Friday, August 26, 2011

العنف الطائفى فى عامين



عنوان هذا المقال يحمله تقرير دراسي جاد ومهم صدر هذا الشهر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية-برنامج حرية الدين والمعتقد- وهي إحدي منظمات المجتمع المدني التي دأبت علي مراقبة ورصد حالة الحريات عموما والحريات الدينية خصوصا في مجتمعنا، وإصدار تقارير ربع سنوية تسجل الواقع وما يعتريه من تجاوزات وخلل علي جميع المستويات الشعبية والدينية والرسمية.

التقرير يقدم دراسة شجاعة تسلط الضوء علي تردي الاستقرار والسلام الاجتماعي في معظم محافظات مصر نتيجة لاستفحال أحداث العنف الطائفي،وهو الأمر الذي يستدعي من الذاكرة شهادة الدكتور أحمد كمال أبو المجد -النائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان- الذي قال: إن من أكثر الأمور مدعاة للقلق تقارب أحداث العنف الطائفي زمنيا من بعضها البعض بشكل غير مسبوق،كما أن التقرير يتفق مع تقييم الدكتور كمال أبو المجد في أن إنكار الأجهزة المعنية في الدول لوجود المشكلة يؤدي إلي عدم مواجهتها بجدية وصرامة مما يؤدي إلي تفاقمها.

لست أدري إذا كان هذا التقرير المهم سوف يجد طريقه إلي سائر المسئولين في الدولة، أو إذا وجد طريقه إليهم سوف يعطونه ما يستحقه من الدراسة، وماذا سيفعلون بتوصياته؟...كل هذه الأسئلة لا أجد لها إجابات واضحة، وأعترف أن الخبرة السابقة لا تنظر بتفاؤل إزاء ذلك، لأنه منذ تقرير لجنة العطيفي عام1972 في مهد الأحداث الطائفية دأبت المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الدولة علي تجاهل مواجهة الواقع المختل المريض بالعلاج والإصلاح الواجب واكتفت بإنكاره والتعتيم عليه وتركته يتفشي حتي أصبح سمة كريهة من سمات مجتمعنا...لذلك كله سوف أستعرض في هذا المقال - وفي مقالات أخري تتبعه - مضمون هذا التقرير، لأن من حق الرأي العام أن يعرفه، ومن واجب مؤسسات كثيرة في الدولة أن تستشعر مسئولياتها تجاهه.

يبدأ التقرير برصد الوتيرة المتسارعة لأحداث العنف الطائفي في العامين الأخيرين، ومدي انتشار هذه الأحداث في ربوع مصر،ثم يقدم تحليلاً لأنماط هذا العنف قبل أن ينتقل إلي جزئية شائكة علي درجة عالية من الخطورة وهي كيفية تعامل الدولة في تلك الأحداث،وأخيراً يخلص التقرير إلي بلورة سبل العلاج بالإجابة عن سؤال: من أين يبدأ الحل؟ مع وضع توصيات محددة موجهة إلي الحكومة المصرية.

فإذا بدأنا جولتنا التفصيلية مع التقرير نجده يضع مصر ضمن كثير من المجتمعات التي تتشكل من أفراد وجماعات يعتقدون في عقائد دينية مختلفة،وبينما تمتلك شريحة كبيرة من هذه المجتمعات القدرة علي التعايش مع هذا الاختلاف والتنوع والبناء عليه واستثماره لصالح إثراء الحياة العامة،تبقي شريحة أخري منها عاجزة عن التعايش مع الاختلاف وغير قادرة علي إدارة التنوع الكامن في قواها البشرية.ويؤدي ذلك القصور في الشريحة الثانية إلي إفراز الصراعات وما يتبعها من مظاهر العنف الطائفي بين الأفراد والمجموعات الطائفية المختلفة،وهذه الحالة عينها التي تشهدها مصر والتي تطورت سلبياً لأن تأخذ وتيرة متسارعة في الأعوام الأخيرة، خاصة في ظل غياب التدخل السليم من قبل الدولة،وبناء عليه بات من المحتم أن يعي المجتمع المصري أنه يواجه خطراً حقيقياً يهدد بتحوله إلي طوائف منعزلة ومستقطبة ويدفع به نحو التفتت.

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن التعامل مع هذا الملف يتطلب إرادة سياسية واعية وعملاً جاداً دءوبا من جميع سلطات الدولة، وبمشاركة فعالة من المجتمع المدني،نجد أن الكثير من السلطات التشريعية والتنفيذية والأمنية تنكر وجود العنف الطائفي أصلاً وهي نقيصة خطيرة، يجب أن تتخلص منها تلك السلطات التي تنزع في مقابل ذلك إلي التهوين من أمر المشكلة والاستخفاف بها وإظهار درجة غريبة من قصر النظر إزاء التعامل معها تصل إلي حد التنصل من المسئولية تماما.

يسجل التقرير أن مصر شهدت منذ يناير 2008 وحتي يناير هذا العام 35حادثة عنف أو توتر ذي طابع طائفي،أي بمعدل يتجاوز قليلاً حادثتين شهرياً، وكانت 71 محافظة من محافظات مصر الـ 29 مسرحاً لهذه الحوادث التي كانت جميعها من مسلمين تجاه مسيحيين باستثناء حادثة واحدة شهدت عنفا موجها من مسلمين تجاه بهائيين...والجدير بالملاحظة أن التقرير يسجل أن نسبة غير قليلة من تلك الحوادث وقعت في أيام الجمعة وعقب صلاة الجمعة للمسلمين تحديداً، وتأتي بعد ذلك أيام الآحاد...وأن النسبة الأكبر من المتورطين فيها هي للذكور من الشباب والمراهقين.

ينتقل التقرير بعد ذلك إلي تحليل أنماط العنف الطائفي، فيذكر النمط الأول: لحوادث الانتقام الجماعي الذي يستهدف أتباع ديانة معينة في منطقة بأكملها، ويقرر أن الغالبية العظمي لتلك العمليات كانت من مسلمين تجاه مسيحيين،وأن فكرة الانتقام الجماعي تقوم علي سريان قناعة غير عقلانية تلقي علي جميع المسيحيين في منطقة ما بالمسئولية عن فعل منسوب لشخص واحد، لمجرد أن هذا الشخص مسيحي، ودون وجود أدني علاقة بين المجموعة المنتقم منها وبين هذا الشخص...أما النمط الثاني: لحوادث الانتقام فيرتبط بممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية بالصلاة سواء ارتبط ذلك ببناء كنيسة جديدة، أو توسعة كنيسة قائمة، أو محاولة تحويل مبني إلي كنيسة، أو محاولة الصلاة في أحد المباني أو المنازل...والاعتراض علي ذلك لم يكن مقصوراً علي المسلمين في الجوار، بل امتد إلي ممثلي الدولة الذين يرفضون تجمع المسيحيين للصلاة في أحد المنازل، ويقومون بإلقاء القبض علي المصلين والتحقيق معهم،وقد كان هذا المسلك من جانب ممثلي الدولة هو العامل المشجع للمسلمين علي إعلان احتجاجهم ورفضهم إقامة المسيحيين لصلواتهم، إذ يشعر المسلمون في هذا الموقف أنهم في خندق واحد مع السلطة والدولة!! وفي هذا الصدد رصد التقرير حالات تورط فيها ضباط الشرطة في عمليات تحريض المسلمين ضد وجود مبني لصلاة المسيحيين في الجوار، وكانت أجهزة الأمن علي أثر ما يندلع من توتر نتيجة ذلك، تسارع بإغلاق المبني وتضع عليه حراسة دائمة لضمان عدم تكرار الصلاة فيه!!ولا يخلو الأمر في هذا الخصوص من رصد حالات عديدة تدخلت فيها أجهزة الإدارة المحلية بالتعاون مع السلطة الأمنية لمنع مسيحيين من بناء أو استكمال بناء منازل أو عقارات علي أراضيهم بدعوي شكوك تلك الأجهزة أن النية مبيتة لتحويل المبني إلي كنيسة....هذا بالإضافة إلي الحالات المألوفة من تدخل الأجهزة عينها لمنع المسيحيين من ترميم كنائس قائمة ومرخصة، أو حتي طلب إزالة الصلبان من عليها بزعم عدم تهديد السلام الاجتماعي وتلافي إثارة المسلمين!! ليس هذان النمطان هما الوحيدان ضمن أنماط العنف الطائفي.. وإلي حلقة مقبلة استكمل فيها استعراض هذا التقرير الخطير.

No comments:

Post a Comment