Saturday, June 26, 2010

مصرنا المصرية



داليا زيادة
نشرت لأول مرة عام 2006

منذ وجدت الأديان على الأرض وجد أعداؤها، أولئك الذين احترفوا لعبة استفزاز مشاعر الآخرين من خلال التهكم على دينهم و معتقدهم، لكن يبدو الأمر أكثر غرابة عندما نرى جماعات كتلك التي ظهرت مؤخراً تحفز كل أصحاب دين للانتقام من أصحاب الدين الآخر وتحفز مشاعر الكراهية لديهم على أساس الاختلاف الديني لا أكثر و حتى أحيانا تحل مقاطعة وإهدار دماء من يؤمنون بمذاهب غير مذاهبهم، متناسين أننا جميعا ننتمي لأرض واحدة أو فلنقل أم واحدة هي مصرنا وأب واحد أيضاً هو تاريخنا المشترك. ويؤسفني أكثر من ذلك أن أرى مثل هذه التصرفات لا تحدث في مكان غير أرض أختارها الله لنشر رسالته والوحي إلى أنبياءه الكرام (عليهم جميعا السلام).

ولعل ما أثير من شغب وآراء واهية حول الرغبة المشروعة لإخواننا المصريين البهائيين في إعلان ديانتهم في بطاقات الهوية الخاصة بهم قد سبب لي أرق شخصي، و لكنها أيضا فتحت أعيني وأعيننا جميعاً على تعنت بعض الذين يدعون كونهم محبي مصر، أي مصر التي يتحدثون عنها؟ مصر المسيحية أم مصر الإسلامية أم مصر البهائية، فأنا لم أعرف أن أي من هذه هي مصر، لأن الأرض التي أحتضنتي و تربيت في كنفها هي أرض مصر "المصرية" مصر التي يعيش فيها كل المصريين بغض النظر عن الديانة أو العرق. مصر التي يكون فيها الجميع متساو في الحقوق و الواجبات.

أعتقد أني – ومثلي كثيرون - نموذجا مثاليا أفرزته مصر المصرية التي أعرفها، فأنا من أسرة متوسطة أعتنق الدين الإسلامي و فخورة به، مثلي مثل جيران لي يعتنقون الدين المسيحي و فخورين به أيضا، تشكلت أفكاري و مبادئي في الحياة من شيخي المسلم وأستاذي المسيحي معا، والطريف أني توحدت أكثر مع الأخير (أستاذي المسيحي) حتى صرت أفكر بطريقته و استشهد بنصوص من كلماته واحتفظ بكتبه وكتاباته هكذا ببساطة دون أن أؤثر على معتقده الديني أو العكس، هذه هي الحياة في مصر “المصرية” و هذا ما دفعني لأن أندهش حين أثيرت قضية البهائيين في مصر، منذ متى و نحن نحدد طريقة معاملتنا مع الأخر على أساس الدين الذي يعتنقه؟ منذ متى و نحن – معشر المسلمين – نحل إهدار دماء من يخالفوننا في العقيدة؟

أذكر أني تعرفت طوال حياتي على زميلات كثيرات طوال سنوات الدراسة وفي العمل. ولم يحدث في مرة أن سألت إحدانا الأخرى عن ديانتها لتقرر إذا ما كانت تستحق أن تصاحبها أم لا، وأذكر أيضا أني ساعدت كثيرين و طلبت المساعدة من كثيرين دون أن أفكر ودون أن يفكروا هم أيضا إن كنت أنتمي لنفس الطائفة التي ينتمون إليها أم لا! وأذكر أيضا جدتي وجارتها المسيحية، امرأتان عظيمتان، أعطونا دروسا في التسامح الديني دون أن يشعرا، فكعادة أهل المناطق الشعبية كانا يتشاركان في كل شيء (كعك العيد: عيدنا و عيدهم، تربية الأولاد، دردشات أخر الليل، الساعات المحببة أمام التلفاز، النزهات،الأفراح، المأتم، كل شيء حتى أدق تفاصيل الحياة اليومية).

و كلما تذكرت أأسف كل الأسف على ما آل له الحال اليوم. فمنذ فترة لا بأس بها وأنا أرى الجميع قد أعلن الحرب على الجميع، بعض محترفي استفزاز المشاعر من المسيحيين أسسوا قناة فضائية كل همها سب المسلمين و الإسلام، و أمثالهم من مشيعي الكراهية من المسلمين راحوا يكفرون المسيحيين و يلقنون أبناءهم دروسا في كيفية تحاشي التعامل مع المسيحيين، و المؤسف أن يصل الأمر إلى منابر المساجد والكنائس، فبدلا من أن تصبح أماكن للوعظ وإرشاد الناس إلى طريق ربهم، صارت أماكن لتعليم الناس الكيفية التي يكرهون بها بعضهم البعض و تمنيهم بأحلام الخلاص والنجاة والفوز بالجنة الموعودة في نفس اللحظة!

قال لي زميل مؤمن جدا بأفكار الإخوان الـمسلمين أن مصر لن ينصلح حالها قبل أن نطهرها – نحن المسلمون – ممن دنسوها وكان يقصد هنا أصحاب الديانات الأخرى بوجه عام و أصحاب الدين المسيحي على وجه الخصوص، ثم تقمص شخصية أفلاطون وأستطرد في حديث طويل حول صورة مصر الإسلامية، شيء أشبه بأسطورة المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون في يوم من الأيام و لم تتعدى كونها مجرد حلم مستحيل، هي فقط أسطورة ولن تتحقق وليس لنا حتى الحق في التفكير فيها، نسي زميلي أن "المدنسين" الذين يتحدث عنهم هم أيضا مصريين مثله، وجميعهم أتوا إلى أرض مصر قبله، أي أن مصر كانت في يوما من الأيام أرضا لليهود ومن بعدهم المسيحين ثم المسلمين. قلت له هذه الكلمات فاتهمني بعدم الأيمان و الوفاء لديني و مداهنة "الكفار"!!!

أنا لا أكتب لأشكو حالة صارت واضحة كوضوح الشمس و لكني أكتب كمن يفكر مع نفسه بصوت عال، أكتب لأبحث مع قلمي عن بعض الأفكار التي كنت قد تناقشت فيها مع أستاذي المسيحي بينما كنا نتحدث بالأمس عن نفس المشكلة، وكعادته دفعني للتفكير بشكل عملي، فأنا وهو نكره كثرة الكلمات ونحب الأفعال. قال لي أستاذي جملة عبقرية أعتقد أنها هي الحل الأمثل لما نعانيه الآن. قال لي: "من منا – نحن البشر – قادر على تحديد من هو على صواب ومن هو على خطأ؟ فقط في الآخرة (يوم الحساب) سنتقابل لنعرف من كان على صواب ومن كان على خطأ والله وحده هو من سيحاسبنا. أحب هذا الرجل و شبه مغرمة بأفكاره، و لم أشعر يوما في أي حرج في التعامل معه بسبب اختلاف عقائدنا الدينية، لم أفكر يوماً قبل أن أتلقى العلم على يده إن كان مسلما أم مسيحيا، كل ما يحكم علاقتنا هو أنه إنسان و أني إنسان، وفي رأيي أن هذا هو الحل، أي أن نتعامل جميعا مع بعضنا البعض من منطلق أن كل منا إنسان، له مطلق الحرية في أن يحيا حياته كما يحب هو و ليس كما أحب أنا، هذا هو الحال الذي يجب أن تكون عليه مصر "المصرية" مصر أم المصريين و ليست أم المسلمين فقط أو المسيحيين فقط أو اليهود فقط أو البهائيين فقط أو ….. أو …… أو……. اختلافنا و تنوعنا نعمة من الله فرجاءا ألا نضيعها حتى لا تلاحقنا اللعنات.

No comments:

Post a Comment