Friday, November 5, 2010

أبنو المسجد فى مكان اخر




كتب: سلامه احمد سلامه


لا أظن أن تدخل الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتأييد بناء مسجد ومركز إسلامى قريب من موقع مركز التجارة العالمى فى نيويورك، الذى دمرته هجمات إرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر كان قرارا حصيفا وصائبا من جوانب مختلفة..

فعلى الرغم من أنه استند فى ذلك إلى مبدأ الدفاع عن حرية الاعتقاد والعبادة فى أمريكا ودافع عن حق المسلمين فى ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أن توابع القرار السياسية وما يمكن أن تثيره من حملات الحقد والكراهية ضد المسلمين سوف تكون أشد وطأة من المغزى الرمزى لهذا القرار.

فقد جاء قرار أوباما فى خضم عاصفة من الجدل اجتاحت الرأى العام الأمريكى، ورأت أغلبية منهم أن إقامة مسجد على مقربة من المكان الذى ذهب فيه نحو ثلاثة آلاف أمريكى ضحية لعمل إرهابى دبره مسلمون، سوف تظل تذكارا ورمزا لجريمة يصعب نسيانها ومحوها من الذاكرة.

ومما يدل على حساسية القضية حملات الإعلانات واللافتات والمظاهرات، التى حاولت إقناع محافظ نيويورك بعدم الموافقة. ولكن بلومبرج عمدة المدينة لم يأبه لهذه الاعتراضات. وبلومبرج هذا يهودى معروف بولائه لإسرائيل. ولسبب غير مفهوم سكت الرئيس أوباما فى البداية عن اتخاذ موقف ثم خرج عن صمته ودافع عن قرار بناء المركز الإسلامى المسمى «بيت قرطبة» من ناحية المبدأ.

ثم تراجع خطوتين إلى الوراء ليوضح أنه لم يدافع عن الحكمة فى اختيار الموقع، ولكنه قصد الدفاع عن حرية الأديان. وكان ذلك فى الكلمة التى ألقاها فى إفطار رمضانى فى البيت الأبيض. وهو تقليد سبقه إليه عدد من الرؤساء الأمريكيين من بينهم بوش.

فى هذه الظروف لم يكن الجانب المسلم هو الأكثر إلحاحا فى الدعوة إلى بناء المسجد، الذى يضم مركزا ثقافيا واجتماعيا. ولا يبدو أن أغلبية من المسلمين كانت تريد بناء المسجد فى هذه البقعة بالذات أو إقامة مركز دينى يتحدى مشاعر المعارضين وأقارب الضحايا الذين ظلوا يتظاهرون طوال عدة أسابيع. ولكن يبدو أن عمدة نيويورك وجهات أخرى دافعت عن الفكرة واحتضنتها لأسباب انتخابية، حيث تحيط شكوك كثيرة بقرارات اتخذت كان مردودها سلبيا على بلومبرج.

وعندما أدلى أوباما بدلوه فى القضية لم يكن هناك ما يدعو إلى خوض معركة ضد معارضيه بسببها. وربما لم يدرك أوباما حتى الآن أن تدهور العلاقات بينه وبين العالم الإسلامى لا يعود إلى مواقفه ضد الإرهاب، ولا إلى مشاعر الازدراء والكراهية التى بثها بوش والمحيطون به، بل تعود إلى تقاعس أوباما وتخلفه عن اتخاذ موقف متوازن لإنصاف الفلسطينيين، وإلى انحيازه الكامل لإسرائيل بدرجة لم يكن أحد يتوقعها. وقد اتخذت إدارته حتى الآن مواقف متراجعة. وقدمت وعودا لم تفِ بها.

وساعدت المتطرفين الإسرائيليين على التنصل من أى التزامات دولية تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. وفى هذا فإن تأييده لبناء مسجد فى نيويورك وحديثه عن حق المسلمين فى ممارسة عباداتهم بحرية كاملة لا تعنى شيئا فى النهاية. لأن حرية العبادة وحرية الاعتقاد لا تكون مكفولة إلا لشعب تحترم فيه سائر حقوق الإنسان.

مثل هذه الإشارات العابرة فى مواقف عابرة، لإرضاء عامة المسلمين، برع فيها أوباما عندما ألقى خطبته «العصماء» فى جامعة القاهرة، متخمة بالوعود والنوايا الحسنة، التى كان يعلم أنها لن تنفذ.. عندما أكد رفضه لمبدأ الاستيطان ثم طالب بتجميد المستوطنات ثم لم يفعل. وها هو يمسك أبومازن من عرقوبه تحت التهديد ليجبره على مفاوضات مع إسرائيل دون مرجعية وبدون جدول أعمال.

وفى رأيى أن الأجدر بمسلمى نيويورك أن يبنوا مسجدهم فى مكان آخر بعيدا عن المن والأذى الأمريكى.. وقد بدأت جماعات إسلامية عديدة تشكو بالفعل من تنامى روح العداء فى أمريكا ضدهم، مع تنامى اتجاهات اليمين الصهيونى سياسيا!

No comments:

Post a Comment