Friday, November 19, 2010

عن النقاب و الحجاب




كتب: سلامه احمد سلامه




 أرادت سيدة ألمانية من أصول تركية رشحها الحزب الديمقراطى المسيحى لمنصب وزير التعليم، أن تكون أكثر التزاما بتنفيذ القانون الذى يقضى بعدم استخدام الرموز والعلامات الدينية فى المدارس والأماكن العامة، بهدف الحد من انتشار ظاهرة الحجاب والنقاب وتغليب الروح المدنية، فأعلنت أنها ستنفذ القانون بكل صرامة. ولن تسمح بوضع الصلبان فى فصول الدراسة كنوع من العدالة المطلقة..

ولكن كم كانت دهشتها حين فوجئت بثورة عارمة من حزبها الذى ترأسه المستشارة أنجيلا ميركيل. التى وجهت لوما شديدا إلى الوزيرة التى لم تكن قد تسلمت منصبها. وقالت ميركيل إن هناك فرقا بين الصليب والحجاب!! وأن الصليب المعلق على جدران المدارس ليس رمزا دينيا ولكنه رمز ثقافى تاريخى. واضطرت الوزيرة إلى التراجع وسحبت تصريحها على الرغم من التأييد الواسع الذى حصلت عليه من أحزاب المعارضة وشخصيات نافذة.

ما نريد أن نستخصله من هذه الواقعة هو أن المبالغة فى التدين لا تقل ضررا عن المبالغة فى اللا تدين. وأن مشكلة «النقاب» الذى انتقل من المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات أوروبية مثلما كان مع الحجاب (غطاء الرأس فقط) قد تحول فى نظر معظم المجتمعات الأوروبية من عادة ذات بعد ثقافى دينى إلى تمييز سياسى واجتماعى تعبيرا عن موقف تتخذه الفئات المهاجرة. وتستغله الأحزاب اليمينية الفاشية كوسيلة لإشعال أزمات سياسية متفجرة. لعبت أخيرا دورا فى إسقاط حكومة ائتلافية فى بلجيكا. وكانت سببا فى استصدار تشريع على وجه السرعة يمنع الظهور فى الأماكن العامة وفى الأوراق الرسمية والثبوتية بالنقاب ويفرض غرامة وعقوبة بالحبس على مخالفة القانون.

غير أن فرنسا من بين الدول الأوروبية هى التى تقود بحماس شديد معركة النقاب بعد معركة الحجاب. ومن الواضح أن ساركوزى الذى لا يكف عن الجرى فى كل اتجاه، منذ انخفضت شعبيته لدرجة أن نحو ثلثى الشعب الفرنسى يعارضون إعادة ترشيحه للرياسة فى انتخابات 2012، هو الذى يحاول أن يتخذ من قضية النقاب وسيلة لكسب تأييد اليمين الفرنسى والقوى الرجعية.

وتجرى حاليا فى فرنسا مناقشة تشريع لمكافحة لبس النقاب فى الأماكن العامة، فى الأسواق والشوارع والمحال التجارية وفرض غرامة تصل إلى 15 ألف يورو والسجن لمن يفرض ارتداءه على امرأة، وهكذا أصبحت فرنسا من حيث لا تدرى هى الوجه الآخر لإيران.

وقد عارض مجلس الدولة الفرنسى هذا التشريع واقترح اقتصار القانون على إلزام المرأة بكشف وجهها فى الأماكن العامة التى تتطلب التعرف على الشخصية مثل المطارات والبنوك ووسائل النقل العام.

فى أوروبا تنتقل عدوى النقاب والحجاب بسرعة، حيث تستخدم الفوارق التمييزية التى تتولد فى الأغلب عن كراهية الأجانب كأداة لصهر المجتمع فى بوتقة واحدة، لخدمة أهداف وسياسات خارجية مثل تبرير الحرب الأوروبية فى أفغانستان والتهيؤ لضرب إيران.

ومع ذلك فلن يتوقف زحف المشكلة.. فقد عبرت البحر المتوسط إلى الجزائر. التى نشبت فيها أزمة بسبب قانون أصدرته الحكومة بمنع ارتداء الحجاب والنقاب فى وثائق السفر والبطاقات الشخصية. وزاد عليها إلزام الرجال بأن يكونوا حليقى الذقن. وفى شوارع الجزائر ظهرت لافتات احتجاج من الرجال طبعا تقول: «لن أحلق ذقنى». وهكذا تحولت قضية الحجاب والنقاب إلى مشكلة للرجال أيضا!!

No comments:

Post a Comment