Friday, February 18, 2011

مسلم فى الكنيسة


كتب: شريف حافظ


أحسست بأننى يجب وأن أعبر عما أقوله! فالكلام وحده ليس كافياً! ورسايل الفكر، يجب وأن يصاحبها القدوة! ولذا، قررت أن أذهب إلى الكنيسة، ممثلاً عن نفسى ليس إلا، يوم قُداس عيد القيامة، محتفلاً مع إخوتى وأخواتى فى الوطن، بعيدهم، ومشاركاً لهم فرحتهم. لم أذهب بناءً على دعوة ولم أنتظرها، لأننى مصرى، قرر أن يدخل دار عبادة يمثل السلام كأى دار آخر للعبادة، فى أى دين. تأففت كثيراً ممن مهدوا لذهابهم للكنائس فى ذلك اليوم بالحديث فى الصحف ولوسائل الإعلام، وكأنهم يقومون بعمل "شو" إعلامى، للتعبير عن "تسامحهم"، لأن هذا الفعل، لا يحتاج إلى "المنظرة" وإنما إلى أن نقوم به بصمت واحترام، بعيداً عن أى نوع من التباهى والتفاخر، وبشكل طبيعى، لأن ما نقوم به يدمج هذا الوطن ويوحده عن حق، بعيداً عن الشعارات البراقة التى طالما نادينا بها كثيراً دون أى جدوى!
وفى طريقى، لدخول كنيسة مدينة 6 أكتوبر، وجدت إجراءات أمنية تفوق الوصف. فتيقنت من "جدية" الدولة فى صيانة الكنائس والمواطنين المصريين المسيحيين! دخلت إلى الكنيسة ورأيت رجلاً يبدو عليه أنه يستقبل القادمين، فعرفته بنفسى وبأننى مسلم. فسلم على بشكل جميل ومُرحب وأدخلنى إلى قاعة وجدت فيها أعضاء للمجلس الشعبى المحلى للمدينة، من المسلمين أيضاً. ثم جاء ممثلون عن الحزب الوطنى ووزارة الأوقاف من الأزهريين. وقد جاء مجلسى بجانب ممثلى وزارة الأوقاف، فجلسنا نحتسى القهوة ونأكل الحلوى المقدمة لنا ونتحدث فى شئون ديننا الإسلامى وسعادتنا بتعيين الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر، رغم حزننا على وفاة الشيخ الدكتور سيد طنطاوى. ثم سمعنا بقدوم موكب المحافظ الدكتور فتحى سعد، ودخل علينا رجال الكنيسة من المستقبلين، يدعونا للنزول إلى بهو الكنيسة. وجاءت اللحظة التى طالما كنت أتمنى أن أحياها، وهى الدخول إلى القُداس، بعدما حدث يوم عيد الميلاد الماضى من مأساة بشعة فى مدينة نجع حمادى، لأعبر مثلما عبر غيرى، عن أننا شعب واحد، وأن من يقوم منا بجرائم ضد أفراد هذا الشعب، لا يمثل أحداً غير نفسه ولابد من معاقبته!
دخلنا وراء سيادة المحافظ ورجال الدولة، وجلسنا حيث كان الرجال، حيث هناك تفرقة بين مجالس النساء ومجالس الرجال. واستمعنا إلى تكملة عظة أحد رجال الدين ثم إلى عظة كاملة لرجل آخر. تكلم الرجل الآخر، حول أمراض العيون بصورة فلسفية عميقة موضحا مختلف الأمراض وترجمها إلى ما تعنى فى رؤية الآخر فى مصر. فتكلم عن قصر النظر وطول النظر وعمى الألوان والبقع السوداء على العين. تكلم عن كيفية أن هناك من لا يرى غيره وإنما فقط عشيرته. وتكلم حول سماحة الدين والمسيح عليه الصلاة والسلام. كانت العظة رائعة فى فلسفتها وعامة فى تناولها، بحيث إننى لم أشعر أنى أسمع شيئا خارجاً عما أؤمن به كمسلم، رغم الاختلافات العقيدية التى بالطبع أحترمها، حيث لكل شخص الحق فى أن يؤمن بما يريد.
نظرت فى القاعة حيث جلسنا، وكان النسوة يغطين شعورهن "بطُرح" وهن فى غاية الخشوع. ملامح الجميع ملامح مصرية صميمة، رجالاً ونساءً. كانوا جميعاً غاية فى الود. وعند انتهاء العظة، ذهبنا متقدمين الجميع، لنهنئ القساوسة بعيد القيامة، ثم ذهبنا.
لقد شعرت داخل هذا القداس، الذى لم يتناول "الاختلافات" العقيدية، وكأننى أحتضن الوطن. وكأن مصر بين يدى. وكأن كل ما يُقال ويُشعر فى الأجواء، منذ أمد قريب، فى عُرف التاريخ، إنما هو تعبير عن تخريب مُتعمد، دخيل على المصريين. وإنما مصر، هى تلك الحالة التى عشتها فى داخل هذا القُداس، الذى لن يكون الأخير الذى أحضر، فى أعياد مسيحيى مصر!
وهذا، لا يتعارض على الإطلاق، مع توقيعى على البيان الذى كتبه الأستاذ كمال غبريال حول الرفض التام لتدخل الكنيسة فى الشأن السياسى. فنحن نعارض تدخل المؤسسات الدينية الإسلامية فى الشأن السياسى، وبالتساوى، نعارض تدخل المؤسسات الدينية المسيحية أو غيرها، فى السياسة المصرية، لأن الدين لله والوطن للجميع. إن مصر لديها رئيس واحد فقط للجميع، سواء كنا نتكلم عن الرئيس الحالى أو من سيليه. وليس لمصر رئيس مسلم للمسلمين ولا رئيس مسيحى للمسيحيين. وليست هناك قوميات فى الأديان، لأن الأديان للعالمين، ومن يقول هذا، إنما هو يحدد نطاقا للدين وتلك مقولات جوفاء، لزرع الفتنة فى الصدور!
استرجعت عندما شاركت مسيحيى مصر عيدهم، الحقيقة الأبدية:
نعيش تحت الشمس نفسها.
والقمر نفسه.
نمشى على نفس الأرض.
تكويننا البيولوجى واحد.
نتنفس نفس الهواء.
ونعيش تحت السماء نفسها.
ومشاعر الحزن والفرح واحدة.
وقضايا الوطن تجمعنا.
نحمل الجنسية المصرية ونفتخر.
ونريد إصلاح الوطن.
وتغييره معاً!.
إذاً، لا يمكن أن يفرقنا شىء
طالما امتلكنا عقولاً، فى رؤوسنا !

No comments:

Post a Comment