Friday, April 22, 2011

الدين ليس ديكتاتورية




كتب: شريف حافظ


يتندر الكثيرون دوماً بسماحة الإسلام ورحمته وأمنه وأمانه وهو الأمر الذى أؤمن به بشدة. ويتناول النص القُرآنى محاورات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مع من يريدون إقناعهم وليس إخضاعهم، بالدين. ولم يتناول النص القرآنى أبداً الرسل، عليهم الصلاة والسلام، بطريقة تبدو وكأنهم كانوا يفرضون، ولكن يناقشون ويضحدون بالحجة.

أى أن الإقناع كان دوماً يتم بالعقل. ولو أن رجلا جاء بمائة دليل من السنة يقول بغير ذلك، لن أُصدقه، لأن النص القرآنى واضح وله قُدسية فوق أى قُدسية فى القرآن الكريم. ويُبين هذا النص، كيف يُمكن للمُسلم أن يختلف مع من لا يقتنع بكلامه، بعد عقلانية حوار، فيقول الله عز وجل، آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم فى رجاء صريح لا يقبل الجدل:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وقد قال الله عز وجل أيضاً:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"، أى أن من لا يفعل ذلك، يتبع أهواءه وأهواء الشيطان!

وبعد أن يرى المرء نفس هؤلاء الناس الذين يتندرون بحرية النقاش فى الإسلام ورُقيه، تجدهم يتعرضون للمختلفين عنهم بأفظع الألفاظ والأوصاف، فى أسلوب يتنافر ويختلف تماماً مع الآيات السابقة الذكر. وهو الأمر الذى يُشكل ترهيباً، أكثر منه ترغيباً فى دين الله. فما إن يختلف معهم أحد، إذا بهم يشهرون ألسنتهم عليه، وينادونه بما ليس به، ولا يتناقشون معه، مُرغبين إياه حتى فى الإسلام، إن كان ليس مسلما، أو مؤلفين قلبه لدين الله، حتى أصبحوا أداة تنفير عن الدين وليس آداة ترغيب فيه.

ووصم الإسلام بهم وبعجرفتهم بدلاً من أن يوصف بسماحة الرعيل الأول كعامل جذب لدين الله. وتجد أُناسا فى الغرب، عندما تتكلم معهم عن الإسلام، يقولون لك، ألم يقُل الشيخ فلان، كذا وكذا، ويكون ما قاله منافياً تماماً مع آداب الحوار والحديث المُهذب مع غير المؤمنين، فلا تملك إلا أن تؤكد على النص القرآنى، فيرد عليك محاورك قائلاً، "ما الدين إلا القائمون عليه!" ويتوقف النقاش، لأن التمادى فيه يضر ولا يفيد!

والمُلاحظة التى لا يُمكن أن نتجنبها هى، أن حجم الهجوم على الإسلام، يتزايد ولا يتناقص. هذا، رغم أن الكثيرين يُدافعون عن الإسلام ليل نهار، ولكن هل يريد الله دفاعاً عن دينه؟ أم تطبيقاً صحيحاً له فى إطار المُمكن؟ ألا يكون من الأفضل أن نُطبق الدين بشكلٍ مُتسامح، بدلاً من أن نُسىء إليه فنسب من يتعرض له؟ يقول الله عز وجل: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"، وبالتالى، فإن من يسب من يسب الإسلام، يمضى وفقاً لهواه ولا يتخذ من أمر الله منبراً ونبراساً، وهو يستعدى العالم على الإسلام والمسلمين بفعله هذا.

وقد بين الله لنا منهاجاً فى كيفية الرد على الجاهلين وصنوفهم، عندما قال عز وجل:"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما"، وأيضاً، "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"، وأيضاً صرح الله بالحض على العمل وعدم ابتغاء الجاهلين والإعراض عن لغو الكلام، عندما قال: "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ".

ولكن الكثيرين لا يهمهم إلا اللغو والتعرض لغير المؤمنين بالإسلام بالسب واللعن، فى معصية صريحة لله عز وجل، وتعارضاً مع دينه الحنيف، مما يجعل الآخر يتمادى فى غيه ضد الإسلام. فهل يجوز هذا؟ وكيف يكون هؤلاء شيوخاً ولا يتصرفون وفقاً لأوامر المولى عز وجل؟ أم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"!
إن الدين ليس ديكتاتورية ولكنه إقناع ونقاش وحوار عقل.

وقد أمر الله رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين". وأجد أن أغلب الشيوخ لا يُشاورننا فى أمورنا ويعزم وحده فقط، وهو أمر غريب حقاً ممن يُدين بدين الله، بل ويعمل فى حقل الدعوة له.

وترى الناس ينفضون من حول الدين نتيجة فظاظة الدُعاة واللجوء إلى ما هو غير عقلانى والسب واللعن لمن هو دون المسلمين والدعوة على غير المسلم فى صلاة الجمعة بما لا يليق، مما يستتبعه تهجم هؤلاء على الإسلام بما يتنافى بجوهر رسالته. إن دُعاة الإسلام، يجب وأن يكونوا القدوة التى تُظهر تسامح الدين وليس ديكتاتورية لا تكمن فيه، فى حال كانوا يدعون لله حقاً، فإن كانوا يدعون للشيطان، فليظلوا على ما هم فيه من سبٍ صريح لمن لا يؤمن بما يؤمنون به!.

كلمة أخيرة: لا يوجد على وجه الأرض مرادف للإسلام، غير القرآن ولا تقديس لإنسان أياً كان، ويكفى ما قاله الله عز وجل مُتحدثاً لرسوله الكريم: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ"، فلا تقديس لإنسان غير الله، إلا لمن أشرك بالله!

No comments:

Post a Comment