Friday, September 30, 2011

نبذ جميع التعصبات... فكلنا أهل




يلزم العالم الآن تغييرا جذريا فى مفهوم التعصب الذى لا طائل له إلا خلق الضغينة والعناد وقد حان الأوان لنبذ جميع أنواع التعصبات على أى خلفية كانت فكلنا أهل لأننا من أم واحدة وأب واحد والله سبحانه تعالى علّمنا أننا جميعا أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد فلنرفع هذا الشعار ونعلمه لأولادنا من بعدنا حتى يحفظهم من نار التعصب والبغض والكراهية بين البشر، لابد أن نعلم أولادنا أن المنافسة الإيجابية والروحانية التى تهدف إلى الامتياز فى جميع الأمور مع تمنى الخير للآخرين هى المنافسة المحمودة والمطلوب الحفاظ عليها.

وعليه فان نبذ التعصبات بأنواعها هو الطريق الوحيد الذى يجب على الإنسان أن يسلكه ويعمل به إذا أراد أن يحيى حياة سعيدة مزدهرة حيث جاء الوقت لأن يندمج التعصب الوطنى أو السياسى والمحدود فى أهدافه وآماله ضمن الوطنية العمومية الكبرى التى يكون فيها الوطن عبارة عن العالم أجمع، لذا فإن القبول بمبدأ وحدة العالم الإنسانى يرمى بكل معانيه إلى محو التعصبات كافة سواء جنسية أو عرقية أو وطنية أو طبقية أو لونية أو لغوية لأنها جميعا هادمة لبنيان العالم الإنسانى وكيانه وجالبة لشقائه وبلائه، وكانت تلك التعصبات البغيضة سببا فى اشتداد روح العداء والبغضاء بين الأمم والشعوب على مر الأزمنة والعصور وكانت هى العامل الرئيسى فى الحروب والمنازعات.

إن ما حدث من تعصب وكل أحداث العنف والتعصب فى حدث رياضى هو حدث بعيد كل البعد عن أعراف الرياضة الراقية، فأولا وأخيرا كلنا أهل ومهما اختلفنا لا يمكن أن ننسى أن بيننا أنساب وأعراف ومحبة فوق كل شىء. فكلنا أبناء وطن واحد نفرح لفرح الآخرين ونرعى شعور الحزانى منا، فالله جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ولا نتناحر فالرياضة هى مرآة لامعة صافية لقدرات رياضية للشعوب فالأفضل تدريبا هو الذى سوف يفوز، ولكن الامتياز بين البشر قائم على أساس الأخلاق والفضائل والمحبة والمعرفة وليس على أساس نسبته إلى الشرق والغرب، وما حدث لعبت فيه أجهزة الإعلام دورا كبيرا فى إدارة هذه الأزمة وكان عليهم أن ينقلوا الصورة الحقيقية بعد التحرى الدقيق عن الحقيقة وينبغى لمحرريها أن تكون أنفسهم منزهة عن أغراض النفس والهوى ومزينة بطراز العدل والإنصاف وعدم اختلاق القصص الغير الحقيقية وأن يتحلوا بالحكمة فيما ينشر. 

وأتمنى كما تجمعنا لمؤازرة فريقنا القومى بطاقة حب كبيرة فيجب أن نستثمر هذه الطاقة ونحولها إلى طاقة إيجابية لتطوير مجتمعنا ويجب أن نلتف حول المشكلات الحقيقية التى تواجه مجتمعنا فنحن شعب نستحق أن نفرح ونستطيع أيضا أن نشارك يد بيد فى حملة لحماية ما يخص صحة أولادنا وأسرنا والذى نحن بحاجة إليه الآن قبل دخول الشتاء، الحملة هى لرفع القمامة من الشوارع والميادين وعدم إلقاء غيرها مع وضع خزائن جديدة للقمامة بالشوارع وهى التى ستقلل الإصابة بكل الأمراض وليس فقط أنفلونزا الخنازير، فتحلل القمامة بالشوارع واستنشاقها يوميا يؤثر على أجهزة المناعة لدى أطفالنا وشبابنا ونحن جميعا، بل وعلى المدى البعيد يحدث خلل بالبيئة التى نعيش فيها، فيا أبناء وبنات بلدى الكرام تجمعوا والتفوا لخدمة الشعب بكل المحبة .

(يا أهل العالم كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد أن اسلكوا سلوكا فى غاية المحبة والاتحاد والمودة والاتفاق قسما بشمس الحقيقة أن نور الاتفاق ينير الآفاق) .

Friday, September 23, 2011

أزرع حب تجنى سلام




"لو نزرع حب نجنى السلام".. كلمات بسيطة لأغنية رقيقة للفنانة اللبنانية الشابة نانسى عجرم، تتمنى فيها السلام للعالم أهديها لكل الأطفال بمناسبة عيد الطفولة الذى تحتفل مصر به بمناسبة الإعلان العالمى للطفل فى العشرين من نوفمبر من كل عام.

يحتفل أطفالنا مع أطفال العالم بأعياد الطفولة والتى من المفترض فيها أن يتم تقديم أفضل الخدمات الثقافية والاجتماعية والفنية لهم، كل عام وأنتم بخير وحب وسلام.

أتمنى فى العام الجديد أن تزداد الأيادى المرفوعة بالسلام، وأن تزداد الدعوات لإنهاء الحروب وإطلاق حمام السلام وزرع أغصان الزيتون، كل عام وأنتم أمل بكره لمصر، كل عام وأحلم أن أراكم غير متعصبين لا يدخل قلوبكم الصغيرة البريئة أى لمحة تمييز ضد بعضكم البعض، أحلم أن تتشابك أيديكم النضرة بالأمل والوحدة والتعاون والعمل المشترك، أحلم أن أراكم متسامحين مع بعضكم البعض ومع المجتمع حولكم، أحلم أن أرى مصر بكم أم الدنيا تحوى الغريب قبل القريب، كل عام ومصر والعالم بخير.

أمنياتى أن نرى كل طفل وطفلة بمدرستهم يتعلمون ويدرسون ويبتكرون ويخترعون وأيضاً يلهون ويلعبون، ولا نرى أى طفل أو طفلة يهدر من أى منهما حق التعليم، أن أرى كل الأطفال يأخذون ما يحتاجونه فى الغذاء والدواء، وألا نرى طفل بالشارع بلا مأوى يمزقه الجوع والعوز، وأن تتجمع القلوب الكبيرة وأعمال الخير لتوفير حياة آمنة للأطفال وأن نمسح دموع كل عيون الأطفال وألا يحرم أى طفل من طفولته، وألا تسرق منه أحلامه البريئة. 

أن دور الأسرة كبير لأنها اللبنة الأولى للبيئة التى يتربى فيها الأطفال، فالتربية من الصغر على التسامح ومحبة الآخرين دروس يجب أن تتعلمها الأسر حتى تسقيها فى آذان وعيون الطفل قولاً وعملاً سواء فى التعامل داخل أو خارج المنزل، التربية فى عدم التفرقة بين الولد والبنت هى الأساس لمجتمع جيد يبنى على المشاركة لا على قهر جنس على آخر، والنقطة المهمة التى على الوالدين الاهتمام بها هى تعليم الأطفال الحفاظ على البيئة الطبيعية التى نعيش فيها كما كان أجدادنا الفراعنة يعلموننا، فلا نلوث ماء النيل ولا نمنع جريانه ولا نفرط فى قطرات الماء التى تأتينا عبر رحلة طويلة من التنقية والتقطير تتكلف ملايين الجنيهات، ولذا علينا أن نحافظ على نقطة المياه، وألا نلقى بالقمامة فى قارعة الطريق، ولا نقطع الورود والأشجار التى تقوم بتنقة الهواء ليصل لرئة أطفالنا غير ملوث فتنمو أجسادهم وعقولهم بطريقة صحية فتزدهر أفكارهم ويكثر عطاؤهم للمجتمع.

أما دور المؤسسات التعليمة هى خلق جو من التعاون والتعاضد بين التلاميذ غير قائم على المنافسة، لأن الأهم أن نتعلم كيف نتعايش سوياً أولاً ثم يأتى أى شىء بعد ذلك من العلوم. وأن تحتوى المناهج التعليمية على مواد تعزز قيم التنوع والاختلاف واحترام الآخر لكى ينشأ الأطفال على التعايش السلمى بين أفراد المجتمع العالمى، الذى حتماً سيشاركونه فى كل شىء فى مستقبل أيامهم، وأن تقدم لهم كتب جيدة بها رسومات تعزز هذا المفهوم، فدور الصورة فى المرحلة العمرية الصغيرة يصل بسرعة إلى عقول الأطفال الذين تجذبهم ألوانها أسرع من أى موضوعات أو كتابات، وأن تشمل الصور أيضاً صوراً تعزز مساواة الجنسين ودورهم التكاملى فى بناء الأسرة والمجتمع، خاصة أهمية تعليم الفتاة لتكون فاعلة فى المجتمع. وألا تقتصر رسومات الكتب الدراسية على أبطال من الذكور، فهذا كان من الممكن ألا نتحدث فيه فى السابق، حيث لم تكن المرأة تعمل، أما الآن يجب تصحيح الصورة وأن نتماشى مع أحداث التاريخ، بل يجب تغييرها إلى الوجود الحقيقى للمرأة كمنتج ومشارك فاعل فى كل المراكز الخدمية بالمجتمع وأولها مجال التعليم والطب والهندسة والقضاء والمحاماة والمجتمع المدنى والفن وغيرها من كل صور العطاء الإنسانى. 

وأخيراً لكم منى كل الحب يا أطفال مصر وكل عام وأنتم فى سلام.

Friday, September 16, 2011

المواطنة... فى مرحلة المخاض؟!




ما يدور علي الساحة في الشهرين الماضيين عقب انفجار جريمة نجع حمادي يصح أن يوصف بالحراك المجتمعي الصحي الذي يضع معيار المواطنة في مرحلة المخاض بما قد يفضي إلي ميلاد واقع جديد لصالح مستقبل هذا البلد...فبعد مرحلة البيانات والتقارير التي تلت نجع حمادي وتولت تعرية الواقع الحالي جاءت مرحلة المظاهرات الشعبية والوقفات الاحتجاجية حيث علت الأصوات ورُفعت اللافتات تطالب بالتغيير... وقبل أن يتبلور كل ذلك في رؤي واضحة باغتتنا الوتيرة المتسارعة للأحداث لتؤكد أننا لسنا أمام مشكلة قبطية فقط إنما هي باقة من المشاكل المجتمعية المتراكمة التي يتحتم مواجهتها وعدم تركها مسكوتا عنها، فمن وزير جديد للتعليم تنعقد عليه الآمال في التصدي لأخطر جراحة مطلوبة لاستئصال داء عضال استشري في العملية التعليمية، إلي مجلس قومي معدل لحقوق الإنسان عليه مواصلة مسيرة الدفاع عن الإنسان المصري في مجالات كثيرة، إلي قنبلة يفجرها مجلس الدولة عكس كل التوقعات يعيد بها المرأة المصرية إلي عصر الحريم، بالرغم من كل ديباجات التجميل التي استخدمت لتمرير تلك الانتكاسة.

في خضم كل هذه العواصف المتلاحقة يتحرك المجتمع بمختلف مستوياته ومؤسساته ومنابره متفاعلا معها-وهذا ما وصفته بالحراك المجتمعي الصحي-سعيا وراء المصارحة والمواجهة ووضع روشتة العلاج، ولعل من أخطر الملامح التي برزت من خلال تشريح بواعث هذه العواصف، طائفية كانت أو تعليمية أو حقوقية أو قضائية، ملمح الهوس الديني الذي اجتاح هذا المجتمع وبعثر الكثير من إرثه الحضاري والتنويري وعبث برصيده التقدمي والعقلي حتي نجح في تغييب حلم المشروع القومي الذي طالما ربط بين أبنائه وصنع منهم وبهم النسيج المتين لرقي هذا الوطن.

المتابع تيارات الفكر والقلم وموجات المنابر الإعلامية والمؤتمرات الوطنية التي لا تنقطع كرد فعل لواقعنا الحالي وما تطرحه من رصد وتقييم لهذا الواقع وسبل الفكاك منه،لا يمكن أن يفوته إدراك أننا نقف في مفترق طرق تاريخي وعلينا أن نختار أي اتجاه نمضي فيه... هل نستمر علي ما نحن عليه من الارتماء في أحضان الدولة الدينية فعلا مع الإصرار علي إنكار ذلك قولا، أم نعيد رسم أسس الدولة المدنية بتوافق شعبي وبقواعد قوية واضحة لمشروع قومي جديد قوامه المواطنة التي تستوعب وتحمي التعددية والتنوع والاختلاف وتكفل الحريات والحقوق والمساواة؟

وإذ أقول «مفترق طرق تاريخي» أدرك أننا لا نملك ترف الانتظار أو التمهل،فها نحن علي أبواب انتخابات تشريعية جديدة قبل نهاية هذا العام سوف تطلق في غضون أشهر قليلة حمي الترشيحات والشعارات وسوف تساهم إلي حد كبير بمن تأتي بهم إلي مجلسنا التشريعي في تشكيل الصورة التي سيكون عليها مجتمعنا وتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنوات خمس مقبلة... وهذه بالقطع مسئولية وطنية مخيفة علي عاتق كل منا لنحسم أمرنا في أي اتجاه نمضي.

لو وقفت لأدقق وأحلل كل ما يقال ويكتب في هذه الآونة عن واقعنا وجوانب الخلل فيه وكيفية إصلاحه سأتمزق بين ما أتفق معه وبين ما أختلف حوله، وسوف أستنزف نفسي في العثور علي رؤية تتطابق بكاملها مع ما أتطلع إليه-وهذا حالنا جميعا- لكن يجب أن ندرك أنه جاء الوقت لحسم اختيارنا الرئيسي ومن أجله يلزم الاجتهاد في رصد ما يجمعنا ونتفق عليه ويستحق الائتلاف في سبيل تحقيقه بدلا من رصد ما نختلف حوله ونفشل في حسمه.

أري أن المواطنة تمر بمرحلة مخاض...مخاض مرتبط بمستقبل هذا الوطن...مخاض مرهون باختيارنا بين الدولة الدينية وبين الدولة المدنية.

> عملا ًبحق الرد

بتاريخ 29نوفمبر الماضي كتبت مقالا بعنوان «الفكر الأصولي المتطرف يمرح في شوارعنا» استعرضت فيه حالة من حالات الخطاب الصادر عن ميكروفون المسجد وما يحمله من هجوم علي الأقباط وعقيدتهم، وكانت تلك الحالة فحوي رسالة وصلتني من أحد القراء من مدينة طهطا بمحافظة سوهاج...مرت الشهور ودخل مكتبي شاب معمم قدم نفسه علي أنه إمام هذا المسجد وأنه متضرر ومتألم من الاتهامات التي وجهت إليه من خلال الرسالة المعروضة، ودلل علي أنها اتهامات غير صادقة بقوله: إن جميع الأقباط في ناحية المسجد يعرفونني تمام المعرفة ويعرفون اعتدالي وتربطني بهم صداقات قوية... وهنا قلت له: هذا دليل عظيم علي أنني أخطأت في حقك، لماذا لا تدعو بعض هؤلاء الأقباط للكتابة لي بهذا المضمون وسوف أنشره فورا لأنه سيكون أفضل رد اعتبار لك؟... لكنه تلعثم وتلكأ وقال: هذا سوف يقتضي وقتا طويلا وأفضل أن تقوم أنت بالتنويه عن براءتي في مقالك عملا بحق الرد... وهنا فهمت المغزي من مجيئه ووعدته بنشر هذا الرد... ومن هنا أوجه الدعوة للأقباط في الناحية للكتابة لي حول هذا الأمر وأعدهم بنشر ما يرد لي.

Friday, September 9, 2011

العنف الطائفى فى عامين (3)




أصل اليوم إلي الحلقة الثالثة والأخيرة من عرض تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول «العنف الطائفي في عامين» حيث يتبقي ملف واحد مهم في مجال دراسة الواقع قبل الخوض في الهدف الأهم من التقرير وهو بلورة رؤية لكيفية التصدي للواقع نحو علاجه.
آخر ملفات رصد جوانب الواقع فيما يخص حوادث العنف الطائفي يسلط الضوء علي موقف القانون والعدالة والسلطة القضائية من هذه الحوادث، حيث يؤكد التقرير حقيقة صادمة، فيسجل أن استبعاد القضاء من النظر في هذه الحوادث هو النمط الثابت في تعامل الدولة معها، إذ أن الأجهزة الأمنية دائماً ما تحاول الحيلولة دون إحالة الحوادث إلي النيابة العامة للتحقيق فيها، فتبدأ مساومة أطراف النزاع والضغط عليهم بشأن التصالح في مقار الشرطة، وذلك في الحوادث البسيطة. أما في حالة الحوادث الجسيمة التي يصعب التكتم عليها فتسمح أجهزة الأمن بعرضها علي النيابة العامة التي تباشر تحقيقاتها، لكن في نفس الوقت تستمر تلك الأجهزة في تكثيف ضغوطها علي الجناة والمجني عليهم بهدف إنهاء التحقيقات بالتصالح... وفي هذا السياق يحرص التقرير علي تكرار التأكيد علي عدم جواز التصالح قانوناً في جرائم إحراق المنازل والمنشآت والاعتداء علي دور العبادة، ولا يجوز التنازل عن الجريمة من طرف المجني عليهم لأنه يظل دائما هناك حق المجتمع في القصاص من الجاني أو الجناة فيها.
ومن الأمور الصادمة أيضاً ما جاء في التقرير من أنه في العديد من جرائم العنف الطائفي يفشل محققو النيابة في التوصل إلي الجناة، ويرجع ذلك إلي ضعف قدرات القائمين علي التحقيقات، حيث تظهر الحوادث القليلة للغاية التي تم عرضها علي المحاكم أن المحققين فيها لا يبذلون القدر الكافي من الجهد للوصول إلي الجناة الحقيقيين، ولا يتم اتباع الإجراءات القانونية السليمة لتقديم أدلة الثبوت الدامغة والمقنعة إلي القضاء، وينتج عن ذلك بطبيعة الحال أن تصدر أحكام القضاء بتبرئة الجناة والمتهمين نتيجة اهتزاز وشيوع أدلة الاتهام والتضارب والتعارض في مسار التحقيقات.
ونتج عن هذا الواقع البائس نتيجة أكثر بؤساً هي ظاهرة الإفلات من العقاب وترك الجريمة بلا قصاص، فالمعتدون ينتهي بهم الحال إلي الانتصار مرتين، مرة حين ينفذون اعتداءاتهم الإجرامية ضد الطرف الأضعف والأعزل، ومرة حين تنصفهم الدولة وتحميهم من العقاب... وفي المقابل ينتهي الحال بالضحايا إلي القهر مرتين:
مرة بسبب ما يتعرضون له من اعتداءات وترويع وخسائر مادية لا لسبب إلا لكونهم مسيحيين، ومرة ثانية حين تخذلهم الدولة وتفشل في حمايتهم، وتؤدي دور من ينحاز إلي جانب المعتدين ويتستر عليهم.
يصل التقرير بعد ذلك إلي خاتمته التي تبحث عن المخرج من هذا الواقع المتردي، وتقدم توصيات محددة يذكر أنها موجهة إلي الحكومة المصرية مع عدم إعفاء هيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وعلماء الدين من تحمل مسئولياتها كل فيما يخصه في إطار نزع فتيل الاحتقان الطائفي السائد علي الساحة، خاصة أن الدراسة أثبتت أن الشباب هم مكمن الخطورة في ذلك الواقع، حيث يمثل الشباب المسلم الأداة المنفذة لأغلب عمليات العنف الطائفي، وعلي الجانب الآخر - ولا يقل عنه خطورة- يقف الشباب المسيحي منعزلاً عن المجتمع عازفاً عن الاندماج داخل المدارس والجامعات والنوادي والتجمعات المدنية الأخري، الأمر الذي يكرس الفجوة المجتمعية الآخذة في الاتساع بين المسلمين والمسيحيين.
أما عن التوصيات الموجهة إلي الحكومة المصرية فهي:
> التحقيق الفوري في كل أحداث العنف الطائفي ومحاسبة الجناة مع تعويض الضحايا.
> تحمل الدولة مسئوليتها الدستورية نحو تفعيل المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين دون تمييز.
> وقف انتهاكات الأجهزة الأمنية للدستور والقانون، وضمان حياد هذه الأجهزة في أداء دورها في إنفاذ القانون وحفظ الأمن لجميع المصريين.
> رفع كفاءة رجال النيابة في التحقيقات المرتبطة بحوادث العنف الطائفي للوصول إلي الجناة الحقيقيين، وعدم قبول التصالح في الجرائم التي لا يجوز فيها ذلك، والعمل علي إحالة المتهمين مع الأدلة الكافية إلي العدالة.
> إنهاء سياسات التمييز غير المعلن ضد المسيحيين في جميع الوظائف العامة، ليعود التوظيف علي أساس الكفاءة وحدها، وإصدار قانون منع التمييز، وضمان تكافؤ الفرص وفقاً لاقتراح المجلس القومي لحقوق الإنسان.
> وضع استراتيجية لإصلاح العملية التعليمية لترسيخ مبادئ التسامح الديني والتعايش المشترك والوطن الواحد للمصريين جميعاً، وإعداد المعلمين القادرين علي قيادة هذه العملية، وإصلاح مناهج التعليم لتطهيرها من مغبة الأحادية الفكرية وإعلاء دين علي الدين الآخر وتمييز طرف علي الطرف الآخر من المصريين.
> تكثيف الرسالة الإعلامية لنشر ثقافة حقوق الإنسان واحترام الاختلاف العقائدي، مع وضع البرامج الجادة لتأهيل وتدريب رجال الشرطة والنيابة والقضاء علي احترام هذه القيم.
> العمل علي إعادة إدماج الشباب في المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية لسد الفجوة المجتمعية التي تفصل المسلم عن المسيحي، وذلك عن طريق إفساح المجال للمجتمع المدني للنهوض بمسئولياته.
>> بذلك أنتهي من عرض هذا التقرير الشجاع والجاد، وأرجو - كما ذكرت في مستهل تقديمه - أن يجد طريقه إلي جميع مستويات السلطة التشريعية والتنفيذية في بلادنا ومراكز صناعة القرار... وتبقي ملحوظة أخيرة تدعوني للانحياز إلي فكرة وصول التقرير إلي هذه المستويات، هي أنه لم يذكر ضمن توصياته حتمية إصدار القانون الموحد لدور العبادة مثله مثل سائر التقارير والدراسات الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان... ولعل السبب وراء ذلك أن يتناغم التقرير في توصياته مع التصريحات الرسمية العديدة الصادرة عن المسئولين في الدولة عقب أحداث نجع حمادي في مستهل هذا العام، والتي دأبت علي التقليل من جدوي إصدار هذا القانون!!

Friday, September 2, 2011

العنف الطائفى فى عامين (2)



أواصل استعراض التقرير المهم الذي بدأته الأسبوع الماضي والصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول قضية العنف الطائفي الذي استشري خلال العامين الماضيين.. وبعد تحليل نمطين من أنماط هذا العنف هما حوادث الانتقام الجماعي من الأقباط علي أثر فعل أو نزاع أو جريمة منسوبة لشخص مسيحي، أو المرتبطة بممارستهم لشعائرهم الدينية، أنتقل إلي النمط الثالث وهو استهداف الكنائس بالاعتداءات والتدمير والحرق وتكسير صلبانها، وفي هذا الصدد يقول التقرير: إنه علي الرغم من أن القانون المصري منح حماية خاصة لدور العبادة من تعرضها للإتلاف، أو التخريب، حيث قررت المادة «160» من قانون العقوبات عقابا لمن يرتكب تلك الجريمة يصل إلي السجن المؤبد، وأنه لا يجوز التصالح فيها، إلا أن هذه المادة يبدو أنها لا تطبق علي من يقوم بإتلاف أو تخريب كنيسة ... فإذا أضفنا ذلك النمط من الاعتداء والتخريب إلي الاعتداء علي الممتلكات القبطية من منازل ومحلات ومزارع وخلافه في خضم أحداث العنف الطائفي، سوف نجد أنه من فرط تكرار ذلك نشأت مخاوف لدي الأقباط أنهم مستهدفون لدفعهم لمغادرة البلاد. أما النمط الرابع من أنماط العنف الطائفي وأكثرها دموية فهو القتل العمد علي أساس اختلاف الهوية الدينية، ويتم ذلك سواء باستخدام الأسلحة البيضاء أو الأسلحة النارية التي وصلت إلي حد حمل المجرمين للأسلحة الرشاشة سريعة الطلقات، ومن الأمور المشينة في هذا الصدد رصد بعض جرائم القتل التي ارتكبت إثر إطلاق شائعات لا أساس لها من الصحة، مثل شائعة إحراق مسجد من قبل المسيحيين وشائعة مقتل مسلم علي يد مسيحي، وللأسف لم تهتم جهات التحقيق باستجلاء الحقيقة حول مصادر تلك الشائعات والمسئولين عن ترويجها.

ينتقل التقرير إلي ملف خطير من ملفات أحداث العنف الطائفي، وهو كيف تتعامل الدولة مع هذه الأحداث، فيسجل أن الدولة لا تملك خطة لمواجهتها، ويرجع ذلك إلي أن الدولة دأبت علي إنكار وجود الاحتقان الطائفي والعنف المتصل به من الأصل . ومن الأمور المفزعة الدالة علي ذلك تصريح محافظ المنيا لجريدة «الوطني اليوم» الناطقة باسم الحزب الوطني الديمقراطي في24/ 11/ 2009والذي نفي فيه وقوع أي حادث عنف طائفي واحد في نطاق محافظته، بينما نتائج الرصد أثبتت أنها المحافظة ذات النصيب الأكبر علي الإطلاق من حوادث العنف الطائفي في مصر!!

ويمضي التقرير في تحليل تعامل الدولة مع العنف الطائفي، حيث يرصد سيطرة وجهات النظر الأمنية علي ذلك، مما أدي إلي الفشل الذريع في التصدي لظاهرة الاحتقان المولدة للعنف، ووصف التقرير طريقة تدخل وزارة الداخلية للتصدي للعنف بأنها قاصرة وعنيفة وقصيرة النظر، وفي أغلب الأحوال غير قانونية، وتهدف دائما إلي فرض التهدئة عنوة، فإما التصالح القصري بين أطراف النزاع - المجرمين مع الضحايا -أو مواجهة الاعتقال والعقاب الجماعي للضحايا!!

وقبل الاسترسال في عرض دور الأجهزة الأمنية يستكمل التقرير تحليل دور باقي الأجهزة الحكومية، فيقول: إنه في حالات قليلة للغاية تدخل المسئولون التنفيذيون غير الأمنيين كالمحافظين لمعالجة حوادث العنف الطائفي في محافظاتهم، لكن دائما ما كانت تدخلاتهم ضعيفة وغير فعالة، أما باقي وزارات الدولة فقد التزمت الصمت وآثرت الابتعاد وكأن الاحتقان الطائفي شأن لا يخصها، وبالتالي خلت الساحة من جهود إصلاح التعليم والثقافة والشئون الاجتماعية وغيرها من وزارات دورها حتمي في تنقية مناخ الاحتقان ولم تبق إلا وزارة الداخلية !!.. وأحيانا كان أعضاء مجلس الشعب أو المجالس المحلية يتدخلون ولكن جهودهم انحصرت في مساعدة الأجهزة الأمنية في سياساتها المنصبة علي فرض التهدئة دون تفعيل القانون عبر تقديم الجناة إلي العدالة.

وهنا يفتح التقرير ملف دور الأجهزة الأمنية الذي يصفه بمنهج "التهدئة علي حساب العدالة" ... حيث تفرض هذه الأجهزة التهدئة الشكلية عنوة ورغما عن إرادة الأطراف المتورطة في العنف الطائفي، وفي سبيل تحقيق ذلك يتم فرض التصالح باستخدام أوراق الضغط المشروعة وغير المشروعة للوصول بالأوضاع إلي الاحتواء الزائف لمسبباتها، والإيحاء الخادع بأن شيئا لم يكن، وعودة المياه إلي مجاريها الطبيعية، بينما يعلم العارفون ببواطن الأمور أن النار لا تزال مستعرة تحت الرماد، وأن الانفجار التالي وشيك الوقوع.

بالإضافة إلي ذلك يذكر التقرير أن عمليات القبض العشوائي والاحتجاز غير القانوني والاعتقال الإداري بموجب حالة الطوارئ تعد من الآليات المتكررة التي تلجأ إليها الشرطة في تعاملها مع أحداث العنف الطائفي، ويستوي معها في ذلك الضحايا مع الجناة، وغالبا ما تتعمد الشرطة اعتقال أعداد متساوية أو متقاربة من المسلمين والمسيحيين لتحقيق هدف فرض التهدئة من خلال استخدام المعتقلين كرهائن، أو كورقة ضغط علي أهالي الضحايا لقبول التنازل عن حقوقهم والانصياع لجلسات الصلح العرفي في مقابل الإفراج عن ذويهم المعتقلين.

ومن الأدوات الغريبة التي تلجأ إليها الأجهزة الأمنية في تعاملها مع العنف الطائفي، وإمعانا منها في مكافأة المعتدين ومعاقبة الضحايا، سياسة التهجير القسري للمسيحيين بعيدا عن منطقة التوتر لإرضاء المسلمين وفرض التهدئة، وهي سياسة مدمرة لا يجيزها القانون المصري في أي حال، وفي أغلب الأحوال يكون إبعاد المسيحيين عن موطنهم ومصدر رزقهم نهائيا، وبناء علي تعليمات شفهية من ضباط أمن الدولة، وبذلك يشعر الضحايا المعتدي عليهم أنهم لا يواجهون المعتدين فقط، وإنما عليهم أن يواجهوا القهر والنفي والتشرد من جانب السلطة الواجب عليها حمايتهم والذود عنهم أصلا.. فإذا بهذه السلطة تمعن في التنكيل بهم سعيا وراء تصدير صورة زائفة بأنها نجحت في السيطرة علي الأوضاع وإعادة الاستقرار إلي المنطقة !!... وذلك بعينه هو الأمر الذي شجع المعتدين علي تكرار أفعالهم بفضل الرعاية غير المباشرة للأجهزة الأمنية!!

لا تزال في جولتنا مع هذا التقرير ملفات أخري أعرضها في مقال مقبل.