Friday, August 19, 2011

يوميات" قبطي".. من البلاااااااادي




على مدى شهرين وأنا لا أتابع أي شئ بعيداً عن الثورة ولا أكتب في شئ بعيداً عن الثورة.. تخلصت من حالة الإدمان التي لم أستطع العلاج منها على مدى تجاوز 40 عاماً وهي الذهاب ثلاث مرات أسبوعياً إلى دور العرض السينمائية.. قبل أسبوع واحد فقط عدت مرة أخرى لتعاطي الأفلام في دور العرض بجرعات أقل من المعتاد إلا أنني لم أكتب شيئاً عنها دائماً لدي شئ يلح علي في الكتابة له علاقة مباشرة بثورة 25 يناير!!

في مساء ذلك اليوم أقصد 25 يناير كنت عائداً ليلاً من ميدان التحرير مع أول صرخة "لا" ضد فساد عهد "مبارك" ذهبت من حي المنيل حيث أقطن إلى ميدان التحرير سيراً على الأقدام وكذلك كانت عودتي وأنا في طريقي للمنزل ألقيت نظرة على استعلامات "روزاليوسف" صحيح أنا في إجازة بدون مرتب من المجلة  طوال السنوات الخمس الأخيرة ولكن دائماً ما يرسل لي بعض الأصدقاء الدعوات والكتب على "روز اليوسف" كل من يريد أن يترك لي شيئاً يذهب إلى محل إقامتى الوظيفي القديم ووجدت ظرف به كتاب من الصحفي الزميل "فيليب فكري" الكتاب عنوانه "يوميات قبطي ساخر" وتتصدره هذه العبارة "أنا من البلااااادى".. لم ارتح إلى العنوان هل هناك مسلم ساخر وقبطي ساخر ودرزي ساخر أم أن السخرية لا دين لها وجدت في اختيار العنوان قدرا لا ينكر من الطائفية.. نشبت حالة عداء بيني وبين العنوان ورغم ذلك فان السبب الحقيقي لامتناعي عن القراءة  هو أنني لا أميل إلى التعامل مع أي حدث  بعيداً عن الثورة التي يوم أن شاهدت بواكير ساعاتها الأولى أيقنت أننا بصدد ثورة حقيقية لم أوقن من نجاحها ولكنى تأكدت من صدقها.. نحيت الكتاب جانباً مع عدد آخر من الكتب التي أرسلها لي بعض الأصدقاء.. قبل أيام قليلة عاودني شعور جارف بضرورة القراءة وجدت كتاب "أنا من البلاااادى" لا يزال يتحداني بتلك النظرة التي لها مذاق طائفي أرفضه لأن الإحساس بالوطن ينبغي أن يسبق الإحساس بالدين.. الوطنية لا تعني أن تنحي جانباً مشاعرك الدينية ولا أن تصبح بديلاً عنها ولكن يظل الوطن هو الانتماء الذي يحتوينا جميعاً وبعد ذلك تصلي يوم الأحد في الكنيسة أو الجمعة في الجامع هذه هي قناعتك وإرادتك الشخصية!!

أخذت الكتاب بقدر لا ينكر من عدم الاكتراث ثم قلت لقد أكدت ثورة 25 يناير أن المسلم والمسيحي اكتشفا أن الدولة هي التي رسخت بذور الطائفية وأحالت المواطن المصري إلى مسلم أولاً أو مسيحي أولاً وليس "فيليب" هو المسئول عن تلك المشاعر.. بدأت في القراءة التي تسمح لي بحكم الخبرة أن أحكم على الكاتب من المقدمة.. قراءة بها قدر لا ينكر من الريبة والتشكك ولكني وجدت أن البداية ينطبق عليها هذا التعبير اللغوي "براعة الاستهلال" حيث كتب "مقدمة الطبعة رقم 18" والكتاب لم يوزع نسخة واحدة.. تابعت كل فصول الكتاب على مدى ثلاث ساعات وأنا في حالة من النشوة والسعادة بمولد كاتب ساخر يمزج عالمه كما وصفه بالمختلف بأحداث بها لا شك قدراً من الخيال فهو يعتبر كونه قبطياً فإنه من وجهة نظر البعض مختلفاً وفى نظر البعض الآخر يستحق الرثاء ليتغلب على تلك المعاناة التي وضعتها الأقدار رغماً عنه في طريقه هو مضطهد من أغلبية مسلمة مع الأخذ في الاعتبار أن قلة من المسلمين تعامله باعتباره مصري أولاً!!

لم ينس أبداً حصة الدين التي أجبروه خلالها على أن يحفظ آيات قرآنية.. لم ينس أيضاً تعنت أستاذة اللغة العربية الصارمة ولا أستاذة الدين بينما الأستاذ "حسين" مدرس الرسم والذي يبدو من اسمه أنه مسلم كان يمنحه الدرجات النهائية وشجعه على أن يتقدم لمسابقة الرسم على مستوى مصر وكيف أنه انتظر الجائزة الأولى ومنحوه الثانية لأنه قبطي وتساءلوا كيف يحصل على جائزة عن القدس طالب مسيحي رغم أن القدس للأديان الثلاثة فهي المدينة التي وصفها المخرج الأمريكي "ريدللى سكوت" في فيلمه الشهير بأنها "مملكة الجنة" التي يتوجه كل عباد الله إليها في العالم ورغم ذلك صارت هي عنوان الحروب والصراعات.. ودفع "فيليب" الثمن وأُبعد عن نيل الجائزة الأولى.. ربما ما ذكره "فيليب" هو الحقيقة وربما كانت هذه هي ما اعتقد أنه الحقيقة.. أحياناً الإحساس بالاضطهاد الديني يجعلنا نفسر كل شئ سلبي يلم بنا بإحساس طائفي.. أتذكر أن المذيع الشهير"أسامة منير" حكى انه قبل نحو 20 عاماً تقدم إلى لجنة الاستماع في الإذاعة لاعتماده كمطرب ورفضته اللجنة.. اعتقد للوهلة الأولى أن الملحن الراحل "عبد العظيم محمد" والذي كان يلحن العديد من الأغنيات الدينية هو الذي ساهم في رسوبه لأسباب متعلقة بكونه قبطي وكتب "أسامة" زجلاً يسخر فيه من رسوبه بسبب ديانته قائلاً "إذا كنت موريس أو جريس من حقي أركب الأتوبيس".. نجح هذا المذيع وصار أشهر إعلامي في كل الإذاعات المصرية خاصة وعامة وأعاد مفهوم المذيع النجم الذي اندثر.. فهل كان "عبد العظيم" طائفياً عندما رفض صوته كمطرب أم أنه بالفعل لا يصلح والدليل أنه بعد أن بات مذيعاً ذائع الصيت لم يفكر في أن ينتج شريطاً غنائياً يؤكد من خلاله أحقيته بأن يعتلي أيضاً عرش الغناء.. أحياناً يصبح التفسير الطائفي هو المسيطر علينا مسلمين كنا أو أقباط وهو ليس بالضرورة التفسير الصائب دائماً!!

"فيليب" اكتشفت من خلال الكتاب أنه عاشق متيم بالسينما ولكنه عاتب على فيلم "بحب السيما" الذي قدم لأول مرة شخصيات قبطية في أدوار البطولة.. لديه إحساس أن الفيلم جرح طائفته الأرثوذكسية ربما لحساب الطائفة الإنجيلية التي ينتمي إليها كاتب الفيلم "هاني فوزي".. رأيي أن "بحب السيما" للمخرج "أسامة فوزي" هو أول فيلم مصري نرى فيه عائلات قبطية من دم ولحم ولا يقدم القبطي باعتباره مصرياً مختلفاً كما تعودت الدراما التي تتناول عادة الأقباط حيث تشعر بقدر من الحساسية يغلف الدراما ورغم ذلك فإن من حق الأقباط أن يشعروا بقدر من الحساسية الزائدة.. أتفهم كل ذلك وإن كنت أرى أن المثقف الساخر كان من الممكن أن يتجاوز تلك الأحاسيس التي تبدو وكأنها تضع أوراق من السوليفان على الأقباط!!

يبقى أجمل فصول الكتاب وهو يتناول علاقته بالمرأة سواء كانت مسلمة أو مسيحية ويبدو فيها تأثره بفيلم "حسن ومرقص" وتلك المفارقات التي رأيناها عند إعلان الأبناء ديانة كل منهما ويبقى الفصل الأخير الذي لم يكتب وهو علاقة "فيليب فكرى" بثورة 25 يناير وهذا المشهد الذي رأينا فيه الأقباط يتحوطون حول المسلمين لحمايتهم أثناء صلاة الجمعة في ميدان التحرير ورأينا المسلمون يتحولون إلى دروع بشرية لحماية الكنائس بعد حالة الانفلات الأمني.. إنه فصل أتطلع بشغف أن أقرأه في طبعة الكتاب رقم 19 على اعتبار أن الطبعة الأولى كانت تحمل رقم 18!!

No comments:

Post a Comment