لا تخلطوا أبدا بين الحكومة كسلطة تنفيذية وأعمال السيادة المصرية، ومعبد ابن ميمون أثر مصرى يهودى مثله مثل جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة، لا يصح أن نلحقها بدولة أجنبية أيا كانت.

Saturday, April 2, 2011

فتنة كاميليا و خطأ الكنيسة


كتب: سعيد الشحات 



مخطئ من يظن أن الأزمة التى تفجرت على أثر شائعة اختطاف زوجة كاهن كنيسة فى المنيا لن تتكرر، ومخطئ من يتعامل مع انتهاء الأزمة بمبدأ «كفى الله المؤمنين شر القتال».

فى تفاصيل الأزمة مواقف غير مسؤولة لقلة من رجال دين أقباط، سارعوا بالحديث عن أن اختفاء الزوجة كاميليا شحاتة زاخر، زوجة الكاهن تداوس سمعان، جاء بغرض إشهار إسلامها، وأن هناك من قام بالضغط عليها لتغيير دينها، مما ترتب عليه توجه المئات من محافظة المنيا إلى مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية للتظاهر، وحمل المتظاهرون لافتات تحمل عبارات تحض على الفتنة مثل: «يا جمال قول للريس خطف بناتنا مش كويس»، و«يا كاميليا.. يا كاميليا.. إحنا وراكى لآخر الدنيا»، وحمل المتظاهرون هذه اللافتات وتعاملوا على أنهم فى موقعة ثأرية مع المسلمين، وأنه لا عودة إلى حيث جاءوا إلا وكاميليا معهم.

اختار المتظاهرون، واختار معهم رجال دين أقباط أسهل الطرق فى التعامل مع مثل هذه القضايا، وذلك باللعب على وتر الطائفية باستخراج أسهل الاتهامات، وهى أن مسلما هو المسؤول عما حدث، وبلغ التطرف حد إغلاق كنيسة دير مواس طوال أيام الاعتصامات التى تمت فى الكاتدرائية، ولما ظهرت الحقيقة وعادت الزوجة إلى زوجها، بعد أن تبين أنها كانت مختفية عند إحدى صديقاتها بالقاهرة، وأنها أقدمت على فعلتها نتيجة خلافات مادية مع زوجها، عاد المعتصمون تحرسهم الرعاية الأمنية، وتحرسهم نداءات مثل التهدئة وأشياء أخرى.

وإذا كانت التصريحات التى خرجت من الكنيسة بعد العثور على الزوجة تتحدث عن أن البابا شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كان يتابع الموضوع من حيث مقر وجوده هذه الأيام فى أمريكا، وأنه كان يعلم أن الزوجة مختفية وليست مختطفة، فإن هذا الكلام يسىء للبابا ولا يدافع عنه، مع التقدير والاحترام الشديدين له، فمادام كان يعرف الحقيقة فلماذا لم يصدر أوامره بصرف المعتصمين بتوضيح الحقائق مبكرا لهم؟.

وقد يقول قائل إن البابا حرص على وجود المعتصمين داخل الكاتدرائية، حتى يكون غضبهم تحت السيطرة، بدلا من انفلاتهم فى الشارع، والحقيقة أن هذا كلام مغلوط، فأيام الغضب التى عاشها المعتصمون كانت محط أنظار القنوات الفضائية مما أدى إلى تأجيج النعرة الطائفية بين المسلمين والأقباط، وكان من السهل أن تؤدى إلى كوارث حقيقية.

ما حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام، فمظاهرة داخل الكاتدرائية ضد مسلمين، قد تقابلها مظاهرة فى مسجد ضد مسيحيين، ووقتها سنجد وطنا ممزقا بين المسجد والكنيسة بفعل تصرفات غير مسؤولة من غاضبين يشجعهم - وبكل أسف - رجال دين.